الباحث القرآني

شرح الكلمات: المخلفون من الأعراب: أي الذين حول المدينة وقد خلّفهم الله عن صحبتك لما طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة خوفا من تعرض قريش لك عام الحديبية وهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع. شغلتنا أموالنا وأهلونا: أي عن الخروج معك. فاستغفر لنا: أي الله من ترك الخروج معك. يقولون بألسنتهم: أي كل ما قالوه هو من ألسنتهم وليس في قلوبهم منه شيء. قل فمن يملك لكم من الله شيئا: أي لا أحد لأن الاستفهام هنا للنفي. إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً: وبَّخهم على تركهم صحبة رسول الله ﷺ خوفا من قريش. بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون: أي حسبتم أن قريشا تقتل الرسول والمؤمنين فلم يرجع منهم أحد إلى المدينة. وظننتم ظن السوء: هو هذا الظن الذي زينه الشيطان في قلوبهم. وكنتم قوما بورا: أي هالكين عند الله بهذا الظن السيء، وواحد بور بائر. هالك. فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا: أي ناراً شديدة الاستعار والالتهاب. يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء: يغفر لمن يشاء وهو عبد تاب وطلب المغفرة بنفسه، ويعذب من يشاء وهو عبد ظن السوء وقال غير ما يعتقد وأصر على ذلك الكفر والنفاق. وكان الله غفورا رحيما: كان وما زال متصفا بالمغفرة والرحمة فمن تاب غفر الله له ورحمه. معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين في الحضر والبادية وذلك بتأنيبهم وتوبيخهم وذكر معايبهم إرادة إصلاحهم فقال تعالى لرسوله ﴿سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرابِ﴾ وهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع وكانوا أهل بادية وأعرابا حول المدينة استنفرهم رسول الله ﷺ ليخرجوا معه إلى مكة للعمرة تحسبا لما قد تُقدم عليه قريش من قتاله ﷺ إلاَّ أن هؤلاء المخلفين من الأعراب أصابهم خوف وجبن من ملاقاة قريش وزين لهم الشيطان فكرة أن الرسول والمؤمنين لن يعودوا إلى المدينة فإن قريشا ستقضي عليهم وتنهي وجودهم فَلِذَلِكَ خلفهم الله وحرمهم صحبة نبيّه والمؤمنين فحرموا من مكرمة بيعة الرضوان وأخبر رسوله عنهم وهو عائد من الحديبية بما يلي ﴿سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرابِ﴾ معتذرين لك عن تخلفهم ﴿شَغَلَتْنَآ أمْوالُنا﴾ فتخلفنا لأجل إصلاحها، ﴿وأَهْلُونا﴾ كذلك ﴿فَٱسْتَغْفِرْ لَنا﴾ أي اطلب لنا من الله المغفرة. ولم يكن هذا منهم حقا وصدقا بل كان باطلا وكذبا فقال تعالى فاضحاً لهم ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ فهم إذاً كاذبون. وهنا أمر رسوله أن يقول لهم أخبروني إن أنتم عصيتم الله ورسوله وتركتم الخروج مع المؤمنين جنبا وخوفا من القتل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضراً أي شراً لكم أو أرد بكم نفعاً أي خيراً لكم؟ والجواب قطعا لا أحد إذاً فإنكم كنتم مخطئين في تخلفكم وظنكم معاً، وقوله ﴿بَلْ كانَ ٱللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ اضرب تعالى عن كذبهم واعتذارهم ليهددهم على ذلك بقوله ﴿بَلْ كانَ ٱللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ وسيجزيكم به وما كان عملهم إلا الباطل والسوء، ثم أضرب عن هذا أيضا إلى آخر فقال ﴿بَلْ ظَنَنْتُمْ أن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وٱلْمُؤْمِنُونَ إلىٰ أهْلِيهِمْ أبَداً﴾ إذ تقتلهم قريش فتستأصلهم بالكلية. وزين ذلك الشيطان في قلوبكم فرأيتموه واقعاً، وظننتم ظن السوء وهو أن الرسول والمؤمنين لن ينجوا من قتال قريش لهم، وكنتم أي بذلك الظن قوما بورا لا خير فيكم هلكى لا وجود لكم. وقوله تعالى ﴿ومَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ ورَسُولِهِ فَإنَّآ أعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً﴾ وهو إخبار أُريد به تخويفهم لعلهم يرجعون من باطلهم في اعتقادهم وأعمالهم إلى الحق قولا وعملا، ومعنى أعتدنا أي هيأنا وأحضرنا وسعيراً بمعنى نار مستعرة شديدة الالتهاب وقوله في الآية الأخيرة من هذا السياق [١٤] ﴿ولِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ﴾ أي بيده كل شيء ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ﴾ من عباده ويعذب من يشاء فاللائق بهم التوبة والإنابة إليه لا الإصرار على الكفر والنفاق فإنه غير مجد لهم ولا نافع بحال وقد تاب بهذا أكثرهم وصاروا من خيرة الناس، وكان الله غفورا رحيما فغفر لكم من تاب منهم ورحمه. ولله الحمد والمنة. هداية الآيات: من هداية الآيات: ١- إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك دال على أنه كلام الله أوحاه إلى رسوله ﷺ. ٢- لا يملك النفع ولا الضر على الحقيقة إلا الله ولذا وجب أن لا يطمع إلا فيه، ولا يرهب إلا منه. ٣- حرمة ظن السوء في الله عز وجل، ووجب حسن الظن به تعالى. ٤- الكفر موجب لعذاب النار، ومن تاب تاب الله عليه، ومن طلب المغفرة في صدق غفر له. ٥- ذم التخلف عن المسابقة في الخيرات والمنافسة في الصالحات.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب