الباحث القرآني

شرح الكلمات: في الفلك: أي في السفينة. مخلصين له الدين: أي دعوا الله وحده فلم يذكروا معه غيره من الآلهة. إذا هم يشركون: أي يفاجئونك بالشرك وهو دعاء غير الله تعالى. ليكفروا بما آتيناهم: أي بنعمة الإنجاء من الغرق وغيرها من النعم. فسوف يعلمون: أي سوف يعلمون عاقبة كفرهم إذا أُلقوا في جهنم. ويتخطف الناس من حولهم: أي يُسبون ويُقتلون في ديار جزيرتهم. أفبالباطل يؤمنون: أي يؤمنون بالأصنام وهي الباطل، ينكر تعالى عليهم ذلك. والذين جاهدوا فينا: أي بذلوا جهدهم في تصحيح عقائدهم وتزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم ثم بقتال أعداء الله من أهل الكفر المحاربين للإسلام والمسلمين. لنهدينهم سبلنا: أي لنوفقنَّهم إلى معرفة ما يوصل إلى محبتنا ورضانا ونعينهم على تحصيله. معنى السياق: ما زال السياق الكريم في التنديد بالمشركين وشركهم فقد تقدم في السياق أنهم يعترفون بربوبية الله تعالى إذ لو سئلوا عمن خلق السماوات والأرض وسخّر الشمس والقمر لقالوا الله ولو سُئلوا عمن نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها لقالوا الله. ومع هذا هم يشركون بالله آلهة أوثاناً، وكما يعترفون بربوبيَّة الله ثم يشركون به الأصنام، فإنهم إذا رَكِبوا في الفلك أي في سفينة من السفن وجاءهم موج واضطربت بهم وخافوا الغرق دعوا الله تعالى ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾ أي الدعاء فسألوه وحده دون آلهتهم أن ينجيهم من الغرق. ﴿فَلَمّا نَجّاهُمْ إلى ٱلْبَرِّ﴾ ونزلوا سالمين من الغرق إذا هم يشركون يفاجئونك بالشرك فهذا التناقض منهم كالتناقض في اعترافهم بربوبيَّة الله تعالى ثم بالإشراك به. ومردٌّ هذا إلى الجهل والتقليد والعناد والمجاحدة والمكابرة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى من هذا السياق وهي قوله ﴿فَإذا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إلى ٱلْبَرِّ إذا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾. وقوله تعالى في الآية [٦٦]: ﴿لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْناهُمْ﴾ أي عودتهم إلى الشرك بعد نجاتهم من الغرق ونزولهم في البر كان كأنه من أجل أن يكفروا بنعمة الله تعالى بإنجائهم من الغرق، إذ لو لم يكفروها لاستمروا على الاخلاص لله بدعائه وعبادته وحده دون الآلهة التي تركوها عند حلول الشدة ومعاينة البلاء. وقوله تعالى: ﴿ولِيَتَمَتَّعُواْ﴾ قرئ بسكون اللام ورجح ابن جرير هذه القراءة فيكون المعنى: وليتمتعوا في دنياهم بما آتاهم الله من متاع الحياة الدنيا ﴿فَسَوْفَ يَعلَمُونَ﴾ عاقبة ذلك بعد موتهم وهي عذاب الآخرة، والأمر حينئذ في قوله وليتمتعوا للتهديد والوعيد. أما على قراءة جر اللام ولِيتمتعوا فالجملة معطوفة على قوله ليكفروا اي أخلصوا في الشدة وأشركوا في الرخاء ليكفروا وليتمتعوا بما أُوتوا في الحياة، ولم يكن ذلك بنافعهم ولا بمغن عنهم من الله شيئاً فسوف يعلمون ما يحل بهم من عذاب وما ينزل بهم من بلاء وشقاء. وقوله تعالى في الآية الثالثة [٦٧] ﴿أوَلَمْ يَرَوْاْ أنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً ويُتَخَطَّفُ ٱلنّاسُ مِن حَوْلِهِمْ﴾ أي ألم ير أُولئك المشركون الكافرون بنعمة الله في الإنجاء من الغرق نعمة أخرى وهي أن جعل الله تعالى لهم حرما آمنا يسكنونه آمنين من غارات الأعداء وحروب الظالمين المعتدين، لا يعتدي عليهم في حرمهم ولا يظلمون في حين أنّ الناس من حولهم في أطراف جزيرتهم وأوساطها يتخطفون فتُشنُّ عليهم الغارات ويقتَّلون ويؤسرون في كل وقت وحين، أليست هذه نعمة من أعظم النعم تستوجب شكرهم لله تعالى بعبادته وترك عبادة ما سواه. ولذا قال تعالى عاتباً عليهم مندداً بسلوكهم: ﴿أفَبِٱلْباطِلِ يُؤْمِنُونَ﴾ أي بالشرك وعبادة الأصنام يصدقون ويعترفون ﴿وبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ أي يجحدون إنعام ربهم عليهم فلا يشكرونه بعبادته وتوحيده فيها. وقوله تعالى في الآية الرابعة [٦٨] ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرىٰ عَلى ٱللَّهِ كَذِباً أوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ لَمّا جَآءَهُ﴾ وصفهم بالظلم الفظيع في حالتين الأولى في كذبهم على الله بتحريم ما أحل وتحليل ما حرم واتخاذ شركاء الله زاعمين أنها تشفع لهم عند الله عز وجل والثانية في تكذيبهم للحق الذي جاءهم به رسول الله وهو الدين الإسلامي بعقائده وشرائعه حيث كذبوا بالقرآن والرسول ﷺ. وبعد هذا التسجيل لأكبر ظلم عليهم قال تعالى: ﴿ألَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكافِرِينَ﴾؟ والاستفهام للتقرير أي إن في جهنم مثوى أي مسكناً للكافرين من أمثالهم وهم كافرون ظالمون وذلك جزاؤهم ولبئس الجزاء جهنم. وقوله تعالى في الآية الخامسة [٦٩] ﴿وٱلَّذِينَ جاهَدُواْ فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وإنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾ في هذه الآية بشرى سارة ووعد صدق كريم، وذلك أن من جاهد في سبيل الله أي طلبا لمرضاة الله بالعمل على إعلاء كلمته بأن يعبد ولا يعبد معه سواه فقاتل المشركين يوم يؤذن له في قتالهم يهديه الله تعالى أي يوفقه إلى سبيل النجاة من المرهوب والفوز بالمحبوب، وكل من جاهد في ذات الله نفسه وهواه والشيطان وأولياءه فإن هذه البشرى تناله وهذا الوعد ينجز له وذلك أن الله مع المحسنين بعونه ونصره وتأييده على من جاهدهم في سبيل الله، والمراد من المحسنين الذين يحسنون نياتهم وأعمالهم وأقوالهم فتكون صالحة مثمرة لزكاة نفوسهم وطهارة أرواحهم. اللهم اجعلنا منهم وآتنا ما وعدتهم إنك جواد كريم. هداية الآيات: من هداية الآيات: ١) بيان أن مشركي العرب لم يكونوا ملاحدة لا يؤمنون بالله تعالى وتقرير أنهم كانوا موحدين توحيد الربوبية مشركين في توحيد الألوهية أي العبادة. ٢) إيقاظ ضمائر المشركين بتنبيههم بنعم الله تعالى عليهم لعلهم يشكرون. ٣) لا ظلم أعظم من ظلم من افترى على الله الكذب، وكذَّب بالحق لما جاءه وانتهى إليه وعرفه فانصرف عنه مؤثراً دنياه متبعا لهواه. ٤) بشرى الله لمن جاهد المشركين وجاهد نفسه والهوى والشياطين بالهداية إلى سبيل الفوز والنجاة في الحياة الدنيا والآخرة. ٥) فضل الإحسان وهو إخلاص العبادة لله تعالى وأداؤها متقنة مُجوَّدة كما شرعها الله تعالى، وبيان هذا الفضل للإحسان بكون الله تعالى مع المحسنين بنصرهم وتأييدهم والإنعام عليهم وإكرامهم في جواره الكريم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب