الباحث القرآني

﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُ نَفْسٍ تُجَادِلُ﴾ تُخَاصِمُ وَتَحْتَجُّ، ﴿عَنْ نَفْسِهَا﴾ بِمَا أَسْلَفَتْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، مُشْتَغِلًا بِهَا لَا تَتَفَرَّغُ إِلَى غَيْرِهَا، ﴿وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ رُوِيَ أَنْ عُمَرَ بْنَ الخطاب قال ٢٠٣/ألِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: خَوِّفْنَا، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ وَافَيْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمِثْلِ عَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَأَتَتْ عَلَيْكَ سَاعَاتٌ وَأَنْتَ لَا تُهِمُّكَ إِلَّا نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِجَهَنَّمَ زَفْرَةً لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ مُنْتَخَبٌ، إِلَّا وَقَعَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا نَفْسِي، وَإِنَّ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ "يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا" [[عزاه السيوطي في الدر المنثور: (٥ / ١٧٣) لابن المبارك، وابن أبي شيبة، وأحمد في "الزهد" وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن كعب الأحبار. وانظر: زاد المسير: ٤ / ٤٩٩، روح المعاني: ١٤ / ٢٤٠-٢٤١.]] . وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: مَا تَزَالُ الْخُصُومَةُ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى تُخَاصِمَ الرُّوحُ الْجَسَدَ، فَتَقُولُ الرُّوحُ: يَا رَبِّ، لَمْ يَكُنْ لِي يَدٌ أَبْطِشُ بِهَا، وَلَا رِجْلٌ أَمْشِي بِهَا، وَلَا عَيْنٌ أُبْصِرُ بِهَا. وَيَقُولُ الْجَسَدُ: خَلَقْتَنِي كَالْخَشَبِ لَيْسَتْ لِي يَدٌ أَبْطِشُ بِهَا، وَلَا رِجْلٌ أَمْشِي بِهَا، وَلَا عَيْنٌ أُبْصِرُ بِهَا، فَجَاءَ هَذَا كَشُعَاعِ النُّورِ، فَبِهِ نَطَقَ لِسَانِي، وَأَبْصَرَتْ عَيْنِي، وَمَشَتْ رِجْلِي. فَيَضْرِبُ اللَّهُ لَهُمَا مَثَلًا أَعْمَى وَمُقْعَدٌ، دَخَلَا حَائِطًا فِيهِ ثِمَارٌ، فَالْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ الثَّمَرَ، وَالْمُقْعَدُ لَا يَنَالُهُ، فَحَمْلَ الْأَعْمَى الْمُقْعَدَ فَأَصَابَا مِنَ الثَّمَرِ فَعَلَيْهِمَا الْعَذَابُ [[قال الآلوسي: (١٤ / ٢٤١) : "والظاهر هو عدم صحة هذا الخبر عن الحبر -ابن عباس- وهو أجل من أن يحمل المجادلة في الآية على ما ذكر. والحق أنه ليس فيه إلا الدلالة على عدم الاهتمام. وقال ابن عطية: (٨ / ٥٢٥) ، وظاهر الآية: أن كل نفس تجادل، مؤمنة كانت أو كافرة، فإذا جادل الكفار بكذبهم وجحدهم الكفر شهدت عليهم الجوارح والرسل وغير ذلك بحسب الطوائف، فحينئذ لا ينطقون ﴿ولا يؤذن لهم فيعتذرون﴾ [المرسلات: ٣٦] فتجتمع آيات القرآن باختلاف المواطن. وقالت فرقة: قول كل أحد من الأنبياء وغيرهم: نفسي، نفسي، وهذا ليس بجدال ولا احتجاج، وإنما هو مجرد رغبة".]] . قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً﴾ يَعْنِي: مَكَّةَ، كَانَتْ آمِنَةً، لَا يُهَاجُ أَهْلُهَا وَلَا يُغَارُ عَلَيْهَا، ﴿مُطْمَئِنَّةً﴾ قَارَّةً بِأَهْلِهَا، لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الِانْتِقَالِ لِلِانْتِجَاعِ كَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَائِرُ الْعَرَبِ، ﴿يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ يُحْمَلُ إِلَيْهَا مِنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ نَظِيرُهُ: "يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ" [القصص: ٥٧] . ﴿فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ﴾ جَمْعُ النِّعْمَةِ، وَقِيلَ: جَمْعُ نَعْمَاءَ مِثْلِ بَأْسَاءَ وَأَبْؤُسٍ، ﴿فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ﴾ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالْجُوعِ سَبْعَ سِنِينَ، وَقَطَعَتِ الْعَرَبُ عَنْهُمُ الْمِيرَةَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى جَهِدُوا فَأَكَلُوا الْعِظَامَ الْمُحَرَّقَةَ، وَالْجِيَفَ، وَالْكِلَابَ الْمَيِّتَةَ، وَالْعِهْنَ، وَهُوَ الْوَبَرُ يُعَالَجُ بِالدَّمِ، حَتَّى كَانَ أَحَدُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى شِبْهَ الدُّخَانِ مِنَ الْجُوعِ، ثُمَّ إِنَّ رُؤَسَاءَ مَكَّةَ كَلَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَقَالُوا: هَذَا عَادَيْتَ الرِّجَالَ، فَمَا بَالُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلنَّاسِ بِحَمْلِ الطَّعَامِ إِلَيْهِمْ وَهُمْ بَعْدُ مُشْرِكُونَ. وَذَكَرَ اللِّبَاسَ لِأَنَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْهُزَالِ وَالشُّحُوبِ وَتَغَيُّرِ ظَاهِرِهِمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ كَاللِّبَاسِ لَهُمْ ﴿وَالْخَوْفِ﴾ يَعْنِي: بُعُوثَ النَّبِيِّ ﷺ وَسَرَايَاهُ الَّتِي كَانَتْ تُطِيفُ بِهِمْ. ﴿بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب