الباحث القرآني

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها أي فمن إليها وصالحهم، قالوا: وكانت هذه قبل (براءة) ثم مسخت بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وقوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، الآية وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ يغدروا ويمكروا بك، قال مجاهد: يعني قريظة فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ كافيك الله هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ قال السدّي: يعني الأنصار وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ جمع بين قلوبهم. وهم الأوس والخزرج. على دينه بعد حرب سنين، فصيّرهم جميعا بعد أن كانوا أشتاتا، وإخوانا بعد أن كانوا أعداء لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً إلى قوله تعالى حَكِيمٌ. روى ابن عفّان عن عمير بن إسحاق، قال: كنّا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس الالفة يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ. [ ... ] [[كلمة غير مقروءة.]] أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، قال: أسلم مع النبي ﷺ‎ ثلاثة وثلاثون رجلا وستّ نسوة، ثم أسلم عمر (رضي الله عنه) فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ قال اكثر المفسرين: محل مَنِ نصب عطفا على الكاف في قوله حَسْبُكَ، ومعنى الآية: وحسب من أتبعك، وقال بعضهم رفع عطفا على اسم الله تقديره: حسبك الله ومتّبعوك من المؤمنين. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ حثّهم عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ رجلا صابرون محتسبون يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من عدوّهم ويقهروهم وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابرة محتسبة تثبت عند اللقاء وقتال العدو يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ من أجل أن المشركين قوم يقاتلون على غير احتساب، ولا طلب ثواب، فهم لا يثبتون إذا صدقتموهم القتال خشية أن يقتلوا، وصورة الآية خبر ومعناه أمر. وكان هذا يوم بدر قرن على الرجل من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين، فثقلت على المؤمنين وضجّوا فخفّف الله الكريم عنهم وأنزل الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً أي في الواحد عن قتال عشرة والمائة عن قتال الألف، وقرأ أبو جعفر ضَعْفاً بفتح الضاد، وقرأ بعضهم: ضعفاء بالمد على جمع ضعيف مثل شركاء. فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من الكفّار وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [أي عشرين من عشرة بمنزلة اثنين من واحد فكسر أول عشرين كما كسر اثنان] [[زيادة عن تفسير القرطبي: 8/ 44 والمخطوط ممسوح.]] ، وإذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ [لهم أن يفروا منهم، وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم] القتال وجاز لهم أن [يتحوزوا] [[تفسير الطبري: 10/ 50 وتصويب العبارة منه والمخطوط ممسوح.]] عنهم. ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: لما كان يوم بدر جيء بالأسرى، قال رسول الله ﷺ‎: ما تقولون في هؤلاء؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم فاستعن بهم، لعلّ الله أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية [تكن] لنا قوة على الكفار. وقال عمر: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك فاضرب أعناقهم، ومكّن عليا من عقيل يضرب عنقه، ومكّني من فلان. نسيب لعمر. أضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم نارا، فقال العباس، قطعتك رحمك، فسكت رسول الله ﷺ‎ فلم يجبهم. ثم دخل فقال أناس: يأخذ بقول أبو بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول ابن رواحة. ثم خرج رسول الله ﷺ‎ فقال: إن الله يلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين، وأن الله يشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم، قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى. قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، ومثلك يا عمر مثل نوح قال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً، ومثلك كمثل موسى قال رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ [[سورة يونس: 88.]] الآية. ثم قال رسول الله ﷺ‎: أنتم اليوم عالة فلا يفلتنّ أحد منكم إلا بفداء أو ضرب عنق، قال عبد الله بن مسعود إلا سهيل بن البيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام، فسكت رسول الله ﷺ‎، قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن يقع عليّ الحجارة من السماء مني ذلك اليوم حتى قال رسول الله ﷺ‎: «إلا سهيل بن البيضاء» [[انظر: مسند أحمد: 1/ 384. وجامع البيان للطبري: 10/ 57.]] . قال: فلمّا كان من الغد جئت رسول الله ﷺ‎ وإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان فقلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء ما بكيت، فقال رسول الله ﷺ‎: أبكي للذي عرض على أصحابك في أخذهم الفداء، ولقد عرض عليّ عذابكم، ودنا من هذه الشجرة شجرة، قريبة من نبي الله فأنزل الله تعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى بالتاء بصري الباقون بالياء، أَسْرى: جمع أسير مثل قتيل وقتلى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ أي يبالغ في قتل المشركين وأسرهم وقهرهم، أثخن فلان في هذا الأمر أي بالغ، وأثخنته معرفة بمعنى قلته معرفة. قال قتادة هذا يوم بدر، فاداهم رسول الله بأربعة آلاف بأربعة آلاف، ولعمري ما كان أثخن رسول الله ﷺ‎ يومئذ، وكان أول قتال قاتل المشركين. قال ابن عباس كان هذا يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلمّا كثروا واشتد سلطانهم، أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً فجعل الله نبيه والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاؤوا قتلوهم وإن شاؤوا استعبدوهم وأن شاءوا فادوهم وإن شاؤوا رفقوا بهم. تُرِيدُونَ أيها المؤمنين عَرَضَ الدُّنْيا بأخذكم الفداء وَاللَّهُ يُرِيدُ ثواب الْآخِرَةَ بقهركم المشركين ونصركم دين الله وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب