الباحث القرآني

وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا من الثواب حَقًّا صدقا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ من العذاب حَقًّا [هذا قول محمد بن جرير] قالُوا نَعَمْ قال الكسائي «نَعِمْ» بكسر العين وتجوز بإسكانها وهما لغتان فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فنادى مناد منهم أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الكافرين الَّذِينَ يَصُدُّونَ يصرفون عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ دين الله وَيَبْغُونَها عِوَجاً يطلبونها زيغا وميلا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ وَبَيْنَهُما حِجابٌ يعني بين الجنّة والنار حجاب حاجز وهو السور الذي ذكر الله عزّ وجلّ في قوله فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ. وَعَلَى الْأَعْرافِ يعني على ذلك الحجاب. والأعراف سور بين الجنّة والنار وهي جمع عرف وهو كلّ تل مرتفع ومنه عرف الديك لارتفاعه على ما سواه من جسده. وقال الشماخ: وظلت بأعراف تعالى كأنها ... رماح نحاها وجهة الريح راكز [[تفسير الطبري: 8/ 247.]] ويروى: بأعراف قفالا، أي قفالى أي قفلى بعضهم بعضا، بمشغرة نصف حمير، وشبّه [قوامها] بالرماح نحاها قصد بها وجهة الريح، أي جهة الريح، وقوله: بأعراف أي نشوز من الأرض. وقال آخر: كل كناز لحمها نياف ... كالعلم الموفي على الأعراف [[المصدر السابق: 8/ 247.]] يعني كل كناز نياف لحمها والكناز الصلب. قال السدي: سمي أعرافا لأن أصحابه يعرفون الناس. وقال الحسين بن الفضل: هو الصراط، واختلفوا في الرجال الذين أخبر الله عنهم أنهم على الأعراف من هم وما السبب الذي من أجله صاروا هناك؟ فقال حذيفة وابن عباس: أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم في سيّئاتهم وقصرت بهم سيّئاتهم عن الجنّة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فوقفوا هناك حتّى يقضي الله فيهم ما يشاء ثمّ يدخلهم الجنّة بفضل رحمته وهم آخر من يدخل الجنّة قد عرفوا أهل الجنّة وأهل النار، فإذا أراد الله أن يعافيهم انطلق بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة حافتاه من الذهب مكلّلا باللؤلؤ ترابه المسك فالقوا فيه حتّى يصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بهم فأتى بهم فقال الله لهم: تمنوا ما شئتم فيتمنون متى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعون ضعفا فيدخلون الجنّة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها يسمون مساكين أهل الجنّة. قال ابن مسعود: يحاسب الله عزّ وجلّ الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيّئاته بواحدة دخل الجنّة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثمّ قرأ: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ، ثمّ قال: الميزان يخفف بمثقال حبّة [فيرجح] . ومن استوت حسناته وسيّئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ولم ينزع منهم النور الذي كان في أيديهم. وروى يحيى بن [شبل] أنّ رجلا من بني النضير أخبره عن رجل من بني هلال أن أباه أخبره أنّه سأل رسول الله ﷺ‎ عن أصحاب الأعراف فقال: «هم رجال غزوا في سبيل الله عصاة لآبائهم فقتلوا فاعفوا من النار لقتلهم في سبيل الله وحبسوا عن الجنّة بمعصية آبائهم فهم آخر من [يدخل] الجنّة» [183] . قال شرحبيل بن سعيد: هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم، وقال مجاهد: هم قوم صالحون فقهاء علماء، وقال [التميمي] وأبو مجلن: هم ملائكة يعرفون أهل الجنّة وأهل النار فقيل لأبي مجلن يقول الله: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ وتزعم أنت أنهم ملائكة، فقال: إنهم ذكور ليسوا بإناث، قال ابن عباس: هم رجال كانت لهم ذنوب كثيرة، وكان حبسهم أمر الله يقومون على الأعراف يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وروى [صالح مولى الكوفة] أنّ ابن عباس قال: أَصْحابُ الْأَعْرافِ أولاد الزنا. وقال أبو العالية: هم قوم يطمعون أن يدخلوا الجنّة وما جعل [الله] ذلك الطمع فيهم إلّا كرامة يريدها بهم. وقال عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال: هم قوم رضي عنهم آبائهم دون أمهاتهم أو أمهاتهم دون آبائهم فلم يدخلهم الله الجنّة، لأن آباءهم وأمهاتهم غير راضين عنهم ولم يدخلهم النار الرضا آبائهم أو أمهاتهم عنهم فيحبسون على الأعراف إلى أن يقضي الله عزّ وجلّ بين الخلق ثمّ يدخلهم الجنّة، وقال عبد العزيز بن يحيى [الكناني] : هم الذين ماتوا [بالفقر] ولم يبدلوا دينهم، وفي تفسير المنجوني: إنهم أولاد المشركين. وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت محمد بن محمد بن الأشعب يحكي عن بعضهم أنهم أناس عملوا الله عزّ وجلّ ولكنهم رأوا في أعمالهم فلا يدخلون النار لأنّهم عملوا أعمالهم لله ولا يدخلون الجنّة لأنّهم طلبوا الثواب من غير الله فيوقفون على الأعراف إلى أن يقضي الله بين الخلق قوله: يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. وروى جويبر بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ قال: «الأعراف موضع عال [من] الصراط عليه العباس وحمزة، وعليّ بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين يعرفون محبيهم بياض الوجوه ومبغضيهم سواد الوجوه» [184] . وقوله: (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) يعني يعرفون أهل الجنّة ببياض وجوههم ونظرة النعيم عليهم ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وزرقة عيونهم. وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ يعني أهل الأعراف. قال سعيد بن جبير: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم [[تفسير الطبري: 8/ 252.]] لأن الله تعالى [ ... ] [[كلمة غير مقروءة.]] ، ويود المنافقون وهم على الصراط لو بقي أحدهم ولم [ ... ] [[كلمة غير مقروءة.]] . وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ [وجوه] أهل النار أَصْحابِ النَّارِ وحيالهم تعوذوا بالله قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الكافرين في النار وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا كانوا عظماء أهل النار جبّارين يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ في الدنيا من المال و [الأولاد] وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ عن الإيمان. وقال الكلبي: إنهم ينادون وهم على السور يا وليد بن المغيرة ويا أبا جهل بن هشام ويا فلان. ثمّ ينظرون إلى الجنّة فيرون فيها الضعفاء والفقراء والمساكين ممن كانوا يستهزؤن بهم مثل سلمان وصهيب وو خبّاب وأتباعهم فينادون أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ حلفتم وأنتم في الدنيا لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ يعني الجنّة ثمّ يقال لأصحاب الأعراف ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ. وقال مقاتل أقسم أهل النار أن أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنّة بل يدخلون النار معهم. فقالت الملائكة الذين حبسوا أصحاب الصراط هؤُلاءِ الَّذِينَ يعني أصحاب الأعراف الذين أَقْسَمْتُمْ يا أهل النار لا [يَنالُهُمُ] اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، ثمّ قالت الملائكة لأصحاب الأعراف ادْخُلُوا الْجَنَّةَ. وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا [صبّوا] وأوسعوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من طعام الجنّة قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما يعني الماء والطعام عَلَى الْكافِرِينَ قال أبو الجوزاء: سألت ابن عباس: أي الصدقة أفضل قال: قال رسول الله ﷺ‎ «أفضل الصدقة الماء ألا رأيت أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنّة قالوا أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ» [185] [[مجمع الزوائد: 3/ 131.]] . الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وهو ما زيّن لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام والمكاء والتصدية حول البيت وسائر الخصال الرديئة الدنيئة التي كانوا يفعلونها في جاهليتهم، والدين كل ما أطيع به والتزم من حق أو باطل، وقال أبو روق: دينهم أو عقيدتهم وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ نتركهم في النار كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب