الباحث القرآني

﴿إِذْ رَأَى نَارًا﴾ وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى اسْتَأْذَنَ شُعَيْبًا فِي الرُّجُوعِ مِنْ مَدْيَنَ إِلَى مِصْرَ لِزِيَارَةِ وَالِدَتِهِ وَأُخْتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَكَانَتْ أَيَّامَ الشِّتَاءِ، وَأَخَذَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ مَخَافَةَ مُلُوكِ الشَّامِ، وَامْرَأَتُهُ فِي سُقْمِهَا، لَا تَدْرِي أَلِيلًا أَمْ نَهَارًا. فَسَارَ فِي الْبَرِيَّةِ غَيْرَ عَارِفٍ بِطُرُقِهَا، فَأَلْجَأَهُ الْمَسِيرُ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ الْغَرْبِيِّ الْأَيْمَنِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مُثَلَّجَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ الطَّلْقُ، فَقَدَحَ زَنْدَهُ فَلَمْ يُورِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا غَيُورًا فَكَانَ يَصْحَبُ الرُّفْقَةَ بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقُهُمْ بِالنَّهَارِ، لِئَلَّا تُرَى امْرَأَتُهُ، فَأَخْطَأَ مَرَّةً الطَّرِيقَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ شَاتِيَةٍ، لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَرَامَتِهِ، فَجَعَلَ يَقْدَحُ الزَّنْدَ فَلَا يُوَرِي، فَأَبْصَرَ نَارًا مِنْ بَعِيدٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ، ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ [[انظر: الطبري: ١٦ / ١٤٢ - ١٤٣، القرطبي: ١١ / ١٧١، البحر المحيط: ٦ / ٢٣٠.]] أَقِيمُوا، قَرَأَ حَمْزَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ هَاهُنَا وَفِي الْقَصَصِ، ﴿إِنِّي آنَسْتُ﴾ أَيْ: أَبْصَرْتُ، ﴿نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ﴾ شُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ، وَالْقَبَسُ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ تَأْخُذُهَا فِي طَرَفِ عَمُودٍ مِنْ مُعْظَمِ النَّارِ، ﴿أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ أَيْ: أَجِدُ عِنْدَ النَّارِ مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى الطَّرِيقِ. ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا﴾ رَأَى شَجَرَةً خَضْرَاءَ مِنْ أَسْفَلِهَا [إِلَى أَعْلَاهَا، أَطَافَتْ بِهَا نَارٌ بيضاء تتقد كأضوإ مَا يَكُونُ، فَلَا ضَوْءُ النَّارِ يُغَيِّرُ] [[ساقط من "أ".]] خُضْرَةَ الشَّجَرَةِ، وَلَا خُضْرَةُ الشَّجَرَةِ تُغَيِّرُ ضَوْءَ النَّارِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَانَتِ الشَّجَرَةُ سَمُرَةً خَضْرَاءَ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَمُقَاتِلٌ، وَالْكَلْبِيُّ: كَانَتْ مِنَ الْعَوْسَجِ. وَقَالَ وَهْبٌ: كَانَتْ مِنَ الْعَلِيقِ. وَقِيلَ: كَانَتْ شَجَرَةَ الْعُنَّابِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا [[انظر: الطبري: ١٦ / ١٤٣، البحر المحيط: ٦ / ٢٣٠، القرطبي: ١١ / ١٧١. وهذه الأقوال في الشجرة مما لم يرد نص عن النبي ﷺ في تعيينها، وقد أعرض الحافظ ابن كثير عنها فلم يذكر شيئا منها في تفسير الآية.]] . قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: لَمْ يَكُنِ الَّذِي رَآهُ مُوسَى نَارًا بَلْ كَانَ نُورًا، ذُكِرَ بِلَفْظِ النَّارِ لِأَنَّ مُوسَى حَسِبَهُ نَارًا. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ نُورُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ النَّارُ بِعَيْنِهَا، وَهِيَ إِحْدَى حُجُبِ اللَّهِ تَعَالَى، يَدُلُّ عَلَيْهِ: مَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "حِجَابُهُ النَّارُ لَوْ كَشَفَهَا لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ" [[أخرجه مسلم في الإيمان، باب في قوله عليه السلام: إن الله لا ينام. . برقم (١٧٩) : ١ / ١٦١ - ١٦٢.]] . وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ مُوسَى أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الْحَشِيشِ الْيَابِسِ وَقَصَدَ الشَّجَرَةَ وَكَانَ كُلَّمَا دَنَا نَأَتْ مِنْهُ النَّارُ، وَإِذَا نَأَى دَنَتْ، فَوَقَفَ مُتَحَيِّرًا، وَسَمِعَ تَسْبِيحَ الْمَلَائِكَةِ، وَأُلْقِيَتْ عَلَيْهِ السَّكِّينَةُ [[انظر: البحر المحيط: ٦ / ٢٣٠.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب