مدنية، وهي ست وثلاثون آية، ومائة وتسع وستون كلمة، وسبع مائة وثلاثون حرفا
أخبرنا كامل بن أحمد المفيد قال: أخبرنا محمد بن مطر العدل قال: حدّثنا ابن إبراهيم بن شريك الأسدي قال: حدّثنا أحمد بن يونس اليربوعي قال: حدّثنا سلام بن سليم قال: حدّثنا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامه عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله ﷺ: «من قرأ سورة المطفّفين سقاه الله سبحانه من الرحيق المختوم يوم القيامة» [105] [[تفسير مجمع البيان: 10/ 289.]] .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ يعني الذين ينقصون الناس ويبخسون حقوقهم في الكيل والوزن، وأصله من الشيء الطفيف وهو النزر القليل، وإناء طفاف إذا لم يكن ملآن، ومنه قيل للقوم الذين يكونون سواء في حسبة أو عدد: هم كطف الصاع، يعني ذلك: كقرب الملء منه ناقص عن الملء [[تفسير الطبري: 30/ 113.]] .
الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا أخذوا عَلَى النَّاسِ أي منهم، وعلى ومن تتعاقبان في هذا الموضع يَسْتَوْفُونَ حقوقهم منه وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ أي كالوا لهم أو وزنوا لهم، يقال: وزنتك حقّك، وكلتك طعامك بمعنى وزنت لك وكلت لك، قال الفراء: وهي لغة أهل الحجاز ومن جاوزهم من [......] [[كلمة غير مقروءة في المخطوط.]] قال: وسمعت أعرابية تقول: إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكيلنا المد والمدين إلى الموسم المقبل.
قال أبو عبيد: وكان عيسى بن عمر يجعلها حرفين حرفين ويقف على: كالوا ووزنوا، ثمّ يبتدئ فيقول: هم يخسرون، قال: وأحسب قراءة حمزة أيضا كذلك، قال أبو عبيد: والاختيار أن يكون كلمة واحدة من جهتين: إحداهما: الخط، وذلك أنهم كتبوها بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين لكانتا كالوا ووزنوا بالألف على ما كتبوا الأفعال كلّها مثل: فاؤُ وجاؤُ [ ... ] [[بياض بالمخطوط.]]
المصاحف إلّا على إسقاطها.
والجهة الأخرى: أنه يقال: كلتك ووزنتك بمعنى كلت لك ووزنت لك، وهو كلام عربي كما يقال: صدتك وصدت لك وكسبتك وكسبت لك ومثله كثير.
يُخْسِرُونَ ينقصون.
حدّثنا أبو محمد المخلدي قال: أخبرنا ابن الشرقي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن بشر قال:
حدّثنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني يزيد النحوي أن عكرمة حدّثه عن ابن عباس قال: لما قدم رسول الله ﷺ المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله سبحانه وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فأحسنوا الكيل.
وقال القرطبي: كان بالمدينة تجار يطفّفون وكانت بياعتهم كشبه القمار والمنابذة والملامسة والمخاطرة فأنزل الله سبحانه هذه الآية. فخرج رسول الله ﷺ إلى السوق وقرأها عليهم
، وقال السدي: قدم رسول الله ﷺ المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا بن يوسف قال: حدّثنا ابن عمران قال: حدّثنا أبو الدرداء، عبد العزيز [بن منيب] قال: حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن الضحاك ومجاهد وطاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «خمس لخمس» قالوا: يا رسول الله وما خمس لخمس؟ قال: «ما نقض قوم العهد إلّا سلّط عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلّا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلّا فشا فيهم الموت، ولا طفّفوا الكيل إلّا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلّا حبس عنهم القطر» [106] [[المعجم الكبير: 11/ 38.]] .
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن ماجة قال: حدّثنا ابن أيوب قال: حدّثنا القصواني قال: حدّثنا سنان بن حاتم قال: حدّثنا حفص قال: حدّثنا مالك بن دينار قال: دخلت على جار لي وقد نزل به الموت فجعل يقول: جبلين من نار جبلين من نار، قال: قلت: ما تقول أتهجر؟
قال: يا أبا يحيى كان لي مكيالان، كنت أكيل بأحدهما وأكتال بالآخر، قال: فقمت فجعلت أضرب أحدهما بالآخر فقال: يا أبا يحيى كلما ضربت أحدهما بالآخر إزداد عظما فمات في وجعه.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا بن صقلان قال: حدّثنا محمد بن النفاخ الباهلي قال: حدّثنا بركة بن محمد الحلبي عن عثمان بن عبد الرحمن عن النضر بن عدي قال:
سمعت عكرمة يقول: أشهد على كلّ كيّال أو وزّان أنّه في النار، قيل له: إنّ ابنك كيال أو وزان، قال: أنا أشهد أنه في النار.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا الفضل بن الفضل قال: حدّثني عبد الله بن زكريا القاضي قال: حدّثنا العباس بن عبد الله بن أحمد قال: حدّثنا المبرد قال: حدّثنا الرياسي عن الأصمعي قال: قال لي إعرابي: لا تلتمس الحوائج ممن مروءته في رؤس المكاييل والسن الموازين، وروى عبد خير أن عليّا مرّ على رجل وهو يزن الزعفران وقد أرجح، فكفا الميزان، ثم قال: أقم الوزن بالقسط، ثم أرجح بعد ذلك ما شئت، وقال نافع كان ابن عمر يمرّ بالبائع فيقول: اتّق الله وأوف الكيل والوزن، فإن المطفّفين يوقفون يوم القيامة حتى أن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم.
أَلا يَظُنُّ يستيقن أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن مالك قال: حدّثنا ابن حنبل قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا وكيع عن هشام صاحب [الدستواني] عن القمر بن أبي [ابزى] قال: حدّثني من سمع ابن عمر قرأ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فلما بلغ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ بكى حتى خرّوا وامتنع من قراءة ما بعده.
كَلَّا قال الحسن: حقا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ الذي كتب فيه أعمالهم لَفِي سِجِّينٍ قال عبد الله بن عمر ومغيث بن سمي وقتادة ومجاهد والضحاك وابن زيد: هي الأرض السابعة السفلى فيها أرواح الكفّار وأعمالهم، يدلّ عليه ما
أخبرنا الحسين قال: حدّثنا موسى قال: حدّثنا ابن علوية قال: حدّثنا إسماعيل قال: حدّثنا المسيّب قال: حدّثنا الأعمش عن المنهال عن زادان عن البرك قال: قال رسول الله ﷺ: «سجين أسفل سبع أرضين»
[107] [[تفسير مجمع البيان: 10/ 292، وقريب منه في تفسير القرطبي: 19/ 258.]] :
وأخبرني أبو عبد الله الفنجوي قال: حدّثنا أبو علي المقرئ قال: حدّثنا أبو [القاسم بن] الفضل قال: حدّثنا محمد بن حميد قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري قال: حدّثنا حفص ابن حميد عن سمر بن عطية قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال: أخبرني عن قول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ فقال: إنّ روح الفاجر يصعد بها إلى السماء فتأبى السماء أن تقبلها ثم يهبط بها إلى الأرض فتأبى الأرض أن تقبلها فيهبط تحت سبع أرضين حتى ينتهي بها إلى سجّين، وهي حدّ إبليس، فيخرج لها من سجين من تحت حدّ إبليس رق فيرقم ويختم ويوضع تحت حدّ إبليس بمعرفتها الهلاك بحساب يوم القيامة، وإليه ذهب سعيد بن جبير قال: سجّين تحت حدّ إبليس، وقال عطاء الخراساني: هي الأرض السفلى وفيها إبليس وذريته.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا الفضل قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: قراءتي على يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: وحدّثني عمارة بن عيسى عن يونس بن يزيد عمّن حدّثه عن ابن عباس أنه قال لكعب الأحبار: أخبرني عن سجّين وعليّين، فقال كعب:
والذي نفسي بيده لأخبرنّك عنها إلّا بما أجد في كتاب الله المنزل، أما سجّين فإنّها شجرة سوداء تحت الأرضين السبع مكتوب فيها كلّ اسم شيطان، فإذا قبضت نفس الكافر عرج بها إلى السماء فغلقت أبواب السماء دونها، ثم رمى بها إلى سجين فذلك سجين، وأما عليّيون فإنّه إذا قبضت نفس المسلم عرج بها إلى السماء وفتحت لها أبواب السماء حتى تنتهي إلى العرش، قال: فيخرج كفّ من العرش فيكتب له نزله وكرامته فذلك عليّون.
وقال الكلبي: هي صخرة تحت الأرض السابعة السفلى خضراء خضرة السموات منها، يجعل كتاب الفجار تحتها، وقال وهب: هي آخر سلطان إبليس.
وأخبرني عقيل: إن المعافى أخبرهم عن ابن جرير قال: حدّثني إسحاق بن وهب الواسطي قال: حدّثنا مسعود بن موسى بن مشكان قال: حدّثنا نصر بن خزيمة عن شعيب بن صفوان عن القرطي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال. «الفلق جبّ في جهنم مغطّى وأما سجين جبّ في جهنم مفتوح» [108] [[جامع البيان للطبري: 30/ 120، الدر المنثور: 6/ 325.]] .
وأخبرنا أبو القمر الصفار قال: أخبرنا حاجب بن أحمد قال: حدّثنا محمد بن حماد قال:
حدّثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله سبحانه: إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ قال: سجّين صخرة تحت الأرض السابعة تقلب فيجعل كتاب الفجّار تحتها، وقال عكرمة: أي لفي خسار وضلال، والمعنى أنه أراد بطلان أعمالهم وذهابها بلا محمدة ولا ثواب وهذا سائغ مستفيض في كلام الناس، يقولون لمن خمل ذكره وسقط قدره قد لزق بالحضيض، وقال الأخفش: لفي حبس ضيق شديد، وهو فعّيل من السجن كما يقال فسّيق وشرّيب قال ابن مقبل:
ورفقه يضربون البيض ضاحيّة ... ضربا تواصت به الأبطال سجّينا [[تفسير القرطبي: 19/ 258.]]
وَما أَدْراكَ يا محمد ما سِجِّينٌ أي ذلك الكتاب الذي في السجّين ثم منّ فقال:
كِتابٌ أي هو كتاب مَرْقُومٌ مكتوب مثبت عليهم كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به وقال قتادة: رقم لهم بشرّ وقيل: مختوم بلغة حمير. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قراءة العامة تُتْلى، وقرأ أبو حيان بالياء لتقديم الفعل.
قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ
أخبرنا الحسين قال:
حدّثنا الفضل قال: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن مكرم التربي ببغداد قال: حدّثنا علي المكرمي قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت محمد بن عجلان يقول: حدّثني القعقاع بن حكم أن أبا صالح السمّان قال أن أبا هريرة حدّثه أنّه سمع رسول الله ﷺ يقول: «إنّ العبد إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب صقل قلبه وإن عاد زادت حتى يسوّد قلبه»
[109] [[مسند أحمد: 2/ 297، تحفة الاحوذي: 1/ 25، جامع البيان للطبري: 30/ 123 بتفاوت.]] قال:
فذلك قوله سبحانه كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ وكذا قال المفسرون: هو الذنب على الذنب حتى يسوّد القلب، وقال حذيفة بن اليمّان: القلب مثل الكفّ فإذا أذنب العبد انقبض وقبض إصبعا من أصابعه ثم إذا أذنب انقبض وقبض إصبعا أخرى، ثم إذا أذنب انقبض وقبض أصابعه ثم يطبع عليه فكانوا يرون أنّ ذلك هو الرين، ثمّ قرأ هذه الآية.
وقال بكر بن عبد الله: إنّ العبد إذا أصاب الذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة ثمّ إذا أذنب ثانيا صار كذلك فإذا كثرت الذنوب صار القلب كالمنخل أو كالغربال، وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى لعله يصدئ القلب، وقال ابن عباس: طبع عليها، عطا: غشيت على قلوبهم فهوت بها فلا يفزعون ولا يتحاشون [[تفسير الطبري: 30/ 124.]] ، وقيل: قلبها فجعل أسفلها أعلاها، نظيره قوله سبحانه وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ [[سورة الأنعام: 110.]] وأصل الرين الغلبة، يقال: رانت الخمر على عقله إذا غلبت عليه فسكر، وقال أبو زبيد الطائي:
ثم إذا رآه رانت به الخمر ... وأن لا يرينه باتّقاء
وقال الراجز:
لم نرو حتى هجّرت ورين بي ... ورين بالسّاقي الذي أمسى معي [[جامع البيان للطبري: 30/ 122.]]
معنى الآية غلب على قلوبهم وأحاطت بها حتى غمرتها وغشيتها.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَیۡلࣱ لِّلۡمُطَفِّفِینَ","ٱلَّذِینَ إِذَا ٱكۡتَالُوا۟ عَلَى ٱلنَّاسِ یَسۡتَوۡفُونَ","وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ یُخۡسِرُونَ","أَلَا یَظُنُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ","لِیَوۡمٍ عَظِیمࣲ","یَوۡمَ یَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","كَلَّاۤ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِی سِجِّینࣲ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا سِجِّینࣱ","كِتَـٰبࣱ مَّرۡقُومࣱ","وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ","ٱلَّذِینَ یُكَذِّبُونَ بِیَوۡمِ ٱلدِّینِ","وَمَا یُكَذِّبُ بِهِۦۤ إِلَّا كُلُّ مُعۡتَدٍ أَثِیمٍ","إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِ ءَایَـٰتُنَا قَالَ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ","كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ"],"ayah":"وَیۡلࣱ لِّلۡمُطَفِّفِینَ"}