الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ أَيِ: اسْتَنْصَرُوا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْأُمَمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الرُّسُلُ صَادِقِينَ فَعَذِّبْنَا، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] . وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: وَاسْتَفْتَحُوا يَعْنِي الرُّسُلَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا يَئِسُوا مِنْ إِيمَانِ قَوْمِهِمُ اسْتَنْصَرُوا اللَّهَ وَدَعَوْا عَلَى قَوْمِهِمْ بِالْعَذَابِ كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] .، الْآيَةَ ﴿وَخَابَ﴾ خَسِرَ. وَقِيلَ: هَلَكَ، ﴿كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ وَالْجَبَّارُ: الَّذِي لَا يَرَى فَوْقَهُ أَحَدًا. وَالْجَبْرِيَّةُ: طَلَبُ الْعُلُوِّ بِمَا لَا غَايَةَ وَرَاءَهُ [[ومن "الجبار"، تقول: هو جبار بين الجَبَرية، والجَبْرِيَّة والجَبَرُوُّة، والجَبَروت. انظر: تفسير الطبري: ١٦ / ٥٤٣.]] . وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: الْجَبَّارُ: الَّذِي يُجْبِرُ الْخَلْقَ عَلَى مُرَادِهِ، وَالْعَنِيدُ: الْمُعَانِدُ لِلْحَقِّ وَمُجَانِبُهُ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: هُوَ الْمُعْرِضُ عَنِ الْحَقِّ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ الْمُتَكَبِّرُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: "الْعَنِيدُ" الَّذِي أَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [[انظر في هذه الأقوال: الدر المنثور: ٥ / ١٤-١٥، والطبري: ١٦ / ٥٤٣-٥٤٥.]] . ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ﴾ أَيْ: أَمَامَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ [الكهف: ٧٦] أَيْ: أَمَامَهُمْ [[وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول: إنما يعني بقوله: "من ورائه" أي من أمامه، لأنه وراء ما هو فيه، كما يقول لك: "وكل هذا من ورائك"، أي سيأتي عليك، وهو من وراء ما أنت فيه، لأن ما أنت فيه قد كان قبل ذلك وهو من ورائه. وكان بعض نحويي أهل الكوفة يقول: أكثر ما يجوز هذا في الأوقات، لأن الوقت يمر عليك، فيصير خلفك إذا جزته ... انظر: تفسير الطبري: ١٦ / ٥٤٧.]] . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ [[انظر: الطبري: ١٦ / ٥٤٧، وقال الزجاج: الوراء يكون بمعنى بمعنى الخلف والقدام ... وليس من الأضداد. انظر: زاد المسير: ٤ / ٣٥٢.]] . وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ كَمَا يُقَالُ هَذَا الْأَمْرُ مِنْ وَرَائِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ سَيَأْتِيكَ، وَأَنَا مِنْ وَرَاءِ فُلَانٍ يَعْنِي أَصِلُ إِلَيْهِ [[انظر التعليق السابق.]] . وَقَالَ مُقَاتِلٌ: "مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ" أَيْ: بَعْدَهُ [[قال ابن الأنباري: "من ورائه" أي: من بعد يأسه، فدل "خاب" على اليأس، فكنى عنه، وحملت "وراء" على معنى "بعد"، كما قال النابغة: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب أراد: ليس بعد الله مذهب. انظر: زاد المسير: ٤ / ٣٥٢.]] . ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ أَيْ: مِنْ مَاءٍ هُوَ صَدِيدٌ، وَهُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ أَبْدَانِ الْكُفَّارِ مِنَ الْقَيْحِ وَالدَّمِ [[انظر: الطبري ١٦ / ٥٤٨، الدر المنثور: ٥ / ١٥ وعزاه فيه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة، ولابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في "البعث والنشور" عن مجاهد. وانظر: زاد المسير: ٤ / ٣٥٢-٣٥٣.]] . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: مَا يَسِيلُ مِنْ فُرُوجِ الزُّنَاةِ، يُسْقَاهُ الْكَافِرُ [[في زاد المسير: (٤ / ٣٥٣) عن محمد بن كعب: هو غُسالة أهل النار، وذلك ما يسيل من فروج الزناة. وقال ابن قتيبة: المعنى: يسقي الصديد مكان الماء، كأنه قال: يجعل ماؤه صديدا، ويجوز أن يكون على التشبيه، أي: يسقى ماءً كأنه صديد. انظر: القرطين أو كتابي مشكل القرآن وغريب القرآن لابن قتيبة، جمع بينهما: ابن مطرف الكناني: ١ / ٢٣٦.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب