شرح الكلمات:
ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل: أي من قبل غزوة الخندق وذلك يوم أحد قالوا: والله لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن ولا نولي الأدبار.
وكان عهد الله مسؤلا: أي صاحب العهد عن الوفاء به.
وإذاً لا تمتعون إلا قليلا: أي وإذا فررتم من القتال فإنكم لا تمتعون بالحياة إلا قليلا وتموتون.
من ذا الذي يعصمكم من الله: أي من يجيركم ويحفظكم من الله.
إن أراد بكم سوءاً: أي عذاباً تستاءُون له وتكربون.
قد يعلم الله المعوقين منكم: أي المثبطين عن القتال المفشلين إخوانهم عنه حتى لا يقاتلوا مع رسول الله والمؤمنين.
هلم إلينا: أي تعالوا إلينا ولا تخرجوا مع رسول الله ﷺ.
ولا يأتون البأس إلا قليلا: أي ولا يشهدون القتال إلا قليلا دفعاً عن أنفسهم تهمة النفاق.
أشحة عليكم: أي بخلاء لا ينفقون على مشاريعكم الخيرية كنفقة الجهاد وعلى الفقراء.
تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت: أي تدور أعينهم من شدة الخوف لجبنهم كالمحتضر الذي يغشى عليه أي يغمى عليه من آلام سكرات الموت.
سلقوكم بألسنة حداد: أي آذوكم بألسنة ذربة حادة كأنها الحديد وذلك بكثرة كلامهم وتبجحهم بالأقوال دون الأفعال.
أشحة على الخير: أي بخلاء بالخير لا يعطونه ولا يفعلونه بل ولا يقولونه حتى القول.
أولئك لم يؤمنوا: أي إنهم لم يؤمنوا الإيمان الصحيح فلذا هم جبناء عند اللقاء بخلاء عند العطاء.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في عرض أحداث غزوة الأحزاب فقوله تعالى: ﴿ولَقَدْ كانُواْ عاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ﴾ أي ولقد عاهد أولئك المنافقون الله من قبل غزوة الأحزاب وذلك يوم فروا من غزوة أُحد إذ كانت قبل غزوة الأحزاب بقرابة السَّنتين فقالوا والله لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن ولا نوليّ الأدبار، فذكرهم الله بعهدهم الذي قطعوه على أنفسهم ثم نكثوه، ﴿وكانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً﴾ أي يُسأل عنه صاحبه ويؤاخذ به. وقوله تعالى: ﴿قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرارُ إن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أوِ ٱلْقَتْلِ﴾ أي قل لهم يا رسولنا إنه لن ينفعكم الفرار أي الهروب من الموت أو القتل لأن الآجال محددة ومن لم يمت بالسيف مات بغيره فلا معنى للفرار من القتال إذا وجب وقوله ﴿وإذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إلاَّ قَلِيلاً﴾ أي وإذا فررتم من القتال فإنكم لا تمتعون بالحياة إلا قليلا من الزمن ثم تموتون عند نهاية أعماركم وهي فترة قليلة، فالفرار لا يطيل أعماركم والقتال لا ينقصها، وقوله تعالى ﴿قُلْ مَن ذا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إنْ أرادَ بِكُمْ سُوۤءاً أوْ أرادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ أي قل لهم يا رسولنا تبكيتا لهم، وتأنيبا وتعليما أيضا: من ذا الذي يعصمكم أي يجيركم ويحفظكم من الله ﴿إنْ أرادَ بِكُمْ سُوۤءاً﴾ أي ما يسوءكم من بلاء وقتل ونحوه ﴿أوْ أرادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ أي سلامة وخيراً فليس هناك من يحول دون وصول ذلك إليكم لأن الله تعالى يجير ولا يُجار عليه وقوله تعالى ﴿ولا يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ ولِيّاً ولا نَصِيراً﴾ أي ولا يجد المخالفون لأمر الله العصاة له ولرسوله من دون الله ولياً يتولاهم فيدفع عنهم ما أراد الله بهم من سوء، ولا نصيراً ينصرهم إذا أراد الله إذلالهم وخُذلانهم لسوء أفعالهم، وقوله تعالى في الآية [١٨] في هذا السياق ﴿قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ﴾ أخبرهم تعالى بأنه قد علم المعوقين أي المثبطين عن القتال والمخذلين بما يقولونه سراً في صفوف المؤمنين كالطابور الخامس في الحروب وهم أناس يذكرون في الخفاء عظمة العدو وقوته يرهبون منه ويخذلون عن قتاله.
وقوله ﴿وٱلْقَآئِلِينَ لإخْوانِهِمْ هَلُمَّ إلَيْنا﴾ أي تعالوا إلينا إلى المدينة واتركوا محمداً وأصحابه يموتون وحدهم فإنهم لا يزيدون عن أكلة جزور. وقوله ﴿ولا يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إلاَّ قَلِيلاً﴾ أي ولا يشهد القتال ويحضره أولئك المنافقون المثبطون والذين قالوا إن بيوتنا عورة إلا قليلا إذ يتخلفون في أكثر الغزوات وإن حضروا مرة قتالا فإنما هم يدفعون به معرة التخلف ودفعاً لتهمة النفاق التي لصقت بهم.
وقوله تعالى ﴿أشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ وصفهم بالبخل بعد وصفهم بالجبن وهما شر صفات المرء أي الجبن والبخل أشحة عليكم أي بخلاء لا ينفقون معكم لا على الجهاد ولا على الفقراء والمحتاجين وقوله تعالى ﴿فَإذا جَآءَ ٱلْخَوْفُ﴾ أي بسبب هجوم العدو ﴿رَأَيْتَهُمْ﴾ أيها الرسول ﴿يَنظُرُونَ إلَيْكَ﴾ لائذين بك ﴿تَدُورُ أعْيُنُهُمْ﴾ من الخوف ﴿كَٱلَّذِي يُغْشىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ﴾ وهو المحتضر يُغمى عليه لما يعاني من سكرات الموت وهذا تصوير هائل لمدى ما عليه المنافقون من الجبن والخوف وعلة هذا هو الكفر وعدم الإيمان بالقدر والبعث والجزاء.
وقوله ﴿فَإذا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ﴾ أي راحت أسبابه بانتهاء الحرب ﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ﴾ أي سلقكم أولئك الجبناء عند اللقاء أي ضربوكم بألسنة ذربة حادة كالحديد بالمطالبة بالغنيمة أو بالتبجح الكاذب بأنهم فعلوا وفعلوا. وهذا حالهم إلى اليوم.
وقوله ﴿أشِحَّةً عَلى ٱلْخَيْرِ﴾ أي بخلاء على مشاريع الخير وما ينفق في سبيل الله فلا ينفقون لأنهم لا يؤمنون بالخلف ولا بالثواب والأجر وذلك لكفرهم بالله ولقائه. ولذا قال تعالى ﴿أوْلَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ﴾ فسجل عليهم وصف الكفر ورتب عليه نتائجه فقال ﴿فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أعْمالَهُمْ﴾ أي أبطلها فلا يثابون عليها لأنها أعمال مشرك وأعمال المشرك باطلة، وقوله ﴿وكانَ ذَلِكَ عَلى ٱللَّهِ يَسِيراً﴾ أي إبطال أعمالهم وتخييبهم فيها وحرمانهم من جزائها يسير على الله ليس بالعسير. ولذا هو واقع كما أخبر تعالى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١) وجوب الوفاء بالعهد إذ نقض العهد من علامات النفاق.
٢) ترك الجهاد خوفاً من القتل عمل غير صالح إذ القتال لا ينقص العمر وتركه لا يزيد فيه.
٣) الشح والجبن من صفات المنافقين وهما شر الصفات في الإنسان.
٤) الثرثرة وكثرة الكلام والتبجح بالأقوال من صفات أهل الجبن والنفاق.
٥) الكفر محبط للأعمال.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["وَلَقَدۡ كَانُوا۟ عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ لَا یُوَلُّونَ ٱلۡأَدۡبَـٰرَۚ وَكَانَ عَهۡدُ ٱللَّهِ مَسۡـُٔولࣰا","قُل لَّن یَنفَعَكُمُ ٱلۡفِرَارُ إِن فَرَرۡتُم مِّنَ ٱلۡمَوۡتِ أَوِ ٱلۡقَتۡلِ وَإِذࣰا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا","قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِی یَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوۤءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةࣰۚ وَلَا یَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرࣰا","۞ قَدۡ یَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِینَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَاۤىِٕلِینَ لِإِخۡوَ ٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَیۡنَاۖ وَلَا یَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِیلًا","أَشِحَّةً عَلَیۡكُمۡۖ فَإِذَا جَاۤءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَیۡتَهُمۡ یَنظُرُونَ إِلَیۡكَ تَدُورُ أَعۡیُنُهُمۡ كَٱلَّذِی یُغۡشَىٰ عَلَیۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلۡخَیۡرِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَمۡ یُؤۡمِنُوا۟ فَأَحۡبَطَ ٱللَّهُ أَعۡمَـٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣰا"],"ayah":"قُل لَّن یَنفَعَكُمُ ٱلۡفِرَارُ إِن فَرَرۡتُم مِّنَ ٱلۡمَوۡتِ أَوِ ٱلۡقَتۡلِ وَإِذࣰا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}