الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ ٨/ب أَيْ: مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّينَ الْمَذْكُورِينَ خَلْفٌ وَهُمْ قَوْمُ سُوءٍ، "وَالْخَلَفُ" -بِالْفَتْحِ-الصَّالِحُ، وَبِالْجَزْمِ الطَّالِحُ [[وهو قول ابن الأعرابي واستشهدوا له بقول لبيد: ذهب الذين يعاشر في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب ومنه قيل للردي من الكلام: خلف. ومنه المثل السائِر: "سكت ألفا ونطق خلفا". فخلف في الذم بالإسكان وخلف بالفتح في المدح هذا هو المستعمل المشهور. قال ﷺ: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له". (رواه البيهقي، وقال الإمام أحمد: لا بأس به) . وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر، قال حسان بن ثابت: لنا القدم الأولى إليك وخلف ... لأولنا في طاعة الله تاب وقال آخر: إنا وجدنا خلفا بئس الخلف ... أغلق عنا بابه ثم حلف لا يدخل البواب إلا من عرف ... عبدا إذا ما ناء بالحمل وقف انظر: "تفسير القرطبي": ٧ / ٣١٠-٣١١، وراجع فيما سبق، تفسير سورة الأعراف، الآية (١٦٩) .]] . قَالَ السُّدِّيُّ: أَرَادَ بِهِمُ الْيَهُودَ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: هُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ [[انظر: "تفسير القرطبي": ١١ / ١٢٢، "زاد المسير": ٥ / ٢٤٥، وساق السيوط جملة روايات في ذلك: ٥ / ٥٢٦. وكونهم من أمة محمد ﷺ ليس بوجيه -عند الشيخ الشنقيطي- لأن قوله تعالى: "فخلف من بعدهم" صيغة تدل على الوقوع في الزمن الماضي، ولا يمكن صرفها إلى المستقبل إلا بدليل يجب الرجوع إليه كما ترى والظاهر أنهم اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الذين خلفوا أنبياءهم وصالحيهم قبل نزول الآية فأضاعوا الصلاة واتبعوا الشهولت. وعلى كل حال فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات يدخلون في الذم والوعيد المذكور في هذه الآية واتباع الشهوات المذكور في الآية عام في اتباع كل مشتهى يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة. انظر: "أضواء البيان" ٤ / ٣٠٨.]] . ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾ تَرَكُوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ [[وهو مروي عن محمد بن كعب القرطبي واختاره الزجاج. انظر: الطبري: ١٦ / ٩٨، زاد المسير: ٥ / ٢٤٥، الدر المنثور: ٥ / ٥٢٦.]] . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ: أَخَّرُوهَا عَنْ وَقْتِهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هُوَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْعَصْرُ، وَلَا الْعَصْرَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ [[وهو مروي عن القاسم بن مخيمرة، وعمر بن عبد العزيز والنخعي ومجاهد. هذا وكل ما روي عن السلف -رحمه الله- في تأويل الآية داخل في معناها، لأن تأخيرها عن وقتها، وعدم إقامتها في الجماعة، والإخلال بشروطها، وجحد وجوبها، وتعطيل المساجد منها -وهذه كلها أقوال في تفسير الآية- كل ذلك إضاعة لها وإن كانت أنواع الإضاعة تتفاوت. انظر: "تفسير القرطبي" ١١ / ١٢٢-١٢٥، "أضواء البيان": ٤ / ٣٠٨.]] . ﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ أَيِ الْمَعَاصِي وَشُرْبَ الْخَمْرِ، يَعْنِي آثَرُوا شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَظْهَرُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْأَزِقَّةِ. ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ قَالَ وَهْبٌ: "الْغَيُّ" نَهْرٌ فِي جَهَنَّمَ بَعِيدٌ قَعْرُهُ خَبِيثٌ طَعْمُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "الْغَيُّ" وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَإِنَّ أَوْدِيَةَ [[ساقط من "أ".]] جَهَنَّمَ لَتَسْتَعِيذُ مِنْ حَرِّهِ أُعِدَّ لِلزَّانِي الْمُصِرِّ عَلَيْهِ وَلِشَارِبِ الْخَمْرِ الْمُدْمِنِ عَلَيْهَا وَلِآكِلِ الرِّبَا الَّذِي لَا يَنْزِعُ عَنْهُ وَلِأَهْلِ الْعُقُوقِ وَلِشَاهِدِ الزُّورِ [[انظر: القرطبي: ١١ / ١٢٥.]] . وَقَالَ عَطَاءٌ: "الْغَيُّ": وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَسِيلُ قَيْحًا وَدَمًا. وَقَالَ كَعْبٌ: هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ أَبْعَدُهَا قَعْرًا، وَأَشَدُّهَا حَرًّا فِي بِئْرٍ تُسَمَّى "الْهِيمُ" كُلَّمَا خَبَتْ جَهَنَّمُ فَتَحَ اللَّهُ تِلْكَ الْبِئْرَ فَيُسَعِّرُ بِهَا جَهَنَّمَ [[انظر القرطبي: نفسه.]] . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: "إِنَّ مَا بَيْنَ شَفِيرِ جَهَنَّمَ إِلَى قَعْرِهَا مَسِيرَةُ سَبْعِينَ خَرِيفًا مِنْ حَجَرٍ يَهْوِي أَوْ قَالَ صَخْرَةٍ تَهْوِي عِظَمُهَا كَعَشْرِ عَشْرَوَاتِ عِظَامٍ سِمَانٍ فَقَالَ لَهُ مَوْلَىً لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: هَلْ تَحْتَ ذَلِكَ شَيْءٌ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ غَيٌّ وَآثَامُّ" [[أخرج نحوه عن أبي أمامة مرفوعا: الطبري في التفسير: ١٦ / ١٠٠، وزاد السيوطي نسبته لابن مردويه والبيهقي في "البعث" والطبراني. قال الهيثمي في "المجمع": (١٠ / ٣٨٩) : "وفيه ضعفاء وقد وثقهم ابن حبان وقال يخطئون". وقال ابن كثير: (٣ / ١٢٩) : "هذا حديث غريب ورفعه منكر".]] . وَقَالَ الضَّحَّاكُ: غَيًّا وَخُسْرَانًا. وَقِيلَ: هَلَاكًا. وَقِيلَ: عَذَابًا [[قال الطبري: (١٦ / ١٠) : "وكل هذه الأقوال متقاربات المعاني وذلك أن من ورد البئرين التين ذكرهما النبي ﷺ والوادي الذي ذكره ابن مسعود في جهنم فدخل ذلك فقد لاقى خسرانا وشرا حْسب، هـ به شرا"!.]] . وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ لَيْسَ مَعْنَاهُ يَرَوْنَ فَقَطْ، بَلْ مَعْنَاهُ الِاجْتِمَاعُ وَالْمُلَابَسَةُ [[في "ب" الملامسة.]] مَعَ الرُّؤْيَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب