الباحث القرآني
وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ الآية نزلت أيضا في النضر بن الحرث بن علقمة بن كندة من بني عبد الدار.
قال ابن عباس: لمّا قصّ رسول الله ﷺ شأن القرون الماضية، قال النضر: لو شئت لقلت مثل هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ في كتبهم.
فقال عثمان بن مظعون: اتق الله فإن محمدا يقول الحق. قال: فأنا أقول الحق. قال: فإن محمدا يقول: لا إله إلّا الله. قال: فأنا أقول لا إله إلّا الله. ولكن هذه شأن الله يعني الأصنام. فقال رسول الله ﷺ: إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ [[سورة الزخرف: 81.]] قال النضر: ألا ترون أن محمدا قد صدقني فيما أقول يعني قوله إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ.
قال له المغيرة بن الوليد: والله ما صدّقك ولكنه يقول ما كان للرحمن ولد.
ففطن لذلك النضر فقال: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ.
إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ... (هُوَ) عمادا [[العماد: الذي يكون بين كلامين لا يتم المعنى إلّا به، ويسمى عند البصريين ضمير الفصل.]] وتوكيد وصلة في الكلام، و (الْحَقَّ) نصب بخبر كان فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ كما أمطرتها على قوم لوط.
قال أبو عبيدة: ما كان من العذاب. يقال: فينا مطر ومن الرحمة مطر أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ أي بنفس ما عذبت به الأمم وفيه نزل: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ [[سورة المعارج: 1.]] .
قال عطاء: لقد نزل في النضر بضعة عشرة آية من كتاب الله فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر.
قال سعيد بن جبير: قال رسول الله ﷺ يوم بدر: «ثلاثة صبروا منكم من قريش المطعم بن عدي. وعقبة بن أبي معيط. والنضر بن الحرث» .
وكان النضر أسير المقداد فلمّا أمر بقتله قال المقداد: أسيري يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: «إنّه كان يقول في كتاب الله ما يقول» قال المقداد: أسيري يا رسول الله، قالها ثلاث مرّات. فقال رسول الله ﷺ في الثالثة: «اللهمّ اغن المقداد من فضلك» [232] .
فقال المقداد: هذا الذي أردت [[تاريخ دمشق: 60/ 167.]] .
وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ اختلفوا في معنى هذه الآية فقال محمد بن إسحاق بن يسار: هذه حكاية عن المشركين، إنهم قالوها وهي متصلة بالآية الأولى، [وقيل] : إن المشركين كانوا يقولون: والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر ولا يعذب أمة ونبيّها معهم، وذلك من قولهم ورسول الله بين أظهرهم، فقال الله تعالى لنبيّه ﷺ يذكر له جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم إذ قالوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ وقالوا: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ثمّ قال ردّا عليهم وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وإن كنت بين أظهرهم أن كانوا يستغفرون وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.
وقال آخرون: هذا كلام مستأنف وهو قول الله تعالى حكاية عن نفسه ثمّ اختلفوا في وجهها وتأويلها:
فقال ابن أبزي وأبو مالك والضحاك: تأويلها: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ مقيم بين أظهرهم.
قالوا: فأنزلت هذه الآية على النبيّ ﷺ وهو مقيم بمكّة ثمّ خرج النبيّ من بين أظهرهم.
وبقيت منها بقية من المسلمين يستغفرون. فأنزل الله بعد خروجه عليه حين استغفر أولئك بها وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.
ثمّ خرج أولئك البقية من المسلمين من بينهم فعذبوا وأذن الله بفتح مكّة، فهو العذاب الذي وعدهم.
ابن عباس: لم يعذب أولئك حتّى يخرج النبيّ منها والمؤمنون. قال الله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله:
وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ يعذبهم يوم بدر.
وقال بعضهم: هذا الاستغفار راجع الى المشركين: وما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين ما دمت فيهم وما داموا يستغفرون. وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويقولون لبيك لبيك لا شريك هو لك إلّا شريك هو لك بملكه لو ما ملك، ويقولون غفرانك غفرانك. هذه رواية أبي زميل عن ابن عباس.
وروى ابن معشر عن يزيد بن روحان ومحمد بن قيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض:
محمد أكرمه الله من بيننا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ. الآية فلمّا أمسوا ندموا على ما قالوا، فقالوا: غفرانك اللهم. فأنزل الله عزّ وجلّ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.
وقال أبو موسى الأشعري: إنّه كان فيكم أمانا لقوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.
وأمّا النبيّ ﷺ فقد مضى وأمّا الاستغفار فهو كائن إلى يوم القيامة.
وقال قتادة [وابن عباس] وابن يزيد معنى: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ: أن لو استغفروا، يقول إن القوم لو كانوا يستغفرون لما عذبوا ولكنهم لم يكونوا استغفروا ولو استغفروا فأقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين.
وقال مجاهد وعكرمة: (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي يسلمون، يقول: لو أسلموا لمّا عذّبوا.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي وفيهم من سبق له من الله الدخول في الإيمان.
وروى عن ابن عباس ومجاهد والضحاك: وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أي يصلّون. وقال الحسن: هذه الآية منسوخة بالآية التي تلتها: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ إلى قوله: بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ فقاتلوا بمكّة فأصابوا فيها الجوع والخير.
وروى عبد الوهاب عن مجاهد (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي في [أصلابهم] من يستغفره.
قال وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أي: ما يمنعهم من أن يعذّبوا. قيل: [إنّ (أن) هنا زائدة] [[المخطوط مشوش والظاهر ما أثبتناه وهو موافق لما في تفسير القرطبي: 7/ 400.]] .
وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ المؤمنون من حيث كانوا ومن كانوا، يعني النبيّ ﷺ ومن آمن معه.
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً والمكاء الصفير. يقال مكاء تمكّوا مكا ومكوا. وقال عنترة:
وحليل غانية تركت مجدّلا ... تمكوا فريصته كشدق الأعلم [[لسان العرب: 11/ 164.]]
ومنه قيل: مكت اسم الدابة مكأ إذا نفخت بالريح. (وَتَصْدِيَةً) يعني التصفيق.
قال جعفر بن ربيعة: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فجمع كفيه ثمّ نفخ فيها صفيرا.
وقال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون.
و [قال] مجاهد: كان نفر من بني عبد الدار يعارضون النبيّ ﷺ في الطواف يستهزئون به فيدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون، يخلطون عليه صلاته وطوافه.
وقال مقاتل: كان النبيّ ﷺ إذا صلّى في المسجد قام رجلان من المشركين عن يمينه فيصفران ويصفقان ورجلان كذلك عن يساره ليخلطوا على النبيّ ﷺ صلاته. وهم بنو عبد الدار فقتلهم الله ببدر.
وقال السدي: المكاء الصفير على لحن طائر أبيض يكون بالحجاز يقال له: المكا.
قال الشاعر:
إذا غرّد المكاء في غير روضة ... قيل لأهل الشاء والحمرات [[كتاب العين للفراهيدي: 4/ 391، ولم ينسبه.]]
وقال سعيد بن جبير وابن إسحاق وابن زيد: التصدية صدهم عن بيت الله وعن دين الله، والتصدية على هذا التأويل التصديد فقلبت إحدى الدالين تاء كما يقال تظنيت من الظن.
قال الشاعر:
تقضي البازي إذا البازي كسر [[هذا من رجز للعجاج كما في اللسان: 4/ 358.]]
يريد: تظنيت وتفضض.
وقرأ الفضل عن عاصم: وما كان صلاتَهم بالنصب إلا مكاءٌ وتصديةٌ بالرفع محل الخبر في الصلاة كما قال القطامي:
قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا [[لسان العرب: 8/ 218.]]
وسمعت من يقول: كان المكاء أذانهم والتصفيق إقامتهم فَذُوقُوا الْعَذابَ يوم بدر بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.
{"ayahs_start":32,"ayahs":["وَإِذۡ قَالُوا۟ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَیۡنَا حِجَارَةࣰ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ","وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِیهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ یَسۡتَغۡفِرُونَ","وَمَا لَهُمۡ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ یَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤءَهُۥۤۚ إِنۡ أَوۡلِیَاۤؤُهُۥۤ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ","وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَیۡتِ إِلَّا مُكَاۤءࣰ وَتَصۡدِیَةࣰۚ فَذُوقُوا۟ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ"],"ayah":"وَإِذۡ قَالُوا۟ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَیۡنَا حِجَارَةࣰ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق