الباحث القرآني

وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ الآية. روى القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي قال: جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله ﷺ‎ فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال رسول الله ﷺ‎: «ويحك يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه» ثم أتاه بعد ذلك. فقال: يا رسول الله أدع الله أن يرزقني مالا، فقال رسول الله ﷺ‎: ولَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، والذي نفسي بيده لو أردت أن تصير الجبال معي ذهبا وفضة لصارت» ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطينّ كلّ ذي حق حقه، فقال رسول الله ﷺ‎: «اللهم ارزق ثعلبة مالا» [32] . قال: فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل واديا من أوديتها وهي تنمو كما تنمو الدود، وكان يصلّي مع النبي ﷺ‎ الظهر، ويصلّي في غنمه ساير الصلوات، ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد إلا الجمعة، ثم كثرت ونمت فتباعد حتى كان لا يشهد جمعة ولا جماعة، فكان إذا كان يوم الجمعة يمر على الناس يسألهم عن الأخبار، فذكره رسول الله ﷺ‎ وسأل ذات يوم فقال: ما فعل ثعلبة؟ قالوا يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنما ما يسعها واد. فقال رسول الله ﷺ‎: «يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة» وأنزل الله تعالى آية الصدقة فبعث رسول الله ﷺ‎ رجلا من بني سليم ورجل من جهينة وكتب لهما إتيان الصدقة وكيف يأخذان وقال لهما رسول الله ﷺ‎: «مرّا بثعلبة بن حاطب ورجل من بني سليم فخذا صدقاتهما» . فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وقرءا له كتاب رسول الله ﷺ‎، فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ، فانطلقا وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان ابله، فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلمّا زادها قالا: ما هذا عليك، قال: خذاه فإن نفسي بذلك طيبة، فمرّا على الناس وأخذا الصدقات، ثم رجعا إلى ثعلبة فقال: أروني كتابكما فقرأه ثم قال: ما هذه إلا جزية، ما هذه الا أخت الجزية، اذهبا حتى أرى رأيي، قال: فأقبلا فلمّا رآهما رسول الله ﷺ‎ قبل أن يتكلّما قال: «يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة» ثم دعا للسلمي بخير فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، فأنزل الله فيه وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ إلى قوله وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ وعند رسول الله ﷺ‎ رجل من أقارب ثعلبة فسمع قوله فخرج حتى أتاه فقال: ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله عز وجل فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي ﷺ‎ فسأله أن يقبل منه الصدقة. فقال: «إن الله تعالى منعني أن أقبل منك صدقتك» فجعل يحثي على رأسه التراب، فقال له رسول الله ﷺ‎: «هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني» [33] فلما نهى أن يقبض رسول الله ﷺ‎ رجع إلى منزله وقبض رسول الله ﷺ‎ ولم يقبض ولم يقبل منه شيئا ثم أتى أبا بكر (رضي الله عنه) حين استخلف فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله ﷺ‎ وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي، فقال أبو بكر: لم يقبلها منك رسول الله ﷺ‎ وأنا أقبلها؟ فلم يقبل، وقبض أبو بكر فلم يقبلها، فلمّا ولي عمر (رضي الله عنه) أتاه فقال: يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها منك رسول الله ﷺ‎ ولا أبو بكر، أنا لا أقبلها، فقبض عمر ولم يقبلها، ثم ولي عثمان فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال: لم يقبلها منك رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر، أنا لا أقبلها منك، فلم يقبلها منه وهلك في خلافة عثمان [[بطوله في تفسير الطبري: 10/ 242، واسد الغابة: 1/ 238.]] . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة: أتى ثعلبة مجلسا من الأنصار فأشهدهم فقال: لئن آتاني الله من فضله أتيت منه كل ذي حق حقه، وتصدّقت منه، ووصلت القرابة، فمات ابن عم له فورثه مالا فلم يوف بما قال، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية. وقال مقاتل: مرّ ثعلبة على الأنصار وهو محتاج، فقال: لئن آتاني الله من فضله لأصّدقن ولأكوننّ من الصالحين فآتاه الله من فضله وذلك أن مولى لعمر بن الخطاب قتل رجلا من المنافقين خطأ فدفع النبي ﷺ‎ ديته إلى ثعلبة، وكان قرابة المقتول فبخل ومنع حق الله فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية. وقال الحسن ومجاهد: نزلت هذه الآية في ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وهما رجلان من بني عمرو بن عوف خرجا على ملأ قعود فقالا: والله لئن رزقنا الله لنصّدقنّ، فلمّا رزقهما الله تعالى بخلا. وقال الضحاك: نزلت في رجال من المنافقين [نبتل] بن الحرث وجدّ بن قيس وثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير قالوا: لَئِنْ آتانا الله مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ، ... فَلَمَّا آتاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ وبسط لهم الدنيا بَخِلُوا بِهِ ومنعوا الزكاة. وقال الكلبي: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، كان له مال بالشام فجهد لذلك جهدا شديدا فحلف بالله: لئن آتانا الله من فضله من رزقه يعني المال الذي بالشام لأصدّقن منه ولأصلنّ ولآتين حق الله منه، فآتاه الله ذلك المال فلم يفعل ما قال، فأنزل الله عزّ وجلّ وَمِنْهُمْ يعني من المنافقين مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا الله مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ولنوفّينّ حق الله منه وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ أي نعمل ما يعمل أهل الصلاح بأموالهم من صلة الرحم والنفقة في الخير فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ فأتبعهم، وقيل فجازاهم ببخلهم. قال النابغة: فمن أطاعك فانفعه بطاعته ... كما أطاعك وادلله على الرشد [[تاريخ دمشق: 35/ 426.]] نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ حرمهم الله التوبة بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ قال معبد بن ثابت: إنما هو [شيء] ظاهر في أنفسهم ولم يتكلموا به، ألم تسمع قول الله عزّ وجلّ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ؟ عن مسروق عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ‎: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خصم فجر» [34] [[صحيح البخاري: 1/ 14.]] . الأشعث عن الحسن قال: قال رسول الله ﷺ‎: «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صلّى وصام وزعم أنه مؤمن. إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، إذا أؤتمن خان» [35] . وقال عبد الله بن مسعود اعتبروا المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، أنزل الله تصديق ذلك في كتابه وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ إلى قوله كانُوا يَكْذِبُونَ، وهذا خبر صعب الظاهر. فمن لم يعلم تأويله عظم خطؤه وتفسيره. أخبرني شيخي الحسن بن محمد بن الحسن بن جعفر، قال: أخبرني أبي عن جدي الحسين بن جعفر، قال: حدّثنا محمد بن يزيد السلمي، قال: حدّثنا عمار بن قيراط عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال: كنت على قضاء سمرقند فقرأت يوما حديث المقبري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ‎: «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق: إذا حدّث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف» [36] . فتوزع فيه فكري وانقسم قلبي وخفت على نفسي وعلى جميع الناس وقلت من ينجو من هذه الخصال؟ [فأخللت] بالقضاء وأتيت بخارى وسألت علماءها فلم أجد فرجا، فأتيت مرو فلم أجد فرجا، فأتيت نيشابور فلم أجد عند علمائها فرجا، فبلغني أن شهر بن حوشب بجرجان فأتيته وعرضت عليه قصتي وسألت عن الخبر، فقال لي: لم [أكن] أنا [حين] سمعت هذا الخبر كالحبة على المقلاة [[مثل، والمقلاة وعاء من نحاس أو غيره يقلى فيه الطعام.]] خوفا فأدرك سعيد بن جبير فأنه متولد بالريّ فاطلبه وسله لعلك تجد لي ولك، وسمعت أن عنده فرجا، فأتيت الري وطلبت سعيدا فأتيته وعرضت عليه القصة وسألته عن معنى الخبر. فقال: أنا كذلك خائف على نفسي منذ بلغني هذا الخبر، وأنا خائف عليك وعلى نفسي من هذه الخصال: ولقد قاسيت وعانيت سفرا طويلا وبلايا فعليك بالحسن البصري فإني أرجو أنك تجد عنده لي ولك وللمسلمين فرجا، فأتيت البصرة وطلبت الحسن وقصصت عليه القصة بطولها، فقال رحم الله شهرا قد بلغها النصف من الخبر ولم يبلغهما النصف، أن رسول الله ﷺ‎ لما قال هذا الخبر شغل قلوب أصحابه [وهابوا] أن يسألوه، فأتوا فاطمة وذكروا لها شغل قلوبهم بالخبر، فأتت فاطمة رضي الله عنها رسول الله ﷺ‎ فأخبرته شغل قلوب أصحابه، فأمر سلمان فنادى الصلاة جامعة، فلمّا اجتمعوا صعد المنبر فقال: «يا أيها الناس أما إنّي كنت قلت: ثلاث من كنّ فيه فهو منافق: إذا حدّث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف، ما عنيتكم بها، إنّما عنيت بها المنافقين، إنما قولي: إذا حدّث كذب فإن المنافقين أتوني وقالوا لي: والله إن إيماننا كإيمانك وتصديق قلوبنا كتصديق قلبك، فأنزل الله عزّ وجلّ: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ الآية، وأما قولي: إذا أؤتمن خان: فإن الأمانة الصلاة والدين كلّه أمانة، قال الله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا وفيهم قال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ وأما قولي: إذا وعد أخلف، فإنّ ثعلبة بن حاطب أتاني فقال: إني فقير ولي غنيمات فادع الله أن يبارك فيهن، فدعوت الله فنمت وزادت حتى ضاقت الفجاج بها، فسألته الصدقات فأبى عليّ وبخل بها، فأنزل الله عزّ وجلّ وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ إلى قوله بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ» [37] . فسرّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وكبّروا وتصدّقوا بمال عظيم [[بطوله في تفسير الطبري: 10/ 244. 245.]] . وروى القاسم بن بشر عن أسامة عن محمد [المخرمي] قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله ﷺ‎: «ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: [من] إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» [38] [[صحيح مسلم: 1/ 56.]] فقال الحسن: يا أبا سعيد والله لئن كان لرجل عليّ دين فلقيني فتقاضاني وليس عندي فخفت أن يحبسني ويهلكني فوعدته أن أقضيه رأس الهلال فلم أفعل أمنافق أنا؟! هكذا جاء الحديث. ثم حدّث عن عبد الله بن عمرو أن أباه لما حضره الموت قال: زوّجوا فلانا فإني وعدته أن أزوجه، لا ألقى الله بثلث النفاق، قال: قلت: يا أبا سعيد ويكون ثلث الرجل منافقا وثلثاه مؤمنا؟ قال: هكذا جاء الحديث. قال محمد: فحججت فلقيت عطاء بن أبي رباح فأخبرته بالحديث الذي سمعته من الحسن وما الذي قلت له عن المنافق وما قال لي: فقال لي أعجزت أن تقول له: أخبرني عن إخوة يوسف ألم يعدوا أباهم فأخلفوه وحدثوه فكذبوه وائتمنهم فخانوه أفمنافقين كانوا ألم يكونوا أنبياء، أبوهم نبيّ وجدّهم نبيّ؟ فقلت لعطاء: يا أبا محمّد حدّثني بأصل هذا الحديث، فقال: حدّثني جابر بن عبد الله أنّ رسول الله ﷺ‎ إنما قال هذا الحديث في المنافقين خاصة الذين حدثوا النبي ﷺ‎ فكذبوه وائتمنهم على سرّه فخانوه ووعدوه أن يخرجوا معه إلى الغزو فأخلفوه، قال: فخرج أبو سفيان من مكة فأتى جبريل فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فقال النبي ﷺ‎: «إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا» [39] فكتب رجل من المنافقين إليه: إن محمدا يريد بعثكم فأنزل الله عزّ وجلّ لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ [[سورة الأنفال: 27.]] وأنزل في المنافقين وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا إلى قوله تعالى: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ. قال: إذا أتيت الحسن فاقرأه مني السلام فأخبره أصل هذا الحديث وبما قلت لك. فقدمت على الحسن وقلت: يا أبا سعيد إن أخاك محمّدا يقرئك السلام، فأخبرته بالحديث الذي حدث. فأخذ الحسن يدي فأحالها وقال: يا أهل العراق أعجزتم أن تكونوا مثل هذا، سمع منا حديثا فلم يقبله حتى استنبط أصله، صدق عطاء هكذا الحديث في المنافقين خاصة [[بطوله في تفسير الطبري: 10/ 245. 246 ح 13215.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب