الباحث القرآني

شرح الكلمات: ضراراً: أي لأجل الإضرار. وإرصاداً: انتظاراً وترقباً. إلا الحسنى }: أي إلا الخير والحال الأحسن. لا تقم فيه أبداً: أي لا تَقُمْ فيه للصلاة أبداً. أسس على التقوى: أي بُني على التقوى وهو مسجد قبا. فيه رجال: هم بنو عَمرو بن عوف. على تقوى من الله: اي على خوف. ورضوان: أي رجاء رضوان الله تعالى. على شفا جرف هار: أي على طرف جرف مشرف على السقوط، وهو مسجد الضرار. ريبة في قلوبهم: أي شكاً في نفوسهم. إلا أن تقطع قلوبهم: أي تُفْصَل من صدورهم فيموتوا. معنى الآيات ما زال السياق في فضح المنافقين وإغلاق أبواب النفاق في وجوههم حتى يتوبوا إلى الله تعالى أو يهلكوا وهم كافرون فقال تعالى ذاكراً فريقاً منهم ﴿وٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِراراً وكُفْراً وتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وإرْصاداً لِّمَن حارَبَ ٱللَّهَ ورَسُولَهُ مِن قَبْلُ﴾ إن المراد من هؤلاء الذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً اثنا عشر رجلاً من أهل المدينة كانوا قد أتوا النبي ﷺ وهو شاخص إلى تبوك فقالوا يا رسول الله إنا قد بنينا مسجداً للعاجز منا والمريض وللّيلة المطيرة فَصَلِّ لنا فيه فقال لهم ﷺ أنا الآن على جناح سفر وإن عدنا نصلي لكم فيه إن شاء الله أو كما قال. فلما عاد ﷺ من تبوك ووصل إلى مكان قريب من المدينة يقال له ذواوان وهو بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار نزل عليه الوحي بشأن مسجد الضرار فبعث مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي أو أخاه عاصماً أخا بني العجلان فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالِم أهله فاهدماه وحرقاه فخرجا مسرعين حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال لمعن انظرني حتى أخرج إليك بنار فخرج بسعف نخل قد أضرم فيه النار وأتيا المسجد وأهله فيه فأضرما فيه النار وهدماه وتفرق أهله ونزل فيهم قوله تعالى ﴿وٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِراراً﴾ أي لأجل الإضرار بالمسجد النبوي ومسجد قباء حتى يأتيهما أهل الحي وقوله ﴿وكُفْراً﴾ أي لأجل الكفر بالله ورسوله وقوله ﴿وتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾ علة ثالثة لبناء مسجد الضرار إذ كان أهل الحي مجتمعين في مسجد قباء فأرادوا تفرقتهم في مسجدين حتى يجد هؤلاء المنافقون مجالاً للتشكيك والطعن وتفريق صفوف المؤمنين على قاعدة: (فرق تسد) ﴿وإرْصاداً لِّمَن حارَبَ ٱللَّهَ ورَسُولَهُ مِن قَبْلُ﴾ وهو أبو عامر الراهب الفاسق لأنه عليه لعائن الله هو الذي أمرهم أن يبنوه ليكون وكراً للتآمر والكيد وهذا الفاسق قال للنبي ﷺ ما وجدت قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم فكان مع المشركين في حروبهم كلها إلى أن انهزم المشركون في هوازن وأيس اللعين ذهب إلى بلاد الروم يستعديهم على رسول الله ﷺ، ومن هنا أمر المنافقين ببناء مسجد الضرار ليكون كما ذكر تعالى حتى ينزل به مع جيوش الروم التي قد خرج يستعديها ويؤلِّبها إلا أنه خاب في مسعاه وهلك بالشام إلى جهنم وبئس المصير فهذا معنى قوله تعالى ﴿وإرْصاداً لِّمَن حارَبَ ٱللَّهَ ورَسُولَهُ مِن قَبْلُ﴾ أي قبل بناء مسجد الضرار الذي هُدم وحُرق وأصبح موضع قمامة تلقى فيه الجِيَفْ والقمائم. وقوله تعالى ﴿ولَيَحْلِفُنَّ إنْ أرَدْنا إلاَّ ٱلْحُسْنىٰ﴾ هذا قولهم لما حرق عليهم المسجد وهدم وانفضح أمرهم حلفوا ما أرادُوا ببنائه إلا الحالة التي هي حسنى لا سوء فيها إذ قالوا بنيناه لأجل ذي العلة ولليلة المطيرة، وقوله تعالى ﴿وٱللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ تفنيد لقولهم وتقرير لكذبهم. وقوله تعالى ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أبَداً﴾ نهيّ للرسول ﷺ أن يصلى لهم فيه كما واعدهم وهو ذاهب إلى تبوك. وقوله تعالى ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى ٱلتَّقْوىٰ مِن أوَّلِ يَوْمٍ أحَقُّ أن تَقُومَ فِيهِ﴾ وهو مسجده ﷺ ومسجد قباء إذ كل منهما أسس من أول يوم على تقوى من الله ورضوان أي على خوف من الله وطلب رضاه، وقوله تعالى ﴿فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أن يَتَطَهَّرُواْ وٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ﴾ ثناء على أهل قباء بخير واخبار أنهم يحبون أن يتطهروا من الخبث الحسِّي والمعنوي فكانوا يجمعون في الاستنجاء بين الحجارة والماء فأثنى الله تعالى عليهم بذلك، وقوله تعالى ﴿أفَمَن أسَّسَ بُنْيانَهُ عَلىٰ تَقْوىٰ مِنَ اللَّهِ ورِضْوانٍ﴾ أي على مخافة من الله وطلب لرضاه خير أمن أسس بنيانه على شفا أي طرف جرف هار أي مشرف على السقوط، والجرف ما يكون في حافة الوادي من أرض يجرف السيل من تحتها التراب وتبقى قائمة ولكنها مشرفة على السقوط، وقوله تعالى ﴿فَٱنْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ﴾ أي سقط به ذلك الجرف في نار جهنم والعياذ بالله تعالى، هذا حال أولئك المنافقين الذين بنوا مسجد الضرار. وقوله تعالى ﴿وٱللَّهُ لا يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظّالِمِينَ﴾ أي لا يهديهم إلى ما يكمُلون به ويسعدون أي يحرمهم هدايته فيخسرون دنيا وأُخرى وقوله تعالى ﴿لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي شكاً واضطراباً في نفوسهم ﴿إلاَّ أن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ فيهلكوا والشك في قلوبهم أي فكان هذا البناء الظالم سبباً في تأصل النفاق والكفر في قلوبهم حتى يموتوا كافرين وقوله ﴿وٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ تذييل للكلام بما يقرر مضمونه ويثبته فكونه تعالى عليماً حكيماً يستلزم حرمان أولئك الظلمة المنافقين من الهداية حتى يموتوا وهم كافرون إلى جهنم وذلك لتوغلهم في الظلم والشرك والفساد. هداية الآيات من هداية الآيات: ١- بيان أكبر مؤامرة ضد الإسلام قام بها المنافقون بارشاد الفاسق أبي عامر الراهب. ٢- بيان أن تنازع الشرف هو سبب البلاء كل البلاء فابن أُبَيّ حاربَ الإسلام لأنه كان يُؤمِّلُ في السُّلطة على أهل المدينة فحُرِمَها بالإسلام. وأبو عامر الراهب ترهَّب لأجل الشرف على أهل المدينة والسلطان الروحي فلذا لما فقدها حارب من كان سبب حرمانه وهو الرسول ﷺ حتى قال له مواجهة: ما قاتلك قوم إلا قاتلتك معهم. بل ذهب إلى الروم يؤلِّبهم على رسول الله ﷺ واليهود ما حاربوا الإسلام إلا من أجل المحافظة على أملهم في مملكة إسرائيل. ٣- لا يصح الإغترار بأقوال أهل النفاق فإنها كذب كلها. ٤- أيما مسجد بُني للإضرار والتفرقة بين المسلمين إلا ويجب هدمه وتحرم الصلاة فيه. ٥- فضل التطهر والمبالغة في الطهارتين الروحية والبدنية. ٦- التحذير من الظلم والإسراف فيه فإنه يحرم صاحبه هداية الله فيهلك وهو ظالم فيخسر دنيا وأُخرى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب