الباحث القرآني

شرح الكلمات: من رسول ولا نبي: الرسول ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بابلاغه والنبي مقرر لشرع من قبله. تمنى في أمنيته: أي قرأ في أمنيته، أي في قراءته. ثم يُحكم الله آياته: أي بعد إزالة ما ألقاه الشيطان في القراءة بحُكم الله آياته أي يثبتها. فتنة للذين في قلوبهم مرض: أي اختباراً للذين في قلوبهم مرض الشرك والشك. والقاسية قلوبهم: هم المشركون. فتخبت له قلوبهم: أي تتطامن وتخشع له قلوبهم. في مرية منه: أي في شك منه وريب من القرآن. عذاب يوم عقيم: هو عذاب يوم بدر إذ كان يوماً عقيماً لا خير فيه. في جنات النعيم: أي جنات ذات نعيم لا يبلغ الوصف مداه. فلهم عذاب مهين: أي يهان فيه صاحبه فهو عذاب جثماني نفساني. معنى الآيات: بعد التسلية الأولى للنبي ﷺ التي تضمنها قوله تعالى: ﴿وإن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ..﴾ [الحج: ٤٢] الخ ذكر تعالى تسلية ثانية وهي أنه ﷺ كان يقرأ حول الكعبة في صلاته سورة النجم والمشركون حول الكعبة يسمعون فلما بلغ قوله تعالى: ﴿أفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وٱلْعُزّىٰ، ومَناةَ ٱلثّالِثَةَ ٱلأُخْرىٰ﴾ [النجم: ١٩-٢٠] ألقى الشيطان في مسامع المشركين الكلمات التالية: «تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى» ففرح المشركون بما سمعوا ظناً منهم أن النبي ﷺ قرأها وأن الله أنزلها فلما سجد في آخر السورة سجدوا معه إلا رجلاً كبيراً لم يقدر على السجود فأخذ حثية من تراب وسجد عليها وشاع أن محمداً قد اصطلح مع قومه حتى رجع المهاجرون من الحبشة فكرب لذلك رسول الله وحزن فأنزل الله تعالى هذه الآية تسلية له فقال: ﴿ومَآ أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ﴾ ذي رسالة يبلغها ولا نبيّ مقرر لرسالة نبي قلبه ﴿إلاَّ إذا تَمَنّىٰ﴾ أي قرأ ﴿ألْقى ٱلشَّيْطانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ﴾ أي في قراءته ﴿فَيَنسَخُ ٱللَّهُ﴾ أي يزيل ويبطل ﴿ما يُلْقِي ٱلشَّيْطانُ﴾ من كلمات في قلوب الكافرين أوليائه ﴿ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آياتِهِ﴾ بعد إزالة ما قاله الشيطان فيثبتها فلا تقبل زيادة ولا نقصانا، والله عليم بخلقه وأحوالهم وأعمالهم لا يخفى عليه شيء من ذلك حكيم في تدبيره وشرعه هذه سنته تعالى في رسله وأنبيائه، فلا تأس يا رسول الله ولا تحزن ثم بين تعالى الحكمة في هذه السنة فقال: ﴿لِّيَجْعَلَ ما يُلْقِي ٱلشَّيْطانُ﴾ أي من كلمات في قراءة النبي أو الرسول ﴿فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ الشك والنفاق ﴿وٱلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ وهم المشركون ومعنى فتنة هنا محنة يزدادون بها ضلالاً على ضلالهم وبُعداً عن الحق فوق بعدهم إذ ما يلقى الشيطان في قلوب أوليائه إلا للفتنة أي زيادة في الكفر والضلال. وقوله تعالى: ﴿وإنَّ ٱلظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ﴾ هو إخبار منه تعالى عن حال المشركين بأنهم في خلاف لله ورسوله، بعيدون فيما يعتقدونه وما يعملونه وما يقولونه، وما يتصورونه مخالف تمام المخالفة لما يأمر تعالى به ويدعوهم إليه من الاعتقاد والقول والعمل والتصور والإدراك. وقوله تعالى: ﴿ولِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ هذا جزء العلة التي تضمنتها سنة الله في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي فالجزء الأول تضمنه قوله تعالى: ﴿لِّيَجْعَلَ ما يُلْقِي ٱلشَّيْطانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وٱلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ وهذا هو الجزء الثاني أي ﴿ولِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ﴾ بالله وآياته وتدبيره ﴿أنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ أي ذلك الإلقاء والنسخ وإحكام الآيات بعده ﴿فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ أي تطمئن وتسكن عنده وتخشع فيزدادون هدى. وقوله تعالى: ﴿وإنَّ ٱللَّهَ لَهادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إلىٰ صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ هذا إخبار منه تعالى عن فعله مع أوليائه المؤمنين به المتقين له وأنه هاديهم في حياتهم وفي كل أحوالهم إلى صراط مستقيم يفضي بهم إلى رضاه وجنته، وذلك بحمايتهم من الشيطان وتوفيقهم وإعانتهم على طاعة الرحمن سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: ﴿ولا يَزالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾ أي من القرآن هل هو كلام الله هل هو حق هل اتباعه نافع وتستمر هذه المرية والشك بأولئك القساة القلوب أصحاب الشقاق البعيد ﴿حَتّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسّاعَةُ بَغْتَةً﴾ أي فجأة وهي القيامة ﴿أوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ أي لا خير فيه لهم وهو يوم بدر وقد تم لهم ذلك وعندها زالت ريبتهم وعلموا أنه الحق حيث لا ينفع العلم. وقوله تعالى: ﴿ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ﴾ أي يوم تأتي الساعة يتمحض الملك لله وحده فلا يملك معه أحد فهو الحاكم العدل الحق يحكم بين عباده بما ذكر في الآية وهو أن الذين آمنوا به وبرسوله وبما جاء به وعملوا الصالحات من فرائض ونوافل بعد تخليهم عن الشرك والمعاصي يدخلهم جنات النعيم، والذين كفروا به وبرسوله وبما جاء به، وكذبوا بآيات الله المتضمنة شرائعه وبيان طاعاته فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعملوا العكس وهو السيئات فأولئك البعداء في الحطة والخسة لهم عذاب مهين يكسر أنوفهم ذلة لهم ومهانة لأنفسهم. هداية الآيات: من هداية الآيات: ١- بيان سنة الله في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي للفتنة. ٢- بيان أن الفتنة يهلك فيها مرضى القلوب وقساتها، ويخرج منها المؤمنون أكثر يقيناً وأعظم هدىً. ٣- بيان حكم الله تعالى بين عباده يوم القيامة بإكرام أهل الإيمان والتقوى وإهانة أهل الشرك والمعاصي. ٤- ظهور مصداق ما أخبر به تعالى عن مجرمي قريش فقد استمروا على ريبهم حتى هلكوا في بدر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب