الباحث القرآني

شرح الكلمات: وما أفاء الله على رسوله منهم: أي وما رد الله ليد رسول الله ﷺ من مال بني النضير. فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب: أي أسرعتم في طلبه والحصول عليه خيلاً ولا إبلاً أي لم تعانوا فيه مشقة. ولكن الله يسلط رسله على من يشاء: أي وقد سلط رسول الله محمداً ﷺ على بني النضير ففتح بلادهم صلحاً. وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى: أي وما رد الله على رسوله من أموال أهل القرى التي لم يوجف عليها بخيلٍ ولا رِكابٍ. فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل: أي لله جزء وللرسول جزء ولقرابة الرسول جزء ولليتامى جزء وللمساكين جزء ولابن السبيل جزء تقسم على المذكورين بالسوية. كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم: أي كيلا يكون المال متداولاً بين الأغنياء الأقوياء ولا يناله الضعفاء والفقراء. وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا: أي وما أعطاكم الرسول وأذن لكم فيه أو أمركم به فخذوه وما نهاكم عنه وحظره عليكم ولم يأذن لكم فيه فانتهوا عنه. واتقوا الله إن الله شديد العقاب: أي واتقوا الله فلا تعصوه ولا تعصوا رسوله واحذروا عقوبة الله على معصيته ومعصية رسوله فإن الله شديد العقاب. معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في غزوة بني النضير إنه بعد الصلح الذي تم بينهم وبين رسول الله ﷺ وقد تركوا حوائطهم أي بساتينهم فيئاً لرسول الله ﷺ ورغب المسلمون في تلك البساتين ورأى بعضهم أنها ستقسم عليهم كما تقسم الغنائم فأبى الله تعالى ذلك عليهم وقال: ﴿ومَآ أفَآءَ ٱللَّهُ عَلىٰ رَسُولِهِ﴾ أي وما رد الله تعالى على رسوله من مال بني النضير. وكلمة ردّ تفسير لكلمة أفاء لأن الفيء الظل يتقلص ثم يرجع أي يُردّ وأموال بني النضير الأصل فيها لرسول الله ﷺ لأن بني النضير عاهدوا رسول الله وبمقتضى المعاهدة أبقى عليهم أموالهم فإذا نقضوا العهد وخانوا لم يستحقوا من المال شيئاً لا سيما وأنهم تآمروا على قتله وكادوا ينفذون جريمتهم التي تحملوا تبعتها ولو لم ينفذوها وبداية القضية كالتالي: أن المعاهدة التي تمت بين الرسول ﷺ وبين بني النضير من جملة بنودها أن يؤدوا مع الرسول ما يتحمل من ديات. وبعد وقعة أحد بنصف سنة حدث أن عمرو بن أمية الضمري قتل خطأ رجلين من بني كلب أو بني كلاب فجاء ذووهم يطالبون بديتهم من رسول الله ﷺ إذ هو المسئول عن المسلمين فخرج ﷺ إلى بني النضير في قريتهم التي تبعد عن المدينة بميلين يطالب بالإسهام في دية الرجلين الكلابيين بحكم المعاهدة فلما انتهى إليهم أنزلوه هو وأصحابه بأحسن مجلس وقالوا ما تطلبه هو لك يا أبا القاسم ثم خلوا بأنفسهم وقالوا إن الفرصة سانحة للتخلص من الرجل فجاءوا برحىً «مطحنة» من صخرة وطلعوا بها إلى سطح المنزل وهموا أن يسقطوها على رأس رسول الله ﷺ وهو جالس في ظل الجدار مع أصحابه، وقبل أن يسقطوا الرحى أوحى الله إلى رسوله أن قم من مكانك فإن اليهود أرادوا إسقاط حجرعليك ليقتلوك فقام ﷺ على الفور وتبعه أصحابه وسقط في أيدي اليهود. وما إن رجع الرسول ﷺ حتى أعلن الخروج إلى بني النضير فإنهم نقضوا عهدهم ووجب قتالهم فنزل بساحتهم وحاصرهم وجرت سفارة وانتهت بصلح يقضي بأن يجلو بنو النضير عن المدينة يحملون أموالهم على إبلهم دون السلاح ويلتحقوا بأذرعات بالشام فكان هذا أول حشر لهم إلى أرض المعاد والمحشر إلا أسرتين نزلتا بخيبر أسرة بني الحقيق الذين منهم حيي ابن اخطب والد صفية زوج رسول الله ﷺ. ولهذه الغزوة بقية ستأتي عند قوله تعالى ﴿ألَمْ تَرَ إلى ٱلَّذِينَ نافَقُواْ يَقُولُونَ لإخْوانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن أهْلِ ٱلْكِتابِ﴾ [الحشر: ١١] الآيات. من هنا علمنا أن مال بني النضير هو لرسول الله ﷺ أفاءه الله عليه فقال وما أفاء الله على رسوله منهم أي من بني النضير. ولما طمع المؤمنون فيه قال تعالى رداً عليهم فما أوجفتم عليه أي على أموال بني النضير أي ما ركبتم إليه خيلاً ولا إبلاً ولا أسرعتم عدواً إليهم لأنهم في طرف المدينة فلم تتحملوا سفراً ولا تعباً ولا قتالاً موتاً وجراحات فلذا لاحق لكم فيها فإنها فيء وليست بغنائم. ولكن الله يسلط رسله على من يشاء بدون حروب ولا قتال فيفيء عليهم بمال الكفرة الذي هو مال الله فيرده على رسله، وقد سلط الله حسب سنته في رسله محمداً ﷺ على أعدائه بني النضير فحاز المال بدون قتال ولا سفر فهو له دون غيره ينفقه كما يشاء ومع هذا فقد أنفقه ﷺ ولم يبق منه إلا قوت سنة لأزواجه رضي الله عنهن وأرضاهن. وقوله تعالى ﴿وٱللَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لا يمتنع منه قوي، ولا يتعزز عليه شريف سرِي. وقوله تعالى: ﴿مَّآ أفَآءَ ٱللَّهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِن أهْلِ ٱلْقُرىٰ﴾ أي من أموال أهل القرى التي ما فتحت عنوة ولكن صلحاً فتلك الأموال تقسم فيئاً على ما بيّن تعالى فلله وللرسول ولذي القربى أي قرابة رسول الله ﷺ وهم بنو هاشم وبنو المطلب. واليتامى الذي لا عائل لهم، والمساكين الذين مسكنتهم الحاجة وابن السبيل وهو المسافر المنقطع عن بلاده وداره وماله. وعلة ذلك بينها تعالى بقوله: ﴿كَيْ لا يَكُونَ﴾ أي المال ﴿دُولَةً﴾ أي متداولاً بين الأغنياء منكم، ولا يناله الضعفاء والفقراء فمن الرحمة والعدل أن يقسم الفيء على هؤلاء الأصناف المذكورين وما لله فهو ينفق في المصالح العامة وكذلك ما للرسول بعد وفاته ﷺ والباقي للمذكورين، وكذا خمس الغنائم فإنه يوزع على المذكورين في هذه الآية أما الأربعة أخماس فعلى المجاهدين. وقوله تعالى: ﴿ومَآ آتاكُمُ ٱلرَّسُولُ﴾ من مال وغيره ﴿فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ﴾ أي من مال وغيره فانتهوا عنه واتقوا الله فلا تعصوه ولا تعصوا رسوله واحذروا عقابه فإن الله شديد العقاب أي معاقبته قاسية شديدة لا تطاق فيا ويل من تعرض لها بالكفر والفجور والظلم. هداية الآيات: من هداية الآيات: ١- بيان أن مال بني النضير كان فيئاً خاصاً برسول الله ﷺ. ٢- أن الفيء وهو ما حصل عليه المسلمون بدون قتال وإنما بفرار العدو وتركه أو بصلح يتم بينه وبين المسلمين هذا الفيء يقسم على ما ذكر تعالى في هذه الآية إذ قال وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله، وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وأما الغنائم وهي ما أخذت عنوة بالقوة وسافر إليها المسلمون فإنها تُخَمَّس خمس لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل يوزع بينهم بالسوية، والأربعة الأخماس الباقية تقسم على المجاهدين الذين شاركوا في المعارك وخاضوها للرجل قسم وللفارس قسمان. ٣- وجوب طاعة رسول الله ﷺ وتطبيق أحكامه والاستننان بسننه المؤكدة وحرمة مخالفته فيما نهى عنه أمته روى الشيخان ان ابن مسعود رضي الله عنه قال لعن الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلف الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب كانت تقرأ القرآن فقالت بلغني أنك لعنت كيت وكيت. فقال: مالي لا ألعن من لعن رسول الله ﷺ وهو في كتاب الله عز وجل؟ فقالت لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، قال إن كنت قرأته فقد وجدته. أما قرأت قوله تعالى ﴿ومَآ آتاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ﴾ قالت: بلى. قال: فإنه ﷺ قد نهى عنه. أي الوشم الخ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب