الباحث القرآني

شرح الكلمات: إلا بالتي هي أحسن: أي ألا بالخصلة التي هي أحسن من غيرها وهي تنميته والإنفاق عليه منه بالمعروف. حتى يبلغ أشده: أي بلوغه سن التكليف وهو عاقل رشيد. وأوفوا بالعهد: أي إذا عاهدتم الله أو العباد فأوفوا بما عاهدتم عليه. إن العهد كان مسئولا: أي عنه وذلك بأن يُسأل العبدُ يوم القيامة لم نكثت عهدك؟ أوفوا الكيل: أي اتموه ولا تنقصوه. بالقسطاس المستقيم: أي الميزان السوي المعتدل. وأحسن تاويلاً: أي مآلاً وعاقبة. ولا تقف: أي ولا تتبع. والفؤاد: أي القلب. كان عنه مسئولاً: أي عن كل واحد من هذه الحواس الثلاث يوم القيامة. مرحاً: أي ذا مرح بالكبر والخيلاء. لن تخرق الأرض: أي لن تثقبها أو تشقها بقدميك. من الحكمة: أي التي هي معرفة المحاب لله تعالى للتقرب بها إليها ومعرفة المساخط لتتجنبها تقرباً إليه تعالى بذلك. ملوماً مدحوراً: أي تلوم نفسك على شركك بربك مبعداً من رحمة الله تعالى. معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في بيان ما قضى به الله تعالى على عباده المؤمنين ووصاهم به فقال تعالى: ﴿ولا تَقْرَبُواْ﴾ أي أيها المؤمنون ﴿مالَ ٱلْيَتِيمِ إلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أحْسَنُ﴾ اي بالفعلة التي هي أجمل وذلك بأن تتصرفوا فيه بالتثمير له والإصلاح فيه، والإنفاق منه على اليتيم بالمعروف أما أن تقربوه لتأكلوه إسرافاً وبداراً فلالا. وقوله: حتى يبلغ أشده أي حتى يبلغ سن الرشد فتحاسبوه وتعطوه ماله يتصرف فيه حسب المشروع من التصرفات المالية. وقوله تعالى: ﴿وأَوْفُواْ بِالعَهْدِ﴾ أي ومما أوصاكم به أن توفوا بعهودكم التي بينكم وبين ربكم وبينكم وبين سائر الناس مؤمنهم وكافرهم فلا يحل لكم أن لا توفوا بالعهد وأنتم قادرون على الوفاء بحال من الأحوال. وقوله ﴿إنَّ ٱلْعَهْدَ كانَ مَسْؤُولاً﴾ تأكيد للنهي عن نكث العهد إذ أخبر تعالى أن العبد سيسأل عن عهده الذي لم يف به يوم القيامة، ومثل العهد سائر العقود من نكاح وبيع وإيجار وما إلى ذلك لقوله تعالى: ﴿يٰأيُّها ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] أي العهود، وقوله: ﴿وأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إذا كِلْتُمْ وزِنُواْ بِٱلقِسْطاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ﴾ هذا مما أمر الله تعالى وهو إيفاء الكيل والوزن أي توفيتهما وعدم بخسهما ونقصهما شيئاً ولو يسيراً ما دام في الإمكان عدم نقصه، أما ما يعسر التحرز منه فهو من العفو لقوله تعالى: ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَها﴾ [الأنعام: ١٥٢، الأعراف: ٤٢]. وقوله ﴿ذٰلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ أي ذلك الوفاء والتوفية في الكيل والوزن خير لبراءة الذمة وطيب النفس به وأحسن تاويلا أي عاقبة إذ يبارك الله تعالى في ذلك المال بأنواع من البركات لا يعلمها الا هو عز وجل. ومن ذلك أجر الآخرة وهو خير فإن من ترك المعصية وهو قادر عليها أثابه الله تعالى على ذلك بأحسن ثواب، وقوله تعالى: ﴿ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي لا تتبع بقول ولا عمل ما لا تعلم، ولا تقل رأيت كذا وأنت لم تر، ولا سمعت كذا وأنت لم تسمع. وقوله تعالى: ﴿إنَّ ٱلسَّمْعَ وٱلْبَصَرَ وٱلْفُؤادَ﴾ أي القلب ﴿كُلُّ أُولٰئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ أي لا تقف ما ليس لك به علم، لأن الله تعالى سائل هذه الأعضاء يوم القيامة عما قال صاحبها أو عمل فتشهد عليه بما قال أو عمل مما لا يحل له القول فيه أو العمل. ومعنى أولئك أي تلك المذكورات من السمع والبصر والفؤاد، وقوله تعالى: ﴿ولا تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً﴾ أي خيلاء وتكبراً أي مما حرم تعالى وأوصى بعدم فعله المشي في الأرض مرحاً أي تكبراً واختيالاً، لأن الكبر حرام وصاحبه لا يدخل الجنة، وقوله ﴿إنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ﴾ أي برجليك أيها المتكبر لأن المتكبر يضرب الأرض برجليه اعتزازاً واهتزازاً، ولن تبلغ الجبال طولاً مهما تعاليت وتطاولت فإنك كغيرك من الناس لا تخرق الأرض أي تثقبها أو تقطعها برجليك ولا تبلغ علو الجبال فلذا أترك مشية الخيلاء والتكبر، لأن ذلك معيب ومنقصة ولا يأتيه إلا ذو حماقة وسفه. وقوله تعالى: ﴿كُلُّ ذٰلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً﴾ أي كل ذلك المأمور به والمنهي عنه من قوله تعالى: ﴿وقَضىٰ رَبُّكَ﴾ [الإسراء: ٢٣] إلى قوله ﴿كُلُّ ذٰلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً﴾ سيئة كالتبذير والبخل وقتل الأولاد والزنا وقتل النفس وأكل مال اليتيم، وبخس الكيل والوزن، والقول بلا علم كالقذف وشهادة الزور، والتكبر كل هذا الشيء مكروه عند الله تعالى إذاً فلا تفعله يا عبدالله وما كان من حسن فيه كعبادة الله تعالى وحده وبر الوالدين والإحسان إلى ذوي القربى والمساكين وابن سبيل والعدة الحسنة فكل هذا الحسن هو عند الله حسن فأته يا عبدالله ولا تتركه ومن قرأ كنافع كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها فإنه يريد ما اشتملت عليه الآيات من التبذير والبخل وقتل النفس إلى آخر المنهيات. وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ مِمَّآ أوْحىٰ إلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ﴾ أي ذلك الذي بيَّنّا لك يا رسولنا من الأخلاق الفاضلة والخلال الحميدة التي أمرناك بالأخذ بها والدعوة إلى التمسك بها، ومن الخلال القبيحة والخصال الذميمة التي نهيناك عن فعلها وحرمنا عليك إتيانها مما أوحينا إليك في كتابنا هذا من أنواع الحكم وضروب العلم والمعرفة، فلله الحمد وله المنة. وقوله: ﴿ولا تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إلَٰهاً آخَرَ فَتُلْقىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً﴾ هذه أم الحكم بدأ بها السياق وختمه بها تقريراً وتأكيداً إذ تقدم قوله تعالى: ﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إلَٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً﴾ [الإسراء: ٢٢]. والخطاب وإن كان لرسول الله ﷺ فإن كل أحد معني به فأي إنسان يشرك بربه أحداً من خلقه في عبادته فقد جعله إلهاً مع الله، ولا بد أن يلقى في جهنم ملوماً من نفسه مدحوراً مبعداً من رحمة به التي هي الجنة. وهذا إذا مات قبل أن يتوب فيوحد ربه في عباداته. إذ التوبة إذا صحت جَبَّت ما قبلها. هداية الآيات من هداية الآيات: ١- حرمة مال اليتيم أكلاً أو إفساداً أو تضييعاً وإهمالاً. ٢- وجوب الوفاء بالعهود وسائر العقود. ٣- وجوب توفية الكيل والوزن وحرمة بخس الكيل والوزن. ٤- حصول البركة لمن يمتثل أمر الله في كيله ووزنه. ٥- حرمة القول أو العمل بدون علم لما يُفْضِي إليه ذلك من المفاسد ولأن الله تعالى سائل كل الجوارح ومستشهدها على صاحبها يوم القيامة. ٦- حرمة الكبر ومقت المتكبرين. ٧- إنتظام هذا السياق لخمس وعشرين حكمة الأخذ بها خير من الدنيا وما فيها، والتفريط فيها هو سبب خسران الدنيا والآخرة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب