الباحث القرآني

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال ابن عباس: وذلك أنّ الناس سألوا رسول الله ﷺ‎ فأكثروا، حتى شقّوا عليه وأحفوه بالمسألة فأدّبهم الله سبحانه وفطّنهم عن ذلك بهذه الآية، وأمرهم أن لا يناجوه حتى يقدّموا صدقة. وقال مقاتل بن حيّان: نزلت في الأغنياء، وذلك أنّهم كانوا يأتون النبيّ ﷺ‎ فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على [المجالس] حتى كره النبي ﷺ‎ طول جلوسهم ومناجاتهم فأمر الله تعالى بالصدقة عند المناجاة، فلمّا رأوا ذلك انتهوا عن المناجاة، فأمّا أهل العسرة فلم يجدوا شيئا، وأمّا أهل الميسرة فبخلوا ومنعوا، فاشتدّ ذلك على أصحاب النبيّ ﷺ‎ فنزلت الرخصة [[الحديث في تحفة الأحوذي: 9/ 137، وتفسير الدر المنثور: 6/ 185.]] ، قال مجاهد: نهوا عن مناجاة النبيّ ﷺ‎ حتى يتصدّقوا، فلم يناجه إلّا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قدّم دينارا فتصدّق به ثمّ نزلت الرخصة. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً فإنّها فرضت ثم نسخت [[تفسير القرطبي: 17/ 302.]] . أخبرني عبد الله بن حامد- إجازة- قال: أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال: أخبرنا علي بن صقر بن نصر قال: حدّثنا يحيى بن عبد الحميد قال: حدّثنا أبو عبد الرحمن [[في المصادر: يحيى بن آدم عن عبيد الله بن عبد الرحمن.]] الأشجعي، عن سفيان عن عثمان بن المغيرة، عن [سالم] بن أبي الجعد، عن عليّ بن علقمة الأنماري، عن علىّ بن أبي طالب قال: لمّا نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً دعاني رسول الله ﷺ‎ فقال: «ما ترى بذي دينار» ؟. قلت: لا يطيقونه. قال: «كم» ؟. قلت: حبّة أو شعيرة. قال: «إنك لزهيد» [239] . فنزلت أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الآية. قال عليّ رضي الله عنه: فيّ خفّف الله سبحانه عن هذه الأمّة، ولم تنزل في أحد قبلي ولن تنزل في أحد بعدي [240] [[مناقب ابن المغازلي: 325، وذخائر العقبى: 109، وسنن الترمذي: 5/ 80 ح 3355.]] . قال ابن عمر: كان لعليّ بن أبي طالب ثلاث لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ من حمر النعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى [241] [[بتمامه في تفسير فرات الكوفي: 469، وكنز العمال: 13/ 116 ح 373762 بتفاوت عن عمر.]] . ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعني للفقراء. أَأَشْفَقْتُمْ أبخلتم وخفتم بالصدقة الفاقة أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فتجاوز عنكم ولم يعاقبكم بترك الصدقة، وقيل: الواو صلة. مجازه (وإذ لم تفعلوا تاب الله عليكم) تجاوز عنكم وخفّف ونسخ الصدقة. قال مقاتل بن حيّان: إنّما كان ذلك عشر ليال ثم نسخ. وقال الكلبي: ما كانت إلّا ساعة من النهار. فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نزلت في المنافقين تولّوا اليهود وناصحوهم ونقلوا إليهم أسرار المسلمين ما هُمْ مِنْكُمْ يا معشر المسلمين وَلا مِنْهُمْ يعني اليهود والكافرين. نظيره مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ [[النساء: 143.]] . وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. قال السدّي ومقاتل: خاصّة في عبد الله بن نبتل المنافق، كان يجالس رسول الله ﷺ‎ ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله ﷺ‎ في حجرة من حجره إذ قال: «يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبّار وينظر بعيني شيطان» فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق، فقال له النبيّ ﷺ‎: «على ما تشتمني أنت وأصحابك» ؟ فحلف بالله ما فعل، وقال له النبيّ ﷺ‎: «فعلت» [242] [[تفسير القرطبي: 17/ 304.]] . وانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبّوه، فأنزل الله سبحانه ذكر هذه الآية. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ الكاذبة، وقرأ الحسن بكسر الألف، أي إقرارهم جُنَّةً يستجنّون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ يوم القيامة أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كارهين، ما كانوا كاذبين كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ، قال قتادة: إنّ المنافق يحلف له يوم القيامة كما حلف لأوليائه في الدنيا وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ، أخبرنا الحسن بن محمّد قال: حدّثنا أحمد بن يعقوب الأنباري قال: حدّثنا أبو حنيفة محمّد بن حنيفة بن ماهان الواسطي قال: حدّثنا إبراهيم بن سليم الهجمي قال: حدّثنا ابراهيم بن سليمان الدبّاس قال: حدّثنا ابن أخي روّاد، عن الحكم عن عيينة عن مقسم عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ‎: «ينادي مناد يوم القيامة: أين خصماء الله؟ فيقوم القدرية وجوههم مسودّة، مزرقّة أعينهم، مائل شدقهم، يسيل لعابهم، فيقولون: والله ما عبدنا من دونك شمسا ولا قمرا ولا صنما ولا وثنا ولا اتّخذنا من دونك إلها» [243] [[تفسير القرطبي: 17/ 305.]] . فقال ابن عباس: صدقوا والله، أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون، ثم تلا ابن عباس هذه الآية وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ، هم والله القدريون، هم والله القدريون. اسْتَحْوَذَ: غلب واستولى عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ: الأسفلين. كَتَبَ اللَّهُ: قضى الله سبحانه لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، وذلك أنّ المؤمنين قالوا: لئن فتح الله لنا مكّة وخيبر وما حولها فإنّا لنرجو أن يظفرنا الله على الروم وفارس. فقال عبد الله بن أبىّ: أتظنّون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها؟ والله لهم أكثر عددا وأشدّ بطشا من ذلك. فأنزل الله سبحانه: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ نظيره قوله سبحانه: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ [[سورة الصافات: 171- 173.]] . لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ- الآية- نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة. وسنذكر القصة في سورة الامتحان إن شاء الله. وقال السدّي: نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أبي، وذلك أنّه كان جالسا إلى جنب رسول الله ﷺ‎ فشرب رسول الله (عليه السلام) الماء، فقال عبد الله: يا رسول الله، أبق فضلة من شرابك. قال: «وما تصنع بها» ؟ قال: أسقيها أبي لعلّ الله يطهّر قلبه. ففعل فأتى بها أباه، فقال: ما هذا؟ قال من شراب رسول الله (عليه السلام) جئتك بها لتشربها لعلّ الله سبحانه وتعالى يطهّر قلبك. فقال أبوه: هلّا جئتني ببول أمّك. فرجع إلى النبي (عليه السلام) ، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في قتل أبي. فقال رسول الله ﷺ‎: «بل ترفّق به وتحسّن إليه» [[تفسير القرطبي: 17/ 307.]] . وقال ابن جريح: حدّثت أنّ أبا قحافة سبّ النبي ﷺ‎ فصكّه أبو بكر صكّة سقط منها، ثم ذكر ذلك للنبيّ (عليه السلام) فقال: «أو فعلته؟» . فقال: نعم. قال: «فلا تعد إليه» [244] [[زاد المسير: 7/ 328.]] فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله لو كان السيف منّي قريبا لقتلته، فأنزل الله سبحانه هذه الآية: يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ. وروى مقاتل بن حيّان، عن مرّة الهمذاني، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية: وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ يعني أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد أَوْ أَبْناءَهُمْ يعني أبا بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، وقال: يا رسول الله: دعني أكرّ في الرعلة [[الرعلة: الخيل. هامش المخطوط. الصحاح 4: 1710- رعل.]] الأولى. فقال له رسول الله: «متّعنا بنفسك يا أبا بكر، أما تعلم أنّك عندي بمنزلة سمعي وبصري؟» [245] [[أسباب نزول الآيات: 278.]] . وإِخْوانَهُمْ يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد أَوْ عَشِيرَتَهُمْ يعني عمر قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وعليّا وحمزة وعبيدة قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر. أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ قراءة العامّة بفتح الكاف والنون، وروى المفضّل عن عاصم بضمّهما على المجهول، والأوّل أجود لقوله: وَأَيَّدَهُمْ وندخلهم. قال الربيع بن أنس: يعني أثبت الإيمان في قلوبهم فهي موقنة مخلصة. وقيل: معناه كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ، كقوله: فِي جُذُوعِ النَّخْلِ. وقيل: حكم لهم بالإيمان فذكر القلوب لأنّها موضعه. وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ: وقوّاهم بنصر منه، قاله الحسن، وقال السدّي: يعني بالإيمان. ربيع، بالقرآن وحجّته، نظيره: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا. ابن جرير: بنور وبرهان وهدى. وقيل: برحمة. وقيل: أمدّهم بجبريل (عليه السلام) . وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا محمّد بن حمدان بن سفيان قال: حدّثنا محمّد بن يزيد بن عبد الله بن سلمان قال: حدّثنا المرداس أبو بلال قال: حدّثنا إسماعيل، عن سعد بن سعيد الجرجاني، عن بعض مشيخته قال: قال داود (عليه السلام) : «إلهي، من حزبك وحول عرشك؟» . فأوحى الله سبحانه إليه: «يا داود، الغاضّة أبصارهم، النقيّة قلوبهم، السليمة أكفّهم، أولئك حزبي وحول عرشي» [246] [[تفسير القرطبي: 17/ 309.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب