الباحث القرآني

شرح الكلمات: من قبلهم: أي من قبل كفار قريش بمكة كالنمرود وغيره. فأتى الله بنيانهم: أي قصد إليه ليدمره فسلط عليه الريح والزلزلة فسقط من أسسه. وخر عليهم السقف: أي سقط لتداعي القواعد وسقوطها. كنتم تشاقون فيهم: أي تخالفون المؤمنين فيهم بعبادتكم إياهم وجدالكم عنه، وتشاقون الله بمخالفتكم إياه بترك عبادته إياها. وقال الذين أوتوا العلم: أي الأنبياء والمؤمنون. ظالمي أنفسهم: بالشرك والمعاصي. فألقوا السلم: أي استسلموا وانقادوا. فلبئس مثوى المتكبرين: مثوى المتكبرين: أي قبح منزل المتكبرين في جهنم مثلاً. وقيل للذين اتقوا: أي اتقوا الشرك والمعاصي. للذين أحسنوا: أي أعمالهم وأقوالهم ونياتهم فأتوْا بها وفق مراد الله تعالى. حسنة: أي الحياة الطيبة حياة العز والكرامة. ولنعم دار المتقين: أي الجنة دار السلام. طيبين: أي الأرواح بما زكوها به من الإيمان والعمل الصالح. وبما أبعدوها عنه من الشرك والمعاصي. يقولون سلام عليكم: أي يقول لهم ملك الموت «عزرائيل» وأعوانه. هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة: أي لقبض أرواحهم وعند ذلك يؤمنون. أو يأتي أمر ربك: أي بالعذاب أو بقيام الساعة وحشرهم إلى الله عز وجل. وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون: أي نزل بهم العذاب وأحاط بهم وقد كانوا به يستهزئون. معنى الآيات: ما زال السياق الكريم مع كفار قريش في تذكيرهم وتبصرهم بما هم فيه من الجهالة والضلالة. فيقول تعالى: ﴿قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي من قبل مكر كفار قريش وذلك كالنمرود وفرعون وغيرهم من الجبابرة الذين تطاولوا على الله عز وجل ومكروا برسلهم، فالنمرود ألقى بإبراهيم في النار، وفرعون قال ذروني اقتل موسى وليدع ربه.. وقوله: ﴿فَأَتى ٱللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَواعِدِ﴾ أي أتاه أمر الله بهدمه وإسقاطه على الظلمة الطغاة ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وأَتاهُمُ ٱلْعَذابُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾. وذهب باطلهم وزال مكرهم. ألم يتعظ بهذا كفرة قريش وهم يمكرون بنبيهم ويبيِّتون له السوء بالقتل أو النفي أو الحبس؟ وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾ أي يهينهم ويذلهم ويوبخهم بقوله: ﴿أيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشاقُّونَ فِيهِمْ﴾ أي أصنامكم وأوثانكم الذين كنتم تخالفوني بعبادتكم إياهم دوني كما تشاقون أوليائي المؤمنين أي تخالفونهم بذلك وتحاربونهم فيه. وهنا يقول الأشهاد والذين أوتوا العلم من الأنبياء والعلماء الربانيين: ﴿إنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وٱلْسُّوۤءَ عَلى ٱلْكافِرِينَ﴾ أي إن الذل والهون والدون على الكافرين. وقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ﴾ بالشرك والمعاصي ومن جملة المعاصي ترك الهجرة والبقاء بين ظهراني الكافرين والفساق المجرمين حيث لا يتمكن المؤمن من عبادة الله تعالى بترك المعاصي والقيام بالعبادات. وقوله ﴿فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ﴾ أي عند معاينتهم ملك الموت وأعوانه أي استسلموا وانقادوا وحاولوا الإعتذار بالكذب وقالوا ﴿ما كُنّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ﴾ فترد عليهم الملائكة قائلين: ﴿بَلىٰ﴾ أي كنتم تعملون السوء ﴿إنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ويقال لهم أيضاً ﴿فَٱدْخُلُوۤاْ أبْوابَ جَهَنَّمَ﴾ أي أبواب طبقاتها ﴿خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ﴾ جهنم ﴿مَثْوى﴾ أي مقاماً ومنزلاً ﴿ٱلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ عن عبادة الله وحده. وقوله تعالى: ﴿وقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ﴾ أي ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه في أمره ولا نهيه وأطاعوا رسوله كذلك: ﴿ماذا أنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ أي إذا سألهم من أتى مكة يتعرف على ما بلغه من دعوة الإسلام فيقولون له: ﴿خَيْراً﴾ أي أنزل خيراً لأن القرآن خير وبالخير نزل بخلاف تلاميذ المشركين يقولون أساطير الأولين كما تقدم في هذا السياق. كما ذكر تعالى جزاء الكافرين وما يلقونه من العذاب في نار جهنم وهم الذين أساءوا في هذه الحياة الدنيا إلى أنفسهم بشركهم بالله ومكرهم وظلمهم للمؤمنين، ذكر جزاء المحسنين. فقال: ﴿لِّلَّذِينَ أحْسَنُواْ﴾ أي آمنوا وعملوا الصالحات متبعين شرع الله في ذلك فأخلصوا عبادتهم لله تعالى ودعوا الناس إلى عبادة الله وحثوهم على ذلك فكانوا بذلك محسنين لأنفسهم ولغيرهم لهؤلاء الذين أحسنوا في الدنيا ﴿حَسَنَةٌ﴾ وهي الحياة الطيبة حياة الطهر والعزة والكرامة، ولدار الآخرة خيرٌ لهم من دار الدنيا مع ما فيها من حسنة وقوله تعالى: ﴿ولَنِعْمَ دارُ ٱلْمُتَّقِينَ﴾ ثناء ومدح لتلك الدار الآخرة لما فيها من النعيم المقيم وإضافتها إلى المتقين باعتبار أنهم أهلها الجديرون بها إذ هي خاصة بهم ورثوها بإيمانهم وصالح أعمالهم بتركهم الشرك والمعاصي. وقوله تعالى: ﴿جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِن تَحْتِها ٱلأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشَآؤونَ﴾ هو وصف وبيان لدار المتقين فأخبر أنها جنات جمع جنة وهي البستان المشتمل على الأشجار والأنهار والقصور وما لذ وطاب من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح والمراكب وقوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِيها ما يَشَآؤونَ﴾ هذا نهاية لإكرام والإنعام إذ كون العبد يجد كل ما يشتهي ويطلب هو نعيم لا مزيد عليه وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ﴾ أي كهذا الجزاء الحسن العظيم يجزي الله المتقين في الدنيا والآخرة. وقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ أي طاهري الأرواح لأرواحهم ريح طيبة ثمرة إيمانهم وصالح أعمالهم ونتيجة بعدهم عما يدنس أنفسهم من أوضار الشرك وعفن المعاصي وقوله: ﴿يَقُولُونَ﴾ أي تقول لهم المكلائكة وهم ملك الموت وأعوانه ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمُ﴾ تحييهم وفي ذلك بشارة لهم برضا ربهم وجواره الكريم. ﴿ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ﴾ بأرواحهم اليوم وبأجسامهم غداً يوم القيامة. وقوله ﴿بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي بسبب ما كنتم تعملونه من الطاعات والمسابقة في الخيرات بعد عمل قلوبكم بالايمان واليقين والحب في الله والبغض فيه عز وجل والرغبة والتوكل عليه. هذا ما تضمنته الآيات [٣١، ٣٢] وأما الآيات بعد ذلك فيقول الله مستبطئاً إيمان قريش وتوبتهم بعد تلك الحجج والبراهين والدلائل والبينات على صدق نبوة محمد ﷺ وعلى وجوب التوحيد وبطلان الشرك وعلى الإيمان باليوم الآخر. ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ﴾ أي ما ينظرون بعد هذا إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ﴿أوْ يَأْتِيَ أمْرُ رَبِّكَ﴾ بإبادتهم واستئصالهم، إذ لم يبق ما ينتظرونه إلا أحد هذين الأمرين وكلاهما مر وشر لهم. وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من كفار الأمم السابقة فحلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه فأهلكهم. ﴿وما ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ﴾ تعالى في ذلك أبداً ﴿ولٰكِن كانُواْ أنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بإصرارهم على الشرك والعناد والمجاحدة والمكابرة ﴿فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ﴾ أي جزاء سيئات ﴿ما عَمِلُواْ﴾ من الكفر والظلم ﴿وحاقَ بِهِم﴾ أي نزل بهم وأحاط بهم ﴿مّا كانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ إذ كانت رسلهم إذا خوفتهم من عذاب الله سخروا منهم واستهزأوا بالعذاب واستخفوا به حتى نزل بهم والعياذ بالله تعالى. من هداية الآيات: ١- سوء عاقبة المكر وأنه يحيق بأهله لا محالة والمراد به المكر السيء. ٢- بيان خزي الله تعالى يوم القيامة لأهل الشرك به والمعاصي له ولرسوله. ٣- فضل أهل العلم إذ يتخذ منهم شهداء يوم القيامة ويشمتون بأهل النار. ٤- بيان استسلام الظلمة عند الموت وانهزامهم وكذبهم. ٥- تقرير معتقد البعث والحياة الآخرة بأروع أسلوب وأحكمه وأمتنه. ٦- إطلاق لفظ خير على القرآن وهو حق خير فالذي أوتي القرآن أوتي الخير كله، فلا ينبغي أن يرى أحداً من أهل الدنيا خيراً منه وإلا سخط نعمة الله تعالى عليه. ٧- سعادة الدارين لأهل الإحسان وهم أهل الإيمان والإسلام والإحسان في إيمانهم بالإخلاص وفي إسلامهم بموافقة الشرع ومراقبة الله تعالى في ذلك. ٨- بشرى أهل الإيمان والتقوى عند الموت، وعند القيام من القبور بالنعيم المقيم في جوار رب العالمين. ٩- إعمال القلوب والجوارح سبب في دخول الجنة وليست ثمناً لها لغلائها، وإنما الأعمال تزكي النفس وتطهر الروح وبذلك يتأهل العبد لدخول الجنة. ١٠- ما ينتظر المجرمون بإصرارهم على الظلم والشر والفساد إلا العذاب، عاجلاً أو آجلاً فهو نازل بهم حتماً مقضياً إن لم يبادروا إلى التوبة الصادقة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب