الباحث القرآني

﴿أَنْزَلَ﴾ يَعْنِي: اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ يَعْنِي: الْمَطَرَ، ﴿فَسَالَتْ﴾ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، ﴿أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ أَيْ: فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، ﴿فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ﴾ الَّذِي حَدَثَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، ﴿زَبَدًا رَابِيًا﴾ الزَّبَدُ: الْخَبَثُ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقِدْرِ، "رَابِيًا" أَيْ عَالِيًا مُرْتَفِعًا فَوْقَ الْمَاءِ، فَالْمَاءُ الصَّافِي الْبَاقِي هُوَ الْحَقُّ، وَالذَّاهِبُ الزَّائِلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْأَشْجَارِ وَجَوَانِبِ الْأَوْدِيَةِ هُوَ الْبَاطِلُ. وَقِيلَ: قَوْلُهُ "أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً": هَذَا مَثَلٌ لِلْقُرْآنِ، وَالْأَوْدِيَةُ مَثَلٌ لِلْقُلُوبِ، يُرِيدُ: يُنَزِّلُ الْقُرْآنَ، فَتَحْمِلُ مِنْهُ الْقُلُوبُ عَلَى قَدْرِ الْيَقِينِ وَالْعَقْلِ وَالشَّكِّ وَالْجَهْلِ. فَهَذَا أَحَدُ الْمَثَلَيْنِ. وَالْمَثَلُ الْآخَرُ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ﴾ . قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ ﴿يُوقِدُونَ﴾ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ وَلَا مُخَاطَبَةَ هَاهُنَا. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ " وَمِمَّا تُوقِدُونَ " أَيْ: وَمِنَ الَّذِي تُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ. وَالْإِيقَادُ: جَعْلُ النَّارِ تَحْتَ الشَّيْءِ لِيَذُوبَ. ﴿ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ﴾ أَيْ: لِطَلَبِ زِينَةٍ، وَأَرَادَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ؛ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ تُطْلَبُ مِنْهُمَا، ﴿أَوْ مَتَاعٍ﴾ أَيْ: طَلَبِ مَتَاعٍ وَهُوَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَالصُّفْرِـ تُذَابُ فَيُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَوَانِي وَغَيْرُهَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهَا، ﴿زَبَدٌ مِثْلُهُ﴾ . ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾ أَيْ: إِذَا أُذِيبَ فَلَهُ أَيْضًا زَبَدٌ مِثْلُ زَبَدِ الْمَاءِ، فَالْبَاقِي الصَّافِي مِنْ هَذِهِ الْجَوَاهِرِ مِثْلُ الْحَقِّ، وَالزَّبَدُ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِثْلُ الْبَاطِلِ. ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ﴾ الَّذِي عَلَا السَّيْلَ وَالْفِلِزَّ، ﴿فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ أَيْ: ضَائِعًا بَاطِلًا وَالْجُفَاءُ مَا رَمَى بِهِ الْوَادِي مِنَ الزَّبَدِ، وَالْقِدْرُ إِلَى جَنَبَاتِهِ. يُقَالُ: جَفَا الْوَادِي وَأَجْفَأَ: إِذَا أَلْقَى غُثَاءَهُ، وَأَجْفَأَتِ الْقِدْرُ وَجَفَأَتْ: إِذَا غَلَتْ وَأَلْقَتْ زَبَدَهَا، فَإِذَا سَكَنَتْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا شَيْءٌ. مَعْنَاهُ: إِنَّ الْبَاطِلَ وَإِنْ عَلَا فِي وَقْتٍ فَإِنَّهُ يَضْمَحِلُّ. وَقِيلَ: "جُفَاءً" أَيْ: مُتَفَرِّقًا. يُقَالُ: جَفَأَتِ الرِّيحُ الْغَيْمَ إِذَا فَرَّقَتْهُ وَذَهَبَتْ بِهِ. ﴿وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ يَعْنِي: الْمَاءَ وَالْفِلِزَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ، ﴿فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ أَيْ: يَبْقَى وَلَا يَذْهَبُ. ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا مَثَلًا لِلْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، أَيْ: أَنَّ الْبَاطِلَ كَالزَّبَدِ يَذْهَبُ وَيَضِيعُ، وَالْحَقَّ كَالْمَاءِ وَالْفِلِزِّ يَبْقَى فِي الْقُلُوبِ. وَقِيلَ: هَذَا تَسْلِيَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي: أَنَّ أَمْرَ الْمُشْرِكِينَ كَالزَّبَدِ يُرَى فِي الصُّورَةِ شَيْئًا وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَأَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالْمَاءِ الْمُسْتَقِرِّ فِي مَكَانِهِ لَهُ الْبَقَاءُ وَالثَّبَاتُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب