الباحث القرآني

﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا﴾ إِلَى الصَّحْرَاءِ، ﴿يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ عَامِرٍ، بِالنُّونِ فِيهِمَا وَجَزْمِ الْعَيْنِ مِنْ "نَرْتَعْ" وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِالْيَاءِ فِيهِمَا وَجَزْمِ الْعَيْنِ مِنْ "يَرْتَعْ" يَعْنِي يُوسُفَ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: "نَرْتَعْ" بِالنُّونِ "وَيَلْعَبْ" بِالْيَاءِ. وَالرَّتْعُ هُوَ: الِاتِّسَاعُ فِي الْمَلَاذِ. يُقَالُ: رَتَعَ فُلَانٌ فِي مَالِهِ إِذَا أَنْفَقَهُ فِي شَهَوَاتِهِ، يُرِيدُ وَنَتَنَعَّمُ وَنَأْكُلُ وَنَشْرَبُ وَنَلْهُو وَنَنْشَطُ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ: ﴿يَرْتَعْ﴾ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَهُوَ [يَفْتَعِلُ] [[في "أ": تفعيل.]] مِنَ الرَّعْيِ. ثُمَّ ابْنُ كَثِيرٍ قَرَأَ بِالنُّونِ فِيهِمَا أَيْ: نَتَحَارَسُ وَيَحْفَظُ بَعْضُنَا بَعْضًا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ بِالْيَاءِ إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ، أَيْ: يَرْعَى الْمَاشِيَةَ كَمَا نَرْعَى نَحْنُ. ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ١٨٠/أ ﴿قَالَ﴾ لَهُمْ يَعْقُوبُ، ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾ أَيْ: يُحْزِنُنِي ذَهَابُكُمْ بِهِ، وَالْحُزْنُ هَا هُنَا: أَلَمُ الْقَلْبِ بِفِرَاقِ الْمَحْبُوبِ، ﴿وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ يَعْقُوبَ كَانَ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ ذِئْبًا شَدَّ عَلَى يُوسُفَ، فَكَانَ يَخَافُ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ ثَمَّ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ [[ضعف ابن عطية هذا القول، لأن يعقوب لو رأى ذلك لكان وحيا، فإما أن يخرج على وجهه وذلك لم يكن، وإما أن يعرف يعقوب لمعرفته بالعبارة مثل هذا المرئي، فكان يتشكاه بعينه، اللهم إلا أن يكون قوله "أخاف أن يأكله الذئب" بمعنى أخاف أن يصيبه مثل ما رأيت من أمر الذئب، وهذا بعيد. وكذلك يقول الربيع بن ضبع الفزاري: والذئبَ أخشاه إن مَرَرْتُ به ... وَحْدِي وأَخْشَى الريحَ والمطرا إنما خصصه لأنه كان حيوان قطره العادي. ويحتمل أن يخصصه يعقوب عليه السلام لصغر سن يوسف، أي: أخاف عليه هذا الحقير فما فوقه. وكذلك خصصه الربيع في البيت السابق لحقارته وضعفه في الحيوان. انظر: المحرر الوجيز: ٤ / ٤٥٠-٤٥١، البحر المحيط: ٥ / ٢٨٦.]] . ﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ عَشَرَةٌ، ﴿إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾ عَجَزَةٌ ضُعَفَاءُ. ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا﴾ أَيْ: عَزَمُوا، ﴿أَنْ يَجْعَلُوهُ﴾ يُلْقُوهُ، ﴿فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾ هَذِهِ الْوَاوُ زَائِدَةٌ [[هذا على رأي الكوفيين من النحاة، يزاد عندهم بعد "لما" و"حتى" -"إذا" وعلى ذلك خرَّجوا قوله تعالى: (فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه) أي: ناديناه. قال أبو حيان: وهو قول مردود لأنه ليس في القرآن شيء زائد لغير معنى. وقال البصريون: ليس في الآية زيادة، لأن جواب "لما" محذوف تقديره: "فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب عظمت فتنتهم" وقدره بعضهم: "جعلوه فيها" قال أبو حيان: وهذا أولى، إذ يدل عليه قوله: "وأجمعوا أن يجعلوه". انظر: المحرر الوجيز: ٤ / ٤٥٢، البحر المحيط: ٥ / ٢٨٧.]] ، تَقْدِيرُهُ: أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ﴾ [الصافات: ١٠٣] أَيْ: نَادَيْنَاهُ، ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ يَعْنِي: أَوْحَيْنَا إِلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَتُصَدَّقَنَّ رُؤْيَاكَ وَلَتُخْبِرَنَّ إِخْوَتَكَ بِصَنِيعِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِوَحْيِ اللَّهِ وَإِعْلَامِهِ إِيَّاهُ ذَلِكَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ يَوْمَ تُخْبِرُهُمْ أَنَّكَ يُوسُفُ، وَذَلِكَ حِينَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ. وَذَكَرَ وَهْبٌ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُمْ أَخَذُوا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِغَايَةِ الْإِكْرَامِ وَجَعَلُوا يَحْمِلُونَهُ، فَلَمَّا بَرَزُوا إِلَى الْبَرِّيَّةِ أَلْقَوْهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمُ اسْتَغَاثَ بِالْآخَرِ فَضَرَبَهُ الْآخَرُ، فَجَعَلَ لَا يَرَى مِنْهُمْ رَحِيمًا فَضَرَبُوهُ حَتَّى كَادُوا يَقْتُلُونَهُ وَهُوَ يَصِيحُ: يَا أَبَتَاهُ لَوْ تَعْلَمُ مَا يَصْنَعُ بِابْنِكَ بَنُو الْإِمَاءِ، فَلَمَّا كَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ قَالَ لَهُمْ يَهُوذَا: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتُمُونِي مَوْثِقًا أَنْ لَا تَقْتُلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى الْجُبِّ لِيَطْرَحُوهُ فِيهِ، وَكَانَ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً -وَقِيلَ: ثَمَانِي عشرة سنة-فجاؤوا بِهِ إِلَى بِئْرٍ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ وَاسِعَةِ الْأَسْفَلِ ضَيِّقَةِ الرَّأْسِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَنْزِلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ كَعْبٌ: بَيْنَ مَدْيَنَ وَمِصْرَ. وَقَالَ وَهْبٌ: بِأَرْضِ الْأُرْدُنِّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ بِئْرُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَجَعَلُوا يُدْلُونَهُ فِي الْبِئْرِ فَيَتَعَلَّقُ بِشَفِيرِ الْبِئْرِ فَرَبَطُوا يَدَيْهِ وَنَزَعُوا قَمِيصَهُ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ رُدُّوا عَلَيَّ الْقَمِيصَ أَتَوَارَى بِهِ فِي الْجُبِّ، فَقَالُوا: ادْعُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ تُوَارِيكَ [[في "ب": تؤنسك.]] ، قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرَ شَيْئًا، فَأَلْقَوْهُ فِيهَا. وَقِيلَ: جَعَلُوهُ فِي دَلْوٍ وَأَرْسَلُوهُ فِيهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَ نِصْفَهَا أَلْقَوْهُ إِرَادَةَ أَنْ يَمُوتَ فَكَانَ فِي الْبِئْرِ مَاءٌ فَسَقَطَ فِيهِ، ثُمَّ أَوَى إِلَى صَخْرَةٍ فِيهَا فَقَامَ عَلَيْهَا. إِنَّهُمْ لَمَّا أَلْقَوْهُ فِيهَا جَعَلَ يَبْكِي فَنَادَوْهُ فَظَنَّ أَنَّ رَحْمَةً أَدْرَكَتْهُمْ فَأَجَابَهُمْ فَأَرَادُوا أَنْ يَرْضِخُوهُ بِصَخْرَةٍ فَيَقْتُلُوهُ، فَمَنَعَهُمْ يَهُوذَا وَكَانَ يَهُوذَا يَأْتِيهِ بِالطَّعَامِ، وَبَقِيَ فِيهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ [[قال أبو حيان في أمثال هذه الروايات عن وهب وكعب وغيرهما: "وذكر المفسرون أشياء كثيرة تتضمن كيفية إلقائه في غيابة الجب، ومحاورته لهم بما يلين الصخر، وهم لا يزدادون إلا قساوة. ولم يتعرض القرآن الكريم ولا الحديث الصحيح لشيء منها فيوقف عليها في كتب التفسير". انظر: البحر المحيط: ٥ / ٢٨٧.]] . ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا﴾ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهِ بِهَذَا وَبَعَثَ إِلَيْهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُؤْنِسُهُ وَيُبَشِّرُهُ بِالْخُرُوجِ، وَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا فَعَلُوهُ وَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [[قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون الوحي حينئذ إلى يوسف برسول، ويحتمل أن يكون بإلهام أو نوم، وكل ذلك قد قيل. وقال الحسن: أعطاه الله النبوة في الجب. وهذا بعيد. انظر: المحرر الوجيز: ٤ / ٤٥٣.]] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ثُمَّ إِنَّهُمْ ذَبَحُوا سَخْلَةً وَجَعَلُوا دَمَهَا عَلَى قَمِيصِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب