الباحث القرآني

ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَقَالَ: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ﴾ أَيْ صَارُوا إِلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ مَصِيرِهِمْ إِلَى الْكَهْفِ [[ذكر هذه الروايات التي ساقها المصنف: الطبري في التفسير: ١٥/٢٠٠-٢٠٥، والسيوطي في الدر المنثور: ٥ / ٣٦٣-٣٧٠، ٣٧٣، والقرطبي: ١٠ / ٣٥٨-٣٦٠، والخازن: ٤ / ١٦٠-١٦٥. وهذه الروايات بهذا التفصيل فيما يتعلق بخروج الفتية وأسمائهم واسم كلبهم.. إلخ بجملتها متلقاة عن أهل الكتاب الذين أسلموا وحملهم عنهم بعض الصحابة والتابعين وحكوه عنهم لغرابته والعجب منه ونضع هنا كلمات لبعض العلماء المحققين والمفسرين حيال هذه الروايات تغنينا عن التعليق على التفسير في مواضع كثيرة: قال الحافظ ابن كثير في التفسير: (٣ / ٧٦-٧٩) : " ... ولم يخبرنا الله تعالى بمكان هذا الكهف ولا في أي البلاد من الأرض إذ لا فائدة لنا فيه ولا قصد شرعي وقد تكلف بعض المفسرين فذكروا فيه أقوالا.. والله أعلم بأي بلاد الله هو ولو كان فيه مصلحة دينية لأرشدنا الله تعالى ورسوله إليه.. فأعلمنا تعالى بصفته ولم يعلمنا بمكانه". وبعد أن عرض لبعض الأقوال عن كلب أصحاب الكهف ولونه قال: "واختلفوا في لونه على أقوال لا حاصل لها ولا طائل تحتها ولا دليل عليها ولا حاجة إليها بل هي مما ينهى عنه؛ فإن مستندها رجم بالغيب". وقال عن أسماء الفتية: " ... وفي تسميتهم بهذه الأسماء واسم كلبهم نظر في صحته والله أعلم فإن غالب ذلك متلقى من أهل الكتاب وقد قال تعالى: "فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا" أي: سهلا هينا فإن الأمر في معرفة ذلك لايترتب عليه كبير فائدة". وقال في البداية والنهاية: (٢ / ١١٥) : ".. وقد ذكر كثير من القصاص والمفسرين لهذا الكلب نبأ وخبرا طويلا أكثره متلقى من الإسرائيليات وكثير منها كذب ومما لا فائدة فيه كاختلافهم في اسمه ولونه". وقال الأستاذ سيد قطب في كتابه "في ظلال القرآن": (١٥ / ٢٢٦٠-٢٢٦١) : "تجيء قصة أصحاب الكهف فتعرض نموذجا للإيمان في النفوس المؤمنة كيف تطمئن به وتؤثره على زينة الأرض ومتاعها وتلجأ به إلى الكهف حين يعز عليها أن تعيش به مع الناس وكيف يرعى الله هذه النفوس المؤمنة ويقيها الفتنة ويشملها بالرحمة. وفي القصة روايات شتى وأقاويل كثيرة فقد وردت في بعض الكتب القديمة وفي الأساطير بصور شتى ونحن نقف فيها عند ما جاء في القرآن فهو المصدر الوحيد المستيقن ونطرح سائر الروايات والأساطير التي اندست في التفاسير بلا سند صحيح وبخاصة أن القرآن الكريم قد نهى عن استفتاء غير القرآن فيها وعن المراء فيها والجدل رجما بالغيب". وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان": (٤ / ٢٠) : "واعلم أن قصة أصحاب الكهف وأسمائهم وفي أي محل من الأرض كانوا كل ذلك لم يثبت فيه عن النبي ﷺ شيء زائد على ما في القرآن وللمفسرين في ذلك أخبار كثيرة إسرائيلية أعرضنا عن ذكرها لعدم الثقة بها". وراجع: الإسرائيليات والموضوعات للشيخ محمد أبو شهبة ص (٢٣٥-٢٣٧) .]] فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: مَرَجَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ وَعَظُمَتْ فِيهِمُ الْخَطَايَا وَطَغَتْ فِيهِمُ الْمُلُوكُ حَتَّى عَبَدُوا الْأَصْنَامَ وَذَبَحُوا لِلطَّوَاغِيتِ وَفِيهِمْ بَقَايَا عَلَى دِينِ الْمَسِيحِ مُتَمَسِّكِينَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ فَكَانَ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ مُلُوكِهِمْ مَلِكٌ مِنَ الرُّومِ يُقَالُ لَهُ "دِقْيَانُوسُ" عَبَدَ الْأَصْنَامَ وَذَبَحَ لِلطَّوَاغِيتِ وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ وَكَانَ يَنْزِلُ قُرَى الرُّومِ وَلَا يترك في فدية نَزَلَهَا أَحَدًا إِلَّا فَتَنَهُ حَتَّى يَعْبُدَ الْأَصْنَامَ وَيَذْبَحَ لِلطَّوَاغِيتِ أَوْ قَتَلَهُ حَتَّى نَزَلَ مَدِينَةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَهِيَ "أَفَسُوسُ" فَلَمَّا نَزَلَهَا كَبُرَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ فَاسْتَخْفَوْا مِنْهُ وَهَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ وَكَانَ "دِقْيَانُوسُ" حِينَ قَدِمَهَا أَمَرَ أَنْ يُتْبَعَ أَهْلُ الْإِيمَانِ فَيُجْمَعُوا لَهُ وَاتَّخَذَ شُرَطًا مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِهَا يَتَّبِعُونَ أَهْلَ الْإِيمَانِ فِي أَمَاكِنِهِمْ فَيُخْرِجُونَهُمْ إِلَى "دِقْيَانُوسَ" فَيُخَيِّرُهُمْ بَيْنَ الْقَتْلِ وَبَيْنَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالذَّبْحِ لِلطَّوَاغِيتِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْغَبُ فِي الْحَيَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْبَى أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ فَيُقْتَلُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الشِّدَّةِ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ جَعَلُوا يُسَلِّمُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَذَابِ وَالْقَتْلِ فَيُقْتَلُونَ وَيُقَطَّعُونَ ثُمَّ يُرْبَطُ مَا قُطِعَ مِنْ أَجْسَامِهِمْ عَلَى سُورِ الْمَدِينَةِ مِنْ نَوَاحِيهَا وَعَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا حَتَّى عَظُمَتِ الْفِتْنَةُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْفِتْيَةُ حَزِنُوا حُزْنًا شَدِيدًا فَقَامُوا وَاشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ وَكَانُوا مِنْ أَشْرَافِ الرُّومِ وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ بَكَوْا وَتَضَرَّعُوا إِلَى اللَّهِ وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: ربنا رب السموات وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا إِنْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ اكْشِفْ عَنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الْفِتْنَةَ وَارْفَعْ عَنْهُمْ هَذَا الْبَلَاءَ حَتَّى يُعْلِنُوا عِبَادَتَكَ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ دَخَلُوا فِي مُصَلًّى لَهُمْ أَدْرَكَهُمُ الشُّرَطُ فَوَجَدُوهُمْ وَهُمْ سُجُودٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ يَبْكُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ فَقَالُوا لَهُمْ: مَا خَلَّفَكُمْ عَنْ أَمْرِ الْمَلِكِ؟ انْطَلِقُوا إِلَيْهِ ثُمَّ خَرَجُوا فَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إِلَى "دِقْيَانُوسَ" فَقَالُوا: تَجْمَعُ النَّاسَ لِلذَّبْحِ لِآلِهَتِكَ وَهَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ مِنْ أهل بيتك يستهزؤون بِكَ وَيَعْصُونَ أَمْرَكَ! فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ فَأَتَى بِهِمْ تَفِيضُ أَعْيُنُهُمْ مِنَ الدَّمْعِ مُعَفَّرَةً وُجُوهُهُمْ بِالتُّرَابِ فَقَالَ لَهُمْ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تَشْهَدُوا الذَّبْحَ لِآلِهَتِنَا الَّتِي تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ وَتَجْعَلُوا أنفسكم أسوة لسادات مِنْ أَهْلِ مَدِينَتِكُمُ؟ اخْتَارُوا: إِمَّا أَنْ تَذْبَحُوا لِآلِهَتِنَا وَإِمَّا أَنْ أَقْتُلَكُمْ. فَقَالَ مَكْسِلْمِينَا وَهُوَ أَكْبَرُهُمْ: إِنَّ لَنَا إِلَهًا مَلَأَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَظَمَةً لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا أَبَدًا لَهُ الْحَمْدُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّسْبِيحُ مِنْ أَنْفُسِنَا خَالِصًا أَبَدًا إِيَّاهُ نَعْبُدُ وَإِيَّاهُ نَسْأَلُ النَّجَاةَ وَالْخَيْرَ فَأَمَّا الطَّوَاغِيتُ فَلَنْ نَعْبُدَهَا أَبَدًا فَاصْنَعْ بِنَا مَا بَدَا لَكَ وَقَالَ أَصْحَابُ مَكْسِلْمِينَا لِدِقْيَانُوسَ مِثْلَ مَا قَالَ مَكْسِلْمِينَا فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ أَمَرَ فَنَزَعَ عَنْهُمْ لُبُوسًا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ لُبُوسِ عُظَمَائِهِمْ ثُمَّ قَالَ: سَأَفْرُغُ لَكُمْ فَأُنْجِزُ لَكُمْ مَا أَوْعَدْتُكُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُعَجِّلَ ذَلِكَ لَكُمْ إِلَّا أَنِّي أَرَاكُمْ شُبَّانًا حَدِيثَةً أَسْنَانُكُمْ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أُهْلِكَكُمْ حَتَّى أَجْعَلَ لَكُمْ أَجَلًا تَذَكَّرُونَ فِيهِ وَتُرَاجِعُونَ عُقُولَكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِحِلْيَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَنُزِعَتْ عَنْهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَأُخْرِجُوا مِنْ عِنْدِهِ. وَانْطَلَقَ دِقْيَانُوسُ إِلَى مَدِينَةٍ سِوَى مَدِينَتِهِمْ قَرِيبًا مِنْهُمْ لِبَعْضِ أُمُورِهِ فَلَمَّا رَأَى الْفِتْيَةُ خُرُوجَهُ بَادَرُوا قُدُومَهُ وَخَافُوا إِذَا قَدِمَ مَدِينَتَهُمْ أَنْ يَذْكُرَهُمْ [وَأَنْ يُعَذِّبَهُمْ] [[ما بين القوسين ساقط من "ب".]] فَائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ نَفَقَةً مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ فَيَتَصَدَّقُوا مِنْهَا وَيَتَزَوَّدُوا بِمَا بَقِيَ ثُمَّ يَنْطَلِقُوا إِلَى كَهْفٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ بَخْلُوسُ فَيَمْكُثُونَ فِيهِ وَيَعْبُدُونَ اللَّهَ حَتَّى إِذَا جَاءَ دِقْيَانُوسُ أَتَوْهُ فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَصْنَعُ بِهِمْ مَا شَاءَ فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَمَدَ كُلُّ فَتًى مِنْهُمْ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ فَأَخَذَ نَفَقَةً فَتَصَدَّقَ مِنْهَا ثُمَّ انْطَلَقُوا بِمَا بَقِيَ مَعَهُمْ وَاتَّبَعَهُمْ كَلْبٌ كَانَ لَهُمْ حَتَّى أَتَوْا ذَلِكَ الْكَهْفَ فَلَبِثُوا فِيهِ. قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: مَرُّوا بِكَلْبٍ فَتَبِعَهُمْ فَطَرَدُوهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا فَقَالَ لَهُمُ الْكَلْبُ: يَا قَوْمُ مَا تُرِيدُونَ مِنِّي؟ لَا تَخْشَوْنَ جَانِبِي أَنَا أُحِبُّ أَحْبَابَ اللَّهِ فَنَامُوا حَتَّى أَحْرُسَكُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَرَبُوا لَيْلًا مِنْ دِقْيَانُوسَ وَكَانُوا سَبْعَةً فَمَرُّوا بِرَاعٍ مَعَهُ كَلْبٌ فَتَبِعَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَتَبِعَهُ كَلْبُهُ فَخَرَجُوا مِنَ الْبَلَدِ إِلَى الْكَهْفِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْبَلَدِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَبِثُوا فِيهِ لَيْسَ لَهُمْ عَمَلٌ إِلَّا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَجَعَلُوا نَفَقَتَهُمْ إِلَى فَتًى مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: تَمْلِيخَا فَكَانَ يَبْتَاعُ لَهُمْ أَرْزَاقَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ سِرًّا وَكَانَ مِنْ أَحْمَلِهِمْ وَأَجْلَدِهِمْ وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَدِينَةَ يَضَعُ ثِيَابًا كَانَتْ عَلَيْهِ حِسَانًا وَيَأْخُذُ ثِيَابًا كَثِيَابِ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ يَسْتَطْعِمُونَ فِيهَا ثُمَّ يَأْخُذُ وَرِقَهُ فَيَنْطَلِقُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَشْتَرِي لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا وَيَتَجَسَّسُ لَهُمُ الْخَبَرَ هَلْ ذُكِرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَلَبِثُوا بِذَلِكَ ما لبثوا ٢١٥/ب ثُمَّ قَدِمَ دِقْيَانُوسُ الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ عُظَمَاءَ أَهْلِهَا فَذَبَحُوا لِلطَّوَاغِيتِ فَفَزِعَ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَكَانَ تَمْلِيخَا بِالْمَدِينَةِ يَشْتَرِي لِأَصْحَابِهِ طَعَامَهُمْ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُوَ يَبْكِي وَمَعَهُ طَعَامٌ قَلِيلٌ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْجَبَّارَ قَدْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَأَنَّهُمْ قَدْ ذُكِرُوا وَالْتُمِسُوا مَعَ عُظَمَاءِ الْمَدِينَةِ فَفَزِعُوا وَوَقَعُوا سُجُودًا يَدْعُونَ اللَّهَ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ وَيَتَعَوَّذُونَ مِنَ الْفِتْنَةِ ثُمَّ إِنَّ تَمْلِيخَا قَالَ لَهُمْ: يَا إِخْوَتَاهُ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ وَاطْعَمُوا وَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّكُمْ فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ فَطَعِمُوا وَذَلِكَ غُرُوبَ الشَّمْسِ ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ وَيَتَدَارَسُونَ وَيُذَكِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمُ النَّوْمَ فِي الْكَهْفِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِبَابِ الْكَهْفِ فَأَصَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ وَهُمْ مُؤْمِنُونَ مُوقِنُونَ وَنَفَقَتُهُمْ عِنْدَ رُءُوسِهِمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ فَقَدَهُمْ دِقْيَانُوسُ فَالْتَمَسَهُمْ فَلَمْ يَجِدْهُمْ فَقَالَ لِبَعْضِهِمْ: لَقَدْ سَاءَنِي شَأْنُ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا لَقَدْ كَانُوا ظَنُّوا أَنَّ بِي غَضَبًا عَلَيْهِمْ لِجَهْلِهِمْ مَا جَهِلُوا مِنْ أَمْرِي مَا كُنْتُ لِأَحْمِلَ عَلَيْهِمْ إِنْ هُمْ تَابُوا وَعَبَدُوا آلِهَتِي فَقَالَ عُظَمَاءُ الْمَدِينَةِ: مَا أَنْتَ بِحَقِيقٍ أَنْ تَرْحَمَ قَوْمًا فَجَرَةً مَرَدَةً عُصَاةً قَدْ كُنْتَ أَجَّلْتَ لَهُمْ أجلا ولو شاؤوا لَرَجَعُوا فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتُوبُوا فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى آبَائِهِمْ فَأَتَى بِهِمْ فَسَأَلَهُمْ عَنْهُمْ فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ أَبْنَائِكُمُ الْمَرَدَةِ الَّذِينَ عَصَوْنِي [وَوَعَدَهُمْ بِالْقَتْلِ] [[ساقط من "ب".]] فَقَالُوا لَهُ: أَمَّا نَحْنُ فَلَمْ نَعْصِكَ فَلِمَ تَقْتُلُنَا بِقَوْمٍ مَرَدَةٍ قَدْ ذَهَبُوا بِأَمْوَالِنَا فَأَهْلَكُوهَا فِي أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ انْطَلَقُوا وَارْتَقَوْا إِلَى جَبَلٍ يُدْعَى بَخْلُوسَ؟ فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ خَلَّى سَبِيلَهُمْ وَجَعَلَ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِالْفِتْيَةِ فَأَلْقَى اللَّهُ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْكَهْفِ فَيُسَدَّ عَلَيْهِمْ وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُكْرِمَهُمْ وَيَجْعَلَهُمْ آيَةً لِأُمَّةٍ تُسْتَخْلَفُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَأَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ فَأَمَرَ دِقْيَانُوسُ بِالْكَهْفِ أَنْ يُسَدَّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: دَعُوهُمْ كَمَا هُمْ فِي الْكَهْفِ يَمُوتُونَ جُوعًا وَعَطَشًا وَيَكُونُ كَهْفُهُمُ الَّذِي اخْتَارُوا قَبْرًا لَهُمْ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ أَيْقَاظٌ يَعْلَمُونَ مَا يُصْنَعُ بِهِمْ وَقَدْ تَوَفَّى اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ وَفَاةَ النَّوْمِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِبَابِ الْكَهْفِ قَدْ غَشِيَهُمْ مَا غَشِيَهُمْ يَتَقَلَّبُونَ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ. ثُمَّ إِنَّ رَجُلَيْنِ مُؤْمِنَيْنِ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ دِقْيَانُوسَ يَكْتُمَانِ إِيمَانَهُمَا اسْمُ أَحَدِهِمَا "يَنْدَرُوسُ" وَاسْمُ الْآخَرِ "رُونَاسُ" ائْتَمَرَا أَنْ يَكْتُبَا شَأْنَ الفتية وأنسابهم وأسمائهم وَخَبَرَهُمْ فِي لَوْحٍ [[في "ب": لوحين.]] مِنْ رَصَاصٍ وَيَجْعَلَاهُمَا فِي تَابُوتٍ مِنْ نُحَاسٍ وَيَجْعَلَا التَّابُوتَ فِي الْبُنْيَانِ وَقَالَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُظْهِرَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةِ قَوْمًا مُؤْمِنِينَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَعْلَمُ مَنْ فَتَحَ عَنْهُمْ حِينَ يَقْرَأُ هَذَا الْكِتَابَ [خَبَرَهُمْ] [[ساقط من "ب".]] فَفَعَلَا وَبَنَيَا عَلَيْهِ فَبَقِيَ "دِقْيَانُوسُ" مَا بَقِيَ ثُمَّ مَاتَ هُوَ وَقَوْمُهُ وَقُرُونٌ بَعْدَهُ كَثِيرَةٌ وَخَلَفَتِ الْمُلُوكُ بَعْدَ الْمُلُوكِ. وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ كَانَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ فِتْيَانًا مُطَوَّقِينَ مُسَوَّرِينَ ذَوِي ذَوَائِبَ وَكَانَ مَعَهُمْ كَلْبُ صَيْدِهِمْ فَخَرَجُوا فِي عِيدٍ لَهُمْ عَظِيمٍ فِي زِيٍّ عَظِيمٍ [[ساقط من "ب".]] وَمَوْكِبٍ وَأَخْرَجُوا مَعَهُمْ آلِهَتَهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا وَقَدْ قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْفِتْيَةِ الْإِيمَانَ وَكَانَ أَحَدُهُمْ وَزِيرَ الْمَلِكِ فَآمَنُوا وَأَخْفَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِيمَانَهُ فَقَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يُصِيبُنَا عِقَابٌ بِجُرْمِهِمْ فَخَرَجَ شَابٌّ مِنْهُمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ فَجَلَسَ فِيهِ ثُمَّ خَرَجَ آخَرُ فَرَآهُ جَالِسًا وَحْدَهُ فَرَجَا أَنْ يَكُونَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُظْهِرَ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَ الْآخَرُ فَاجْتَمَعُوا فِي مَكَانٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا جَمَعَكُمْ؟ وَكُلُّ وَاحِدٍ يَكْتُمُ صَاحِبَهُ إِيمَانَهُ مَخَافَةً عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَالُوا: لِيَخْرُجْ كل فتى فيخلوا بِصَاحِبِهِ [[زيادة من "ب".]] ثُمَّ يُفْشِي وَاحِدٍ سِرَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ فَفَعَلُوا فَإِذَا هُمْ جَمِيعًا عَلَى الْإِيمَانِ وَإِذَا كَهْفٌ فِي الْجَبَلِ قَرِيبٌ مِنْهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، فَدَخَلُوا الْكَهْفَ وَمَعَهُمْ كَلْبُ صَيْدِهِمْ فَنَامُوا ثَلَاثَمِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا وَفَقَدَهُمْ قَوْمُهُمْ فَطَلَبُوهُمْ فَعَمَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ آثَارَهُمْ وَكَهْفَهُمْ فَكَتَبُوا أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ فِي لَوْحٍ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ أَبْنَاءُ مُلُوكِنَا فَقَدْنَاهُمْ فِي شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا فِي مَمْلَكَةِ فُلَانِ بن فُلَانٍ وَوَضَعُوا اللَّوْحَ [[زيادة من "ب".]] فِي خِزَانَةِ الْمَلِكِ وَقَالُوا: لَيَكُونَنَّ لِهَذَا شَأْنٌ وَمَاتَ ذَلِكَ الْمَلِكُ وَجَاءَ قَرْنٌ بَعْدَ قَرْنٍ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: جَاءَ حَوَارِيُّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى مَدِينَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَلَى بَابِهَا صَنَمًا لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلَّا سَجَدَ لَهُ فَكَرِهَ أَنْ يَدْخُلَهَا فَأَتَى حَمَّامًا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ فَكَانَ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ مِنَ الْحَمَّامِيِّ وَيَعْمَلُ فِيهِ وَرَأَى صَاحِبُ الْحَمَّامِ فِي حَمَّامِهِ الْبَرَكَةَ وَعَلِقَهُ فِتْيَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ خَبَرَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَخَبَرَ الْآخِرَةِ حَتَّى آمَنُوا وَصَدَّقُوهُ وَكَانَ شَرَطَ عَلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ أَنَّ اللَّيْلَ لِي لَا يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَا بَيْنَ الصَّلَاةِ أَحَدٌ وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَتَى ابْنُ الْمَلِكِ بِامْرَأَةٍ فَدَخَلَ بِهَا الْحَمَّامَ فَعَيَّرَهُ الْحَوَارِيُّ وَقَالَ: أَنْتَ ابْنُ الْمَلِكِ وَتَدْخُلُ مَعَ هَذِهِ؟ فَاسْتَحْيَا وَذَهَبَ فَرَجَعَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَسَبَّهُ وَانْتَهَرَهُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَا مَعًا فَمَاتَا فِي الْحَمَّامِ وَأَتَى الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: قَتَلَ صَاحِبُ الْحَمَّامِ ابْنَكَ فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ وَهَرَبَ [[ساقط من "أ".]] فَقَالَ: مَنْ كَانَ يَصْحَبُهُ؟ فَسَمَّوُا الْفِتْيَةَ فَالْتُمِسُوا فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ فَمَرُّوا بِصَاحِبٍ لَهُمْ عَلَى مَثَلِ إِيمَانِهِمْ فَانْطَلَقَ مَعَهُمْ وَمَعَهُ كَلْبٌ حَتَّى آوَاهُمُ اللَّيْلُ إِلَى الْكَهْفِ فَدَخَلُوهُ [[ساقط من "أ".]] وَقَالُوا: [نَلْبَثُ هَاهُنَا إِلَى اللَّيْلِ] [[في "ب": نبيت هنا الليلة.]] ثُمَّ نُصْبِحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَرَوْنَ رَأْيَكُمْ فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ فَخَرَجَ الْمَلِكُ فِي أَصْحَابِهِ يَبْتَغُونَهُمْ حَتَّى وَجَدُوهُمْ فَدَخَلُوا الْكَهْفَ فَلَمَّا أَرَادَ رَجُلٌ مِنْهُمْ دُخُولَهُ أُرْعِبَ فَلَمْ يُطِقْ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَهُ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلَيْسَ لَوْ قَدَرْتَ عَلَيْهِمْ قَتَلْتَهُمْ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَابْنِ عَلَيْهِمْ بَابَ الْكَهْفِ [وَاتْرُكْهُمْ فِيهِ يَمُوتُونَ جُوعًا وَعَطَشًا فَفَعَلَ. قَالَ وَهْبٌ: فَعَبَرَ زَمَانٌ بَعْدَ زَمَانٍ] [[ساقط من "أ".]] بَعْدَمَا سُدَّ عَلَيْهِمْ بَابُ الْكَهْفِ ثُمَّ إِنَّ رَاعِيًا أَدْرَكَهُ الْمَطَرُ عِنْدَ الْكَهْفِ فَقَالَ لَوْ فَتَحْتُ هَذَا الْكَهْفَ وَأَدْخَلْتُ غَنَمِي فِيهِ مِنَ الْمَطَرِ لَكَانَ حَسَنًا فَلَمْ يَزَلْ يُعَالِجُهُ حَتَّى فُتِحَ وَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَرْوَاحَهُمْ مِنَ الْغَدِ حِينَ أَصْبَحُوا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَلَكَ أَهْلَ تِلْكَ الْبِلَادِ رَجُلٌ صَالِحٌ يُقَالُ لَهُ: "بَيْدَرُوسُ" فَلَمَّا مَلَكَ بَقِيَ فِي مُلْكِهِ ثَمَانِيًا وَسِتِّينَ سَنَةً فَتَحَزَّبَ النَّاسُ فِي مُلْكِهِ فَكَانُوا أَحْزَابًا مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ السَّاعَةَ حَقٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَذِّبُ بِهَا فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ فَبَكَى وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ وَحَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا لَمَّا رَأَى أَهْلَ الْبَاطِلِ يَزِيدُونَ وَيَظْهَرُونَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ وَيَقُولُونَ لَا حَيَاةَ إِلَّا حَيَاةُ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا تُبْعَثُ الْأَرْوَاحُ وَلَا تُبْعَثُ الْأَجْسَادُ فَجَعَلَ "بيدروس" يرسل أن مَنْ يَظُنُّ فِيهِ خَيَّرَا وَأَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ فِي الْخَلْقِ فَجَعَلُوا يُكَذِّبُونَ بِالسَّاعَةِ حَتَّى كَادُوا أَنْ يُحَوِّلُوا النَّاسَ عَنِ الْحَقِّ وَمِلَّةِ الْحَوَارِيِّينَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ دَخَلَ بَيْتَهُ وَأَغْلَقَهُ عَلَيْهِ وَلَبِسَ مِسْحًا وَجَعَلَ تَحْتَهُ رَمَادًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَدَأَبَ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ زَمَانًا يَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَبْكِي وَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ قَدْ تَرَى اخْتِلَافَ هَؤُلَاءِ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ آيَةً تُبَيِّنُ لَهُمْ [بُطْلَانَ مَا هُمْ عَلَيْهِ] [[ساقط من "أ".]] ثُمَّ إِنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ الَّذِي يَكْرَهُ هَلَكَةَ الْعِبَادِ أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ الْفِتْيَةَ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ شَأْنَهُمْ وَيَجْعَلَهُمْ آيَةً وَحُجَّةً عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَيَسْتَجِيبُ لِعَبْدِهِ الصَّالِحِ بَيْدَرُوسَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَأَنْ يَجْمَعَ مَنْ كَانَ تَبَدَّدَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَلْقَى اللَّهُ فِي نَفْسِ رَجُلٍ مَنْ أَهَّلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ وَكَانَ اسْمُ ذَلِكَ الرَّجُلِ "أُولْيَانُوسَ" أَنْ يَهْدِمَ ذَلِكَ الْبُنْيَانَ الَّذِي عَلَى فَمِ الْكَهْفِ فَيَبْنِي بِهِ حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ فَاسْتَأْجَرَ غُلَامَيْنِ فَجَعَلَا [[ساقط من "أ".]] يَنْزِعَانِ تِلْكَ الْحِجَارَةَ وَيَبْنِيَانِ تِلْكَ الْحَظِيرَةَ حَتَّى نَزَعَا مَا عَلَى فَمِ الْكَهْفِ وَفَتَحَا بَابَ الْكَهْفِ وَحَجَبَهُمُ اللَّهُ عَنِ النَّاسِ بِالرُّعْبِ فَلَمَّا فَتَحَا بَابَ الْكَهْفِ أَذِنَ اللَّهُ ذُو الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ مُحْيِي الْمَوْتَى لِلْفِتْيَةِ أَنْ يَجْلِسُوا بَيْنَ ظَهَرَانَيِ الْكَهْفِ فَجَلَسُوا فَرِحِينَ مُسْفِرَةً وُجُوهُهُمْ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ فَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَكَأَنَّمَا اسْتَيْقَظُوا مِنْ سَاعَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَسْتَيْقِظُونَ فِيهَا إِذَا أَصْبَحُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّوْا كَالَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ لَا يُرَى فِي جوههم وَلَا أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ يُنْكِرُونَهُ كَهَيْئَتِهِمْ حِينَ رَقَدُوا وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ دِقْيَانُوسَ فِي طَلَبِهِمْ فَلِمَا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ قَالُوا لِيَمْلِيخَا صَاحِبِ نَفَقَاتِهِمْ: أَنْبِئْنَا مَا الَّذِي قَالَ النَّاسُ فِي شَأْنِنَا عَشِيَّةَ أَمْسٍ عِنْدَ هَذَا الْجَبَّارِ؟ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ رَقَدُوا كَبَعْضِ مَا كَانُوا يرقدون وقد تخيل إِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ نَامُوا أَطْوَلَ مِمَّا كَانُوا يَنَامُونَ حَتَّى يَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كَمْ لَبِثْتُمْ نِيَامًا؟ قَالُوا: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ثُمَّ قَالُوا: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ يَسِيرٌ فَقَالَ لَهُمْ يَمْلِيخَا: الْتُمِسْتُمْ فِي الْمَدِينَةِ فَلَمْ تُوجَدُوا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤْتَى بِكُمُ الْيَوْمَ فَتَذْبَحُونَ لِلطَّوَاغِيتِ أَوْ يَقْتُلُكُمْ فَمَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَ فَقَالَ لَهُمْ مَكْسِلْمِينَا: يَا إِخْوَتَاهُ اعلموا أنكم ملاقوا اللَّهِ فَلَا تَكْفُرُوا بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِذَا دَعَاكُمْ عَدُوُّ اللَّهِ. ثُمَّ قَالُوا لِيَمْلِيخَا: انْطَلِقْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَتَسَمَّعْ ما يقال عليلنا بِهَا وَمَا الَّذِي يُذْكَرُ عِنْدَ دِقْيَانُوسَ وَتَلَطَّفْ وَلَا تُشْعِرَنَّ بِكَ أَحَدًا وَابْتَعْ لَنَا طَعَامًا فَائْتِنَا بِهِ وَزِدْنَا عَلَى الطَّعَامِ الَّذِي جِئْنَا بِهِ فَقَدْ أَصْبَحْنَا جِيَاعًا فَفَعَلَ يَمْلِيخَا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ وَوَضَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ الثِّيَابَ الَّتِي يَتَنَكَّرُ فِيهَا وَأَخَذَ وَرِقًا [مِنْ نَفَقَتِهِمُ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُمْ وَالَّتِي ضُرِبَتْ بِطَابَعِ دِقْيَانُوسَ فَكَانَتْ كَخِفَافِ الرُّبُعِ فَانْطَلَقَ يَمْلِيخَا خَارِجًا] [[ساقط من "ب".]] فَلَمَّا مَرَّ بِبَابِ الْكَهْفِ رَأَى الحجارة منزوعة ٢١٦/أعَنْ بَابِ الْكَهْفِ فَعَجِبَ مِنْهَا ثُمَّ مَرَّ وَلَمْ يُبَالِ بِهَا حَتَّى أَتَى بَابَ الْمَدِينَةِ مُسْتَخْفِيًا فَصَدَّ عَنِ الطَّرِيقِ تَخَوُّفًا أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا فَيَعْرِفَهُ وَلَا يَشْعُرُ أَنَّ دِقْيَانُوسَ وَأَهْلَهُ قَدْ هَلَكُوا قبل ذلك بثلثمائة سَنَةٍ فَلَمَّا أَتَى يَمْلِيخَا بَابَ الْمَدِينَةِ رَفَعَ بَصَرَهُ فَرَأَى فَوْقَ ظَهْرِ الْبَابِ عَلَامَةً تَكُونُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ إِذَا كَانَ الْإِيمَانُ ظَاهِرًا فِيهَا فَلَمَّا رَآهَا عَجِبَ وَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مُسْتَخْفِيًا وَجَعَلَ يَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ الْبَابَ فَتَحَوَّلَ إِلَى بَابٍ آخَرَ مِنْ أَبْوَابِهَا فَرَأَى مِثْلَ ذَلِكَ فَجَعَلَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّ الْمَدِينَةَ لَيْسَتْ بِالَّتِي كَانَ يَعْرِفُ وَرَأَى نَاسًا كَثِيرًا مُحْدَثِينَ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَجَعَلَ يَمْشِي وَيَتَعَجَّبُ وَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ حَيْرَانُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي أَتَى مِنْهُ فَجَعَلَ يَتَعَجَّبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَيَقُولُ: يَا لَيْتَ شِعْرِي مَا هَذَا؟ أَمَّا عَشِيَّةُ أَمْسٍ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُخْفُونَ [[في "ب": يخبئون.]] هَذِهِ الْعَلَامَةَ وَيَسْتَخْفُونَ بِهَا وَأَمَّا الْيَوْمُ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ لَعَلِّي نَائِمٌ؟ ثُمَّ يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِمٍ فَأَخَذَ كِسَاءَهُ فَجَعَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَمْشِي بَيْنَ ظَهْرَيِ سُوقِهَا فَيَسْمَعُ نَاسًا يَحْلِفُونَ بِاسْمِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَزَادَهُ فَرَقًا وَرَأَى أَنَّهُ حَيْرَانُ فَقَامَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى جِدَارٍ مِنْ جُدُرِ الْمَدِينَةِ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هذا أما عيشة أَمْسٍ فَلَيْسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ إِنْسَانٌ يَذْكُرُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ إِلَّا قُتِلَ وَأَمَّا الْغَدَاةُ فَأَسْمَعُهُمْ وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَذْكُرُ اسْمَ عِيسَى وَلَا يَخَافُ أَحَدًا ثُمَّ قَالَ فِي نَفْسِهِ: لَعَلَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْمَدِينَةِ الَّتِي أَعْرِفُ وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مَدِينَةً قُرْبَ مَدِينَتِنَا فَقَامَ كَالْحَيْرَانِ ثُمَّ لَقِيَ فَتًى فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ يَا فَتَى؟ قَالَ اسْمُهَا "أَفَسُوسُ" فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَعَلَّ بِي مَسًّا أَوْ أَمْرًا أَذْهَبَ عَقْلِي وَاللَّهِ يَحِقُّ لِي أَنْ أُسْرِعَ الْخُرُوجَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ أَخْزَى فِيهَا أَوْ يُصِيبَنِي شَرٌّ فَأَهْلَكُ ثُمَّ إِنَّهُ أَفَاقَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ عَجَّلْتُ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُفْطَنَ بِي لَكَانَ أَيْسَرَ [[في "ب": أكيس.]] بِي. فَدَنَا مِنَ الَّذِينَ يَبِيعُونَ الطَّعَامَ فَأَخْرَجَ الْوَرِقَ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ فَأَعْطَاهَا رَجُلًا مِنْهُمْ فَقَالَ: بِعْنِي بِهَذِهِ الْوَرِقِ طَعَامًا فَأَخَذَهَا الرَّجُلُ فَنَظَرَ إِلَى ضَرْبِ الْوَرِقِ وَنَقْشِهَا فَعَجِبَ مِنْهُ ثُمَّ طَرَحَهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ جَعَلُوا يَتَطَارَحُونَهَا بَيْنَهُمْ مِنْ رَجُلٍ إِلَى رَجُلٍ يَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا ثُمَّ جَعَلُوا يَتَشَاوَرُونَ بَيْنَهُمْ وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا أَصَابَ كَنْزًا خَبِيئًا فِي الْأَرْضِ مُنْذُ زَمَانٍ وَدَهْرٍ طَوِيلٍ فَلَمَّا رَآهُمْ يَمْلِيخَا يَتَشَاوَرُونَ مِنْ أَجْلِهِ فَرَقَ فَرَقًا شَدِيدًا وَجَعَلَ يَرْتَعِدُ وَيَظُنُّ أَنَّهُمْ قَدْ فَطِنُوا بِهِ وَعَرَفُوهُ وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ وَجَعَلَ أُنَاسٌ آخَرُونَ يَأْتُونَهُ فَيَتَعَرَّفُونَهُ [فَلَا يَعْرِفُونَهُ] [[ساقط من "أ".]] فَقَالَ لَهُمْ وَهُوَ شَدِيدُ الْفَرَقِ مِنْهُمُ: افْضُلُوا عَلَيَّ قَدْ أَخَذْتُمْ وَرِقِي فَأَمْسِكُوهَا وَأَمَّا طَعَامُكُمْ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهِ فَقَالُوا لَهُ: مَنْ أَنْتَ يَا فَتَى وَمَا شَأْنُكَ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتَ كَنْزًا مِنْ كُنُوزِ الْأَوَّلِينَ وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُخْفِيَهُ عَنَّا [[ساقط من "أ".]] فَانْطَلِقْ مَعَنَا وَأَرِنَا وَشَارِكْنَا فِيهِ نُخْفِ عَلَيْكَ مَا وَجَدْتَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ نَأْتِ بِكَ إِلَى السُّلْطَانِ فَنُسَلِّمْكَ إِلَيْهِ فَيَقْتُلْكَ فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُمْ قَالَ فِي نَفْسِهِ [[ساقط من "أ".]] قَدْ وَقَعْتُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كُنْتُ أَحْذَرُ مِنْهُ فَقَالُوا: يَا فَتَى إِنَّكَ وَاللَّهِ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكْتُمَ مَا وَجَدْتَ فَجَعَلَ يَمْلِيخَا لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ لَهُمْ وَمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ وَفَرَقَ حَتَّى مَا [وَجَدَ مَا] [[ساقط من "أ".]] يُخْبِرُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا فَلَمَّا رَأَوْهُ لَا يَتَكَلَّمُ أَخَذُوا كِسَاءَهُ فَطَرَحُوهُ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ جَعَلُوا يَقُودُونَهُ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ [صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ] [[ساقط من "ب".]] حَتَّى سَمِعَ بِهِ مَنْ فِيهَا [فَسَأَلُوهُ؟ مَا الْخَبَرُ؟] [[ساقط من "أ".]] فَقِيلَ: هَذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ كَنْزٌ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا الْفَتَى مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَمَا رَأَيْنَاهُ فِيهَا قَطُّ وَمَا نَعْرِفُهُ قَطُّ فَجَعَلَ يَمْلِيخَا لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ لَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَرَقَ فَسَكَتَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَكَانَ مُسْتَيْقِنًا أَنَّ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ حَسَبَهُ وَنَسَبَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ عُظَمَاءِ أَهْلِهَا وَأَنَّهُمْ سَيَأْتُونَهُ إِذَا سَمِعُوا بِهِ فَبَيْنَا هُوَ قَائِمٌ كَالْحَيْرَانِ يَنْتَظِرُ مَتَى يَأْتِيهِ بَعْضُ أَهْلِهِ فَيُخَلِّصُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ إِذِ اخْتَطَفُوهُ وَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى رَئِيسَيِ الْمَدِينَةِ وَمُدَبِّرَيْهَا اللَّذَيْنِ يُدَبِّرَانِ أَمْرَهَا وَهُمَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ اسْمُ أَحَدِهِمَا "أَرْيُوسُ" وَاسْمُ الْآخَرِ "طَنْطَيُوسُ" [[في "أ": أسطيوس.]] فَلَمَّا انْطُلِقَ بِهِ إِلَيْهِمَا ظَنَّ يَمْلِيخَا أَنَّهُ يُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى دِقْيَانُوسَ الْجَبَّارِ فَجَعَلَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَجَعَلَ النَّاسُ يَسْخَرُونَ مِنْهُ كَمَا يَسْخَرُونَ مِنَ الْمَجْنُونِ وَجَعَلَ يَمْلِيخَا يَبْكِي ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ فِي نَفْسِهِ [[ساقط من "أ".]] اللَّهُمَّ إِلَهَ السَّمَاءِ وَإِلَهَ الْأَرْضِ أَفْرِغِ الْيَوْمَ عَلَيَّ صَبْرًا وَأَوْلِجْ مَعِيَ رُوحًا مِنْكَ تُؤَيِّدُنِي بِهِ عِنْدَ هَذَا الْجَبَّارِ وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ: فُرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي يَا لَيْتَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا لَقِيتُ وَلَوْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ فَيَأْتُونِي فَنَقُومُ جَمِيعًا بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْجَبَّارِ فَإِنَّا كُنَّا تَوَاثَقْنَا لَنَكُونَنَّ مَعًا وَلَا نَكْفُرُ بِاللَّهِ وَلَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فُرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَلَنْ يَرَوْنِي وَلَنْ أَرَاهُمْ أَبَدًا وَكُنَّا تَوَاثَقْنَا أَنْ لَا نَفْتَرِقَ فِي حَيَاةٍ وَلَا مَوْتٍ أَبَدًا يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ يَمْلِيخَا فِيمَا أَخْبَرَ أَصْحَابَهُ حِينَ رَجَعَ إِلَيْهِمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الرَّجُلَيْنِ الصَّالِحَيْنِ "أَرْيُوسُ" وَ"طَنْطَيُوسُ" [[في "أ": أسطيوس.]] . فَلَمَّا رَأَى يَمْلِيخَا أَنَّهُ لَا يُذْهَبُ بِهِ إِلَى دِقْيَانُوسَ أَفَاقَ وَذَهَبَ [[في "أ": وسكن.]] عَنْهُ الْبُكَاءُ فَأَخَذَ أَرْيُوسُ [وَطَنْطَيُوسُ] [[في "أ": أسطيوس.]] الْوَرِقَ فَنَظَرَا إِلَيْهَا وَعَجِبَا مِنْهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: أَيْنَ الْكَنْزُ الَّذِي وَجَدْتَ يَا فَتَى؟ فَقَالَ يَمْلِيخَا: مَا وَجَدْتُ كَنْزًا وَلَكِنَّ هَذَا وَرِقُ آبَائِي وَنَقْشُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَضَرْبُهَا وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا شَأْنِي وَمَا أَقُولُ لَكُمْ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: فَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ يَمْلِيخَا: أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَرَى أَنِّي مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: وَمَنْ أَبُوكَ وَمَنْ يَعْرِفُكَ فِيهَا فَأَنْبَأَهُمْ بِاسْمِ أَبِيهِ فَلَمْ يَجِدُوا أَحَدًا يَعْرِفُهُ وَلَا أَبَاهُ فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: أَنْتَ رَجُلٌ كَذَّابٌ لَا تُنْبِئُنَا بِالْحَقِّ، فَلَمْ يَدْرِ يَمْلِيخَا مَا يَقُولُ لَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ نَكَّسَ رَأْسَهُ [وَأَطْرَقَ بَصَرَهُ] [[ساقط من "ب".]] إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَوْلَهُ: هَذَا رَجُلٌ مَجْنُونٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِمَجْنُونٍ وَلَكِنَّهُ يُحَمِّقُ نَفْسَهُ عَمْدًا لِكَيْ يَنْفَلِتَ مِنْكُمْ فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا وَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظَرًا شَدِيدًا: أَتَظُنُّ أَنَّا نُرْسِلُكَ وَنُصَدِّقُكَ بِأَنَّ هَذَا مَالُ أَبِيكَ وَنَقْشُ هَذَا الْوَرِقِ وَضَرْبُهَا أكثر من ثلثمائة سَنَةٍ وَإِنَّمَا أَنْتَ غُلَامٌ شَابٌّ أَتَظُنُّ أَنَّكَ تَأْفِكُنَا وَتَسْخَرُ بِنَا وَنَحْنُ شُمْطٌ كَمَا تَرَى وَحَوْلَكَ سُرَاةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَوُلَاةُ أَمْرِهَا وَخَزَائِنُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ بِأَيْدِينَا وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ هَذَا الضَّرْبِ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ وَإِنِّي لَأَظُنُّنِي سَآمُرُ بِكَ فَتُعَذَّبُ عَذَابًا شَدِيدًا ثُمَّ أُوثِقُكَ حَتَّى تَعْتَرِفَ بِهَذَا الْكَنْزِ الَّذِي وَجَدْتَهُ. فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ يَمْلِيخَا: أَنْبِئُونِي عَنْ شَيْءٍ أَسْأَلُكُمْ عَنْهُ فَإِنْ فَعَلْتُمْ صَدَقْتُكُمْ عَمَّا عِنْدِي، قَالُوا: سَلْ لَا نَكْتُمُكَ شَيْئًا قَالَ لَهُمْ: مَا فَعَلَ الْمَلِكُ دِقْيَانُوسُ؟ قَالُوا: لَا نَعْرِفُ الْيَوْمَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَلِكًا يُسَمَّى دِقْيَانُوسَ وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا مَلِكٌ هَلَكَ مُنْذُ زَمَانٍ وَدَهْرٍ طَوِيلٍ وَهَلَكَتْ بَعْدَهُ قُرُونٌ كَثِيرَةٌ فَقَالَ يَمْلِيخَا: إِنِّي إِذًا لَحَيْرَانُ وَمَا يُصَدِّقُنِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِمَا أَقُولُ لَقَدْ كُنَّا فِتْيَةٌ [عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْإِسْلَامُ] [[ساقط من "أ".]] وَإِنَّ الْمَلِكَ أَكْرَهَنَا عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالذَّبْحِ لِلطَّوَاغِيتِ فَهَرَبْنَا مِنْهُ عَشِيَّةَ أَمْسٍ فَنِمْنَا فَلَمَّا انْتَبَهْنَا خَرَجْتُ لِأَشْتَرِيَ لَهُمْ طَعَامًا وَأَتَجَسَّسَ الْأَخْبَارَ فَإِذَا أَنَا كَمَا تَرَوْنَ فَانْطَلِقُوا مَعِي إِلَى الْكَهْفِ الَّذِي فِي جَبَلِ بَنْجَلُوسَ أُرِيكُمْ أَصْحَابِي فَلَمَّا سَمِعَ أَرْيُوسُ مَا يَقُولُ يَمْلِيخَا قَالَ: يَا قَوْمُ لَعَلَّ هَذِهِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ جَعَلَهَا اللَّهُ لَكُمْ عَلَى يَدَيْ هَذَا الْفَتَى فَانْطَلِقُوا بِنَا مَعَهُ يُرِينَا أَصْحَابَهُ. فَانْطَلَقَ مَعَهُ أَرْيُوسُ وَأَسْطَيُوسُ وَانْطَلَقَ مَعَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ كَبِيرُهُمْ وَصَغِيرُهُمْ نَحْوَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ وَلَمَّا رَأَى الْفِتْيَةُ أَصْحَابُ الْكَهْفِ يَمْلِيخَا قَدِ احْتَبَسَ عَنْهُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ عَنِ الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ يَأْتِي بِهِ ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ أُخِذَ فَذُهِبَ بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ فَبَيْنَمَا هُمْ يَظُنُّونَ ذَلِكَ وَيَتَخَوَّفُونَهُ إِذْ سَمِعُوا الْأَصْوَاتَ وَجَلَبَ الْخَيْلِ مُصَعِّدَةً نَحْوَهُمْ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ رُسُلُ الْجَبَّارِ دِقْيَانُوسَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ لِيُؤْتَى بِهِمْ فَقَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَوْصَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَالُوا انْطَلِقُوا بِنَا نَأْتِ أَخَانَا يَمْلِيخَا فَإِنَّهُ الْآنَ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ يَنْتَظِرُ مَتَى نَأْتِيهِ فَبَيْنَمَا هُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَهُمْ جُلُوسٌ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْكَهْفِ لَمْ يَرَوْا إِلَّا أَرْيُوسَ وَأَصْحَابَهُ وُقُوفًا عَلَى بَابِ الْكَهْفِ. وَسَبَقَهُمْ يَمْلِيخَا فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَبْكِي فَلَمَّا رَأَوْهُ يَبْكِي بَكَوْا مَعَهُ ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرَهُمْ وَقَصَّ عَلَيْهِمُ النَّبَأَ كُلَّهُ فَعَرَفُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا نِيَامًا بِأَمْرِ اللَّهِ ذَلِكَ الزَّمَانَ كُلَّهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَإِنَّمَا أُوقِظُوا لِيَكُونُوا آيَةً لِلنَّاسِ وَتَصْدِيقًا لِلْبَعْثِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا. ثُمَّ دَخَلَ عَلَى أَثَرِ يَمْلِيخَا أَرْيُوسُ فَرَأَى تَابُوتًا مِنْ نُحَاسٍ مَخْتُومًا بِخَاتَمٍ مِنْ فِضَّةٍ فَقَامَ بِبَابِ الْكَهْفِ ثُمَّ دَعَا رَجُلًا مِنْ عُظَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَفُتِحَ التَّابُوتَ عِنْدَهُمْ [[ساقط من "أ".]] فَوَجَدُوا فِيهِ لَوْحَيْنِ مِنْ رَصَاصٍ مَكْتُوبًا فِيهِمَا: أَنَّ مَكْسِلْمِينَا وَمَخْشِلْمِينَا وَيَمْلِيخَا وَمَرْطُونِسْ وَكَشْطُونِسْ وَيَبْرُونِسْ وَدِيمُوسُ وَبَطْيُوسُ وَحَالُوشُ كَانُوا فَتْيَةً هَرَبُوا مِنْ مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ الْجَبَّارِ مَخَافَةَ أَنْ يَفْتِنَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ فَدَخَلُوا هَذَا الْكَهْفَ فَلَمَّا أُخْبِرَ بِمَكَانِهِمْ أَمَرَ بِالْكَهْفِ فَسُدَّ عَلَيْهِمْ بِالْحِجَارَةِ وَإِنَّا كَتَبْنَا شَأْنَهُمْ وَخَبَرَهُمْ لِيَعْلَمَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ إِنْ عَثَرَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا قَرَأُوهُ وَعَجِبُوا وحمدوا اللَّهَ الَّذِي أَرَاهُمْ آيَةَ الْبَعْثِ فِيهِمْ ثُمَّ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَتَسْبِيحِهِ ثُمَّ دَخَلُوا عَلَى الْفِتْيَةِ إِلَى الْكَهْفِ فَوَجَدُوهُمْ جُلُوسًا بَيْنَ ظهرانيهم مُشْرِقَةً وُجُوهُهُمْ لَمْ تَبْلَ ثِيَابُهُمْ فَخَرَّ أَرْيُوسُ وَأَصْحَابُهُ سُجُودًا وَحَمِدُوا اللَّهَ الَّذِي أَرَاهُمْ آيَةً مِنْ آيَاتِهِ ثُمَّ كَلَّمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنْبَأَهُمُ الْفِتْيَةُ عَنِ الَّذِي لَقُوا مِنْ مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ [مِنْ إِكْرَاهِهِمْ عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالذَّبْحِ لِلطَّوَاغِيتِ وَإِخْفَاءِ إِيمَانِهِمْ عَنْهُ وَهَرَبِهِمْ إِلَى الْكَهْفِ] [[ما بين القوسين ساقط من "ب". / ٢ ٢١٦ / ب / ٢.]] ثُمَّ إِنَّ أَرْيُوسَ وَأَصْحَابَهُ بَعَثُوا بَرِيدًا إِلَى مَلِكِهِمُ الصَّالِحِ بَيْدَرُوسَ أَنْ عَجِّلْ إِلَيْنَا لَعَلَّكَ تَنْظُرُ إِلَى آيَةٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي مُلْكِكَ وَجَعَلَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ لِتَكَوُنَ لَهُمْ نُورًا وَضِيَاءً وَتَصْدِيقًا لِلْبَعْثِ فَاعْجَلْ إِلَى فِتْيَةٍ بَعَثَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ كَانَ تَوَفَّاهُمْ مُنْذُ أكثر من ثلثمائة سَنَةٍ فَلَمَّا أَتَى الْمَلِكَ الْخَبَرُ رَجَعَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ وَذَهَبَ هَمُّهُ فَقَالَ: أَحْمَدُكَ اللَّهَ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْبُدُكَ وَأُسَبِّحُ لَكَ تَطَوَّلْتَ عَلَيَّ وَرَحِمْتَنِي فَلَمْ تُطْفِئِ النُّورَ الَّذِي كُنْتَ جَعَلْتَهُ لِآبَائِي لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ أَسْطَنْطَيْنُوسَ الْمَلِكِ. فَلَمَّا نَبَّأَ بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ رَكِبُوا إِلَيْهِ وَسَارُوا مَعَهُ حَتَّى أَتَوْا مَدِينَةَ أَفْسُوسَ فَتَلَقَّاهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَسَارُوا مَعَهُ حَتَّى صَعِدُوا نَحْوَ الْكَهْفِ فَلَمَّا رَأَى الْفِتْيَةُ بَيْدَرُوسَ فَرِحُوا بِهِ وَخَرُّوا سُجَّدًا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَقَامَ بَيْدَرُوسُ فَاعْتَنَقَهُمْ وَبَكَى وَهُمْ جُلُوسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَيَحْمَدُونَهُ ثُمَّ قَالَ الْفِتْيَةُ لِبَيْدَرُوسَ: نَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ [إِيمَانَكَ وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكَ] [[ساقط من "ب".]] وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَفِظَكَ اللَّهُ وَحَفِظَ مُلْكَكَ وَنُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَبَيْنَمَا الْمَلِكُ قَائِمٌ إِذْ رَجَعُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ فَنَامُوا وَتَوَفَّى اللَّهُ تَعَالَى أَنْفُسَهُمْ وَقَامَ الْمَلِكُ إِلَيْهِمْ فَجَعَلَ ثِيَابَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي تَابُوتٍ مِنْ ذَهَبٍ فَلَمَّا أَمْسَى وَنَامَ أَتَوْهُ فِي الْمَنَامِ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّنَا لَمْ نُخْلَقْ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا مِنْ فِضَّةٍ وَلَكِنَّا خُلِقْنَا مِنْ تُرَابٍ وَإِلَى التُّرَابِ نَصِيرُ فَاتْرُكْنَا كَمَا كُنَّا فِي الْكَهْفِ عَلَى التُّرَابِ حَتَّى يَبْعَثَنَا اللَّهُ مِنْهُ فَأَمَرَ الْمَلِكُ حِينَئِذٍ بِتَابُوتٍ مِنْ سَاجٍ فَجُعِلُوا فِيهِ وَحَجَبَهُمُ اللَّهُ حِينَ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِمْ بِالرُّعْبِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ الْمَلِكُ فَجَعَلَ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ وَجَعَلَ لَهُمْ عِيدًا عَظِيمًا وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى كُلَّ سَنَةٍ. وَقِيلَ: إِنَّ يَمْلِيخَا لَمَّا حُمِلَ إِلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ أنت قال: أن رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ خَرَجَ أَمْسَ أَوْ مُنْذُ أَيَّامٍ وَذَكَرَ مَنْزِلَهُ وَأَقْوَامًا لَمْ يَعْرِفْهُمْ أَحَدٌ وَكَانَ الْمَلِكُ قَدْ سَمِعَ أَنَّ فِتْيَةً فُقِدُوا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَأَنَّ أَسْمَاءَهُمْ مَكْتُوبَةٌ عَلَى اللَّوْحِ بِالْخِزَانَةِ فَدَعَا بِاللَّوْحِ وَقَدْ نَظَرَ فِي أَسْمَائِهِمْ فَإِذَا هُوَ مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ وَذَكَرَ أَسْمَاءَ الْآخَرِينَ فَقَالَ يَمْلِيخَا هُمْ أَصْحَابِي فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ ذَلِكَ رَكِبَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْقَوْمِ فَلَمَّا أَتَوْا بَابَ الْكَهْفِ قَالَ يَمْلِيخَا: دَعُونِي حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى أَصْحَابِي فَأُبَشِّرُهُمْ فَإِنَّهُمْ إِنْ رَأَوْكُمْ مَعِي أَرْعَبْتُمُوهُمْ فَدَخَلَ فَبَشَّرَهُمْ فَقَبَضَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ وَأَعْمَى عَلَيْهِمْ أَثَرَهُمْ فَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَيْهِمْ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ﴾ أَيْ: صَارُوا إِلَى الْكَهْفِ، يُقَالُ: أَوَى فَلَانٌ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا أَيِ: اتَّخَذَهُ مَنْزِلًا إِلَى الْكَهْفِ وَهُوَ غَارٌ فِي جَبَلِ بَنْجَلُوسَ وَاسْمُ الْكَهْفِ: "خَيْرَمُ" [[راجع فيما سبق ص (١٤٥) تعليق (٢) من نفس السورة.]] . ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ وَمَعْنَى الرَّحْمَةِ: الْهِدَايَةُ فِي الدِّينِ. وَقِيلَ: الرِّزْقُ ﴿وَهَيِّئْ لَنَا﴾ يَسِّرْ لَنَا ﴿مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ أَيْ: مَا يُلْتَمَسُ مِنْ رِضَاكَ وَمَا فِيهِ رُشْدُنَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَشَّدَا أَيْ مَخْرَجًا مِنَ الْغَارِ فِي سَلَامَةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب