الباحث القرآني

فَلَمَّا ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ﴾ يَقُولُ: جِئْتُكَ لِأَتْبَعَكَ وَأَصْحَبَكَ ﴿عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ: " رَشَدًا " بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ أَيْ صَوَابًا وَقِيلَ: عِلْمًا تُرْشِدُنِي بِهِ. وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى هَذَا قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: كَفَى بِالتَّوْرَاةِ عِلْمًا وَبِبَنِي إِسْرَائِيلَ شُغْلًا فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِهَذَا فَحِينَئِذٍ: ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ ﴿قَالَ﴾ لَهُ الْخَضِرُ ﴿إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَرَى أُمُورًا مُنْكَرَةً وَلَا يَجُوزُ لِلْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى الْمُنْكَرَاتِ. ثُمَّ بَيَّنَ عُذْرَهُ فِي تَرْكِ الصَّبْرِ فَقَالَ: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ أَيْ عِلْمًا. ﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا﴾ إِنَّمَا اسْتَثْنَى لِأَنَّهُ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ بِالصَّبْرِ ﴿وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ أَيْ: لَا أُخَالِفُكَ فِيمَا تَأْمُرُ. ﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي﴾ فَإِنْ صَحِبْتَنِي وَلَمْ يَقُلْ: اتَّبِعْنِي وَلَكِنْ جَعَلَ الِاخْتِيَارَ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ شَرْطًا فَقَالَ: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِي﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَالْآخَرُونَ بِسُكُونِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ ﴿عَنْ شَيْءٍ﴾ أَعْمَلُهُ مِمَّا تُنْكِرُهُ وَلَا تَعْتَرِضْ عَلَيْهِ ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ حَتَّى أَبْتَدِئَ لَكَ بِذِكْرِهِ فَأُبَيِّنُ لَكَ شَأْنَهُ. ﴿فَانْطَلَقَا﴾ يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ يَطْلُبَانِ سَفِينَةً يَرْكَبَانِهَا فَوَجَدَا سَفِينَةً فَرَكِبَاهَا فَقَالَ أَهْلُ السَّفِينَةِ: هَؤُلَاءِ لُصُوصٌ وَأَمَرُوهُمَا بِالْخُرُوجِ فَقَالَ صَاحِبُ السَّفِينَةِ: مَا هُمْ بلصوص ولكني أرجو وُجُوهَ الْأَنْبِيَاءِ. وَرُوِّينَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "مَرَّتْ بِهِمْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ فَلَمَّا لَجَّجُوا الْبَحْرَ أَخَذَ الْخَضِرُ فَأْسًا فَخَرَقَ لَوْحًا مِنَ السَّفِينَةِ" [[تقدم تخريجه وهو في البخاري باب العلم: ١ / ٢١٨.]] فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ﴾ لَهُ مُوسَى ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: "لِيَغْرَقَ" بِالْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَفَتْحِ الرَّاءِ " أَهْلُهَا " بِالرَّفْعِ عَلَى اللُّزُومِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِالتَّاءِ وَرَفْعِهَا وَكَسْرِ الرَّاءِ ﴿أَهْلَهَا﴾ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِلْخَضِرِ. ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ أَيْ: مُنْكَرًا وَالْإِمْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الدَّاهِيَةُ وَأَصْلُهُ: كُلُّ شَيْءٍ شَدِيدٌ كَثِيرٌ [[في "ب": كبير.]] يُقَالُ: أَمِرَ الْقَوْمُ: إِذَا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ أَمْرُهُمْ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ ﴿إِمْرًا﴾ أَيْ: عَجَبًا. وَرُوِيَ أَنَّ الْخَضِرَ لَمَّا خَرَقَ السَّفِينَةَ لَمْ يَدْخُلْهَا الْمَاءُ. وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى لَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَحَشَّى بِهِ الْخَرْقَ. وَرُوِيَ أَنَّ الْخَضِرَ أَخَذَ قَدَحًا مِنَ الزُّجَاجِ وَرَقَّعَ بِهِ خَرْقَ السَّفِينَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب