الباحث القرآني

﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: بِالتَّشْدِيدِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ "التَّحْرِيمِ" وَ"الْقَلَمِ" وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ وَهُمَا لُغَتَانِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: "التَّبْدِيلُ": تَغْيِيرُ الشَّيْءِ أَوْ تَغْيِيرُ حَالِهِ وَعَيْنُ الشَّيْءِ قَائِمٌ وَ"الْإِبْدَالُ": رَفْعُ الشَّيْءِ وَوَضْعُ شَيْءٍ آخَرَ مَكَانَهُ ﴿رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ أَيْ صَلَاحًا وَتَقْوَى ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ: بِضَمِّ الْحَاءِ وَالْبَاقُونَ بِجَزْمِهَا أَيْ: عَطْفًا مِنَ الرَّحْمَةِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الرَّحِمِ وَالْقَرَابَةِ قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ وَأَبَرُّ بِوَالِدَيْهِ [[قال الطبري: (١٦ / ٤) "ولا وجه للرحم في هذا الموضع لأن المقتول كان الذي أبدل منه والديه ولدا لأبوي المقتول، فقرابتهما من والديه وقربهما منه في الرحم سواء".]] . قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ جَارِيَةً فَتَزَوَّجَهَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَوَلَدَتْ لَهُ نَبِيًّا فَهَدَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ جَارِيَةً وَلَدَتْ سَبْعِينَ نَبِيًّا [[قال ابن عطية: وهذا بعيد ولا تعرف كثرة الأنبياء إلا في بني إسرائيل ولم تكن هذه المرأة منهم. (البحر المحيط:٦ / ١٥٥) .]] . وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَبْدَلَهُمَا بِغُلَامٍ [[انظر هذه الأقوال في الطبري: ١٦ / ٣-٤، زاد المسير: ٥ / ١٨٠ وقد مال الطبري إلى أن المقصود بالآية أن الله تعالى أبدلهما بالغلام جارية.]] . قَالَ مُطَرِّفٌ: فَرِحَ بِهِ أَبَوَاهُ حِينَ وُلِدَ وَحَزِنَا عَلَيْهِ حِينَ قُتِلَ. وَلَوْ بَقِيَ لَكَانَ فِيهِ هَلَاكُهُمَا فَلْيَرْضَ امْرُؤٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ قَضَاءَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ فِيمَا يَكْرَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ قَضَائِهِ فِيمَا يُحِبُّ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ﴾ وَكَانَ اسْمُهُمَا أَصْرَمُ وَصَرِيمٌ ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الْكَنْزِ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "كَانَ ذَهَبًا وَفِضَّةً" [[أخرجه الترمذي في تفسير سورة الكهف: ٨ / ٦٠٠، والحاكم في المستدرك ٢ / ٣٦٩، وأخرجه البخاري في تاريخه والطبراني (تحفة الأحوزي: ٨ / ٦٠١) ويزيد بن يوسف الصنعاني ضعيف قال الذهبي: "متروك" وإن كان حديثه أشبه بمعنى الكنز.]] . وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ مَالًا [[أخرجه عنه الطبري: ١٦ / ٦ وهو بمعنى حديث أبي الدرداء.]] . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: كَانَ الْكَنْزُ صُحُفًا فِيهَا عِلْمٌ [[أخرجه الحاكم وصححه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: ٢ / ٣٦٩.]] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ كَانَ لَوْحًا مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبًا فِيهِ: "عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ! عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ كَيْفَ يَغْفُلُ! عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالرِّزْقِ كَيْفَ يَتْعَبُ! عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَنْصَبُ! عَجَبًا لِمَنْ أَيْقَنَ بِزَوَالِ الدُّنْيَا وَتَقَلُّبِهَا بِأَهْلِهَا كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا! لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ". وَفِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مَكْتُوبٌ: "أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي خَلَقْتُ الْخَيْرَ والشر فطوبى ٢٢٢/ألِمَنْ خَلَقْتُهُ لِلْخَيْرِ وَأَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْهِ وَالْوَيْلُ لِمَنْ خَلَقْتُهُ لِلشَّرِّ وَأَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْهِ" [[أخرجه الطبري: ١٦ / ٥-٦ وانظر: تفسير ابن كثير: ٣ / ١٠٠.]] وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ [[وهذا يتنافى مع ظاهر الآية الكريمة ومع إطلاق لفظ الكنز الذي ذكره المصنف أيضا عن الزجاج عند الإطلاق، ولعل الراجح هو القول الأول، وإن كان الحديث فيه ضعيفا لكنه يتسق مع ظاهر الآية وإطلاق اللفظ، وسائر الأخبار ليست مرفوعة، ولذلك قال الطبري رحمه الله: (١٦ / ٦) . "وأولى التأويلين في ذلك بالصواب القول الذي قال به عكرمة، لأن المعروف من كلام العرب أن الكنز اسم لما يكنز من مال، وأن كل ما كنز فقد وقع عليه اسم كنز، فإن التأويل مصروف إلى الأغلب من استعمال المخاطبين بالتنزيل، ما لم يأت دليل يجب من أجله صرفه إلى غير ذلك ... ".]] وَرُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْكَنْزُ إِذَا أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إِلَى كَنْزِ الْمَالِ، وَيَجُوزُ عِنْدَ التَّقْيِيدِ أَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ كَنْزُ عِلْمٍ، وَهَذَا اللَّوْحُ كَانَ جَامِعًا لَهُمَا. ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ قِيلَ: كَانَ اسْمُهُ "كَاسِحٌ" وَكَانَ مِنَ الْأَتْقِيَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبَوَيْهِمَا. وَقِيلَ: كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَبِ الصَّالِحِ سَبْعَةُ آبَاءٍ [[انظر في هذين القولين: زاد المسير: ٥ / ١٨٢.]] . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ بِصَلَاحِ الْعَبْدِ وَلَدَهُ [وَوَلَدَ وَلَدِهِ] [[ساقط من "ب".]] وَعِتْرَتَهُ وَعَشِيرَتَهُ وَأَهْلَ دُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظِ اللَّهِ مَا دَامَ فِيهِمْ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنِّي لَأُصَلِّي فَأَذْكُرُ وَلَدِي فَأَزِيدُ فِي صَلَاتِي. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾ أَيْ: يَبْلُغَا وَيَعْقِلَا. وَقِيلَ: أَنْ يُدْرِكَا شِدَّتَهُمَا وقوتهما. وقيل: ثمان عَشْرَةَ سَنَةً. ﴿وَيَسْتَخْرِجَا﴾ حِينَئِذٍ ﴿كَنْزَهُمَا رَحْمَةً﴾ نِعْمَةً ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ أَيْ بِاخْتِيَارِي وَرَأْيِي بَلْ فَعَلْتُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَإِلْهَامِهِ ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ أَيْ لَمْ تُطِقْ عَلَيْهِ صَبْرًا وَ"اسْتَطَاعَ" وَ"اسْطَاعَ" بِمَعْنًى وَاحِدٍ. رُوِيَ أَنَّ مُوسَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ قَالَ لَهُ: أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَطْلُبِ الْعِلْمَ لِتُحَدِّثَ بِهِ وَاطْلُبْهُ لِتَعْمَلَ بِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْخَضِرَ حَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ [[انظر فيما سبق التعليق على الآية (٦٥) من السورة.]] ؟ قِيلَ: إِنَّ الْخَضِرَ وَإِلْيَاسَ حَيَّانِ يَلْتَقِيَانِ كُلَّ سَنَةٍ بِالْمَوْسِمِ [[خبر ضعيف. انظر: الزهر النضر لابن حجر: ٢ / ٢٠١ (مجموعة الرسائل المنيرية) .]] . وَكَانَ سَبَبُ حَيَاتِهِ فِيمَا يُحْكَى أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ عَيْنِ الْحَيَاةِ وَذَلِكَ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ دَخَلَ الظُّلُمَاتِ لِطَلَبِ عَيْنِ الْحَيَاةِ. وَكَانَ الْخَضِرُ عَلَى مُقَدَّمَتِهِ فَوَقَعَ الْخَضِرُ عَلَى الْعَيْنِ فَنَزَلَ وَاغْتَسَلَ وَتَوَضَّأَ [[زيادة من "ب".]] وَشَرِبَ وَصَلَّى شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَخْطَأَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الطَّرِيقَ فَعَادَ [[المرجع السابق: ٢ / ٢٠٠-٢٠١، وانظر: ابن كثير: ٣ / ١٠١، وأشار إلى ضعف القصة من رواية الطبري بنحوه، القرطبي: ١١ / ٤١ وقال: هذه الروايات كلها لا تقوم على ساق.]] . وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الأنبياء: ٣٤] . وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَمَا صَلَّى الْعَشَاءَ لَيْلَةً: "أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ حَيٌّ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ" [[أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء: ٢ / ٧٣-٧٤، ومسلم في فضائل الصحابة، باب قوله ﷺ: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة" برقم (٢٥٣٧) : ٤ / ١٩٦٥، والمصنف في شرح السنة: ٢ / ١٩٢-١٩٣. وانظر: الزهر النضر لابن الحجر: ٢ / ٢٠٥-٢٠٧ (مجموعة الرسائل المنيرية) قال ابن عمر رضي الله عنهما -في الرواية نفسها: "فوهل الناس من مقالة رسول الله ﷺ تلك، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث، عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله ﷺ: لايبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد، يريد بذلك: أن ينخرم ذلك القرن" أي: ينقطع وينقضي.]] . وَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ حَيًّا لَكَانَ لَا يَعِيشُ بَعْدَهُ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب