الباحث القرآني

فَسَتُبْصِرُ فسترى يا محمد وَيُبْصِرُونَ ويرون يعني الذين رموه بالجنون. بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ اختلف المفسرون في معنى الآية ووجهها، فقال قوم: معناه بأيّكم المجنون، وهو مصدر على وزن المفعول كما يقال: ما لفلان مجنون ومعقود ومعقول أي جلادة وعقد وعقل، قال الشاعر: حتّى إذا لم يتركوا لعظامه ... لحما ولا لفؤاده معقولا [[فتح القدير: 5/ 268.]] أي عقلا، وهذا معنى قول الضحاك: ورواية العوفي عن ابن عباس. وقيل: الباء بمعنى في مجازه: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ في أي الفريقين المجنون في فريقك يا محمد أو في فريقهم. والمفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان. وقيل: تأويله بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ وهو الشيطان، وهذا معنى قول مجاهد. وقال آخرون: معناه: أيّكم المفتون والباء زائدة لقوله تعالى: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [[سورة المؤمنون: 20.]] ويَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ [[سورة الإنسان: 6.]] وهذا قول قتادة والأخفش [وأبي عبيد] [[تفسير القرطبي: 18/ 229.]] . وقال الراجز: نحن بنو جعدة أصحاب الفلج ... نضرب بالسيف ونرجو بالفرج إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ فيما دعوك عليه من دينهم الخبيث، نزلت في مشركي قريش حين دعوه إلى دين آبائه، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ قال عطية والضحاك: لو تكفر فيكفرون. وقال ابن عباس: برواية الوالبي لو ترخص فيرخصون، قال الكلبي: لو تلن لهم فيلينون، الحسن: لو تصانعهم دينك فيصانعون في دينهم، زيد بن مسلم: لو تنافق وترائي فينافقون، أبان ابن تغلب: لو تحابهم فيحابوك، وقال العوفي: لو تكذب فيكذّبون، عوف عن الحسن: لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم، ابن كيسان: لو تقاربهم فيقاربوك. وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ كثير الحلف بالباطل يعني: الوليد بن المغيرة وقيل: الأسود بن عبد يغوث، وقيل: الأخفش بن شديق. مَهِينٍ ضعيف حقير. وقال ابن عباس: كذّاب وهو قرين منه لأنّ الرجل إنّما يكذّب لمهانة نفسه عليه. وقال قتادة: المكثار في الشر. هَمَّازٍ مغتاب يأكل لحوم الناس. وقال الحسن: هو الذي يعيب ناحية في المجلس لقوله: همزة. مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ قتادة: يسعى بالنميمة يفسد بين الناس. مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ قال ابن عباس: يعني للإسلام يمنع ولده وعشيرته من الإسلام ويقول: لأن دخل واحد منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا. وقال الآخرون: يعني بخيل بالمال ضنين به عن الحقوق. مُعْتَدٍ غشوم ظلوم. أَثِيمٍ فاجر. عُتُلٍّ قال ابن عباس: العتل: الفاتك الشديد المنافق. وقال عبيد بن عمير: العتلّ الأكول الشروب القويّ الشديد يوضع في الميزان فلا يزن شعره، يدفع الملك من أولئك سبعين ألف دفعة. وقال عليّ والحسن: العتلّ: الفاحش الخلق السيّئ الخلق. وقال يمان: هو الجافي القاسي اللئيم العشرة. وقال مقاتل: الضخم. وقال الكلبي: هو الشديد في كفره، وكلّ شديد عند العرب عتل وأصله من العتل وهو الدفع بالعنف. بَعْدَ ذلِكَ أي مع ذلك زَنِيمٍ وهو الدعي الملحق النسب الملصق بالقوم وليس منهم. قال الشاعر: زنيم تداعاه الرجال زيادة ... كما زيد في عرض الأديم الأكارع [[لسان العرب: 12/ 277.]] وقال حسّان بن ثابت: وأنت دعي نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد [[لسان العرب: 7/ 420.]] وقال آخر: زنيم ليس يعرف من أبوه ... بغي الام ذو حسب لئيم [[جامع البيان للطبري: 29/ 32.]] فقال مرّة الهمداني: إنّما ادّعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة، هذا قول أكثر المفسرين. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: الزنيم: الذي لا أصل له. وقيل: هو الذي له زنمة كزنمة الشاة. روى عكرمة عن ابن عباس قال: في هذه الآية الكريمة نعت فلم يعرف حتّى قيل زَنِيمٍ فعرف، وكانت له زنمه في عنقه يعرف بها. وقال عكرمة: الزنيم: المعروف [بلؤمه] كما تعرف الشاة بزنمتها. وقال الشعبي: هو الذي له علامة في [الشر] تعرف كما تعرف الشاه بزنمتها. وقال القرطبي وسعيد بن جبير و [عكرمة] : هو الكافر الهجين المعروف بالشرّ المريب [[راجع تفسير القرطبي: 18/ 234.]] . وقال الوالبي عن ابن عباس: الزنيم: الظلوم. أخبرنا أبو عبد الله ابن فنجويه حدّثنا أبو بكر بن مالك القطيفي حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثني أبي حدّثنا وكيع حدّثنا عبد الحميد عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن عمر قال: سئل رسول الله ﷺ‎ عن العتلّ الزنيم فقال: «هو الشديد الخلق المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام والشروب الظلوم للناس رحيب الجوف» [9] [[مجمع الزوائد: 7/ 128.]] . أخبرنا ابن فنجويه حدّثنا محمد بن الحسن بن عليّ القطيفي حدّثنا أحمد بن عبد الله بن رزين العقيلي حدّثنا صفوان بن صالح حدّثنا الوليد بن مسلم حدثني أبو شيّة إبراهيم بن عثمان عن عثمان بن عمير عن شهر بن حوشب عن سداد بن أوس قال: قال رسول الله ﷺ‎: «لا يدخل الجنّة جواظ ولا جعظري ولا عتل ولا زنيم» قال: قلت: فما الجواظ؟ قال: «كلّ جمّاع منّاع» . قلت: فما الجعظري؟ قال: «الفظ الغليظ» . قلت: فما العتل الزنيم؟ قال: «كلّ رحب الجوف بئر الحلق أكول شروب غشوم ظلوم» [10] [[تفسير القرطبي: 18/ 233 بتفاوت.]] . أخبرنا ابن فنجويه حدّثنا ابن حبش المقري حدّثنا ابن زنجويه حدّثنا سلمة حدّثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم في قوله: زَنِيمٍ قال: قال رسول الله ﷺ‎: «تبكي السماء من رجل أصحّ الله جسمه وأرحب جوفه، وأعطاه من الدنيا مقضما- في المصدر بعضا- فكان للناس ظلوما، فذلك العتل الزنيم، قال: وتبكي السماء من الشيخ الزاني ما تكاد الأرض تقلّه» [11] [[تفسير القرطبي: 18/ 234.]] . وروي الثمالي عن مجاهد في الزنيم قال: كانت له ست أصابع في يده في كل إبهام له إصبع زائدة. وأكثر العلماء على أن الزنيم الدعي الشرير، وقد ورد في هذا الباب أخبار غرائب نذكر من بعضها وبالله التوفيق: أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسين بن عبد الله المقري حدّثنا محمد بن الحسن بن بشير حدّثنا ابن خوصا، أخبرنا ابن خنيق حدّثنا يوسف بن أسباط عن أبي إسرائيل الملائي، عن فضيل ابن عمر والفقمي عن مجاهد عن ابن عمر عن أبي هريرة عن النبيّ ﷺ‎ قال: «لا يدخل الجنّة ولد زنى ولا ولده ولا ولد ولده» [12] [[تفسير القرطبي: 18/ 234.]] . أخبرنا الحسين بن محمد حدّثنا محمد بن الحسن بن بشر، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد الطواسعي، حدّثنا أبو بدر عباد بن الوليد حدّثنا حيّان بن هلاك حدّثنا حماد بن سلمة، عن عليّ بن زيد بن عياض عن عيسى بن حطان عن عبد الله بن عمر أنّ النبيّ ﷺ‎ قال: «إنّ أولاد الزنى يحشرون يوم القيامة في صورة القردة والخنازير» [13] [[تفسير القرطبي: 18/ 234.]] . أخبرنا الحسن بن محمد، حدّثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الرازي، حدّثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن محمد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي رافع عن ميمونة زوج النبيّ ﷺ‎ قالت: سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: «لا يزال أمّتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنى فإذا فشا فيهم ولد الزنى فيوشك أن يعمّهم الله تعالى بعقاب» [14] [[تفسير القرطبي: 18/ 234.]] . أخبرنا الحسن بن محمد حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي حدّثنا إبراهيم بن الحسن الآدمي حدّثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي حدّثنا سعيد بن أوس حدّثنا أبو الأشهب- هو العطاردي- قال: سمعت عكرمة يقول: إذا كثر أولاد الزنى قلّ المطر. أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ قرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب آن بالمد واختاره أبو حاتم وقرأ حمزة وعاصم برواية أبي بكر أأن بهمزتين، وغيرهم بالجرّ. فمن قرأ بالاستفهام فله وجهان: أحدهما: الآن كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، والآخر: الآن كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ تطيعه. ومن قرأ على الخبر فمعناه: فلا تطع لأيّ كان.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب