الباحث القرآني

وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ. قال ابن عباس وعكرمة والضحّاك وقتادة: إن الله كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالا وأخصبهم ناحية فلما عصوا الله في محمد (عليه السلام) وكذبوا به كفى الله عنهم ما بسط عليهم من السعة فعند ذلك قال فنحاص بن عازورا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ لم يردوا إلى عنقه ولكنهم أرادوا إنها مقبوضة بمعنى منه ممسكة عن الرزق فنسبوه إلى البخل. وقال أهل المعاني: إنما قال هذه المقالة فنحاص فلم ينهوا الآخرون ورضوا بقوله فأشركهم الله فيها وأرادوا باليد العطاء لأن عطاء الناس بذل معروفهم في الغالب بأيديهم واستعمل الناس اليد في وصف الإنسان بالرد والبخل. قال الشاعر: يداك يدا مجد فكف مفيد ... وكف إذا ما ضن بالمال ينفق [[جامع البيان: 6/ 404، وفيه: بالزاد، بدّل: بالمال، وفي لسان العرب: 9/ 301. وفيه: صدق، بدل: مجد، وأخرى، بدل: وكف.]] ويقال للبخيل: جعد الأنامل، مقبوض الكف، كز الأصابع، مغلول اليدين، قال الله وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ الآية. قال الشاعر: كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها ... وكل باب من الخيرات مفتوح [[تفسير القرطبي: 6/ 238.]] . فاستبدلت بعده جعدا أنامله ... كأنما وجهه يأكل منضوج وقال الحسن: معناه يد الله مكفوفة عن عذابنا فليس يعذبنا إلّا بما [يقرّبه] قيمة قدر ما عبد آباؤنا العجل. وهو سبعة أيّام. وقال مجاهد والسدّي: هو أن اليهود قالوا إن الله لما نزع ملكنا منا وضع يده على صدره يحمد إلينا ويقول: يا بني إسرائيل، يا بني أحباري لا أبسطها حتى أرد عليكم الملك. والقول الأول أولى بالصواب لقوله يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وقيل: هو استفهام تقديره: أيد الله مغلولة عنا؟ حيث قتّر المعيشة علينا قال الله غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ أي مسكت أيديهم عن الخيرات وقبضت عن الانبساط بالعطيات. وقال يمان بن رئاب: شدد وثقل عليهم الشرائع، بيانه قوله وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ وقيل: هو من الغل في النار يوم القيامة كقوله إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ [[سورة غافر: 71.]] وَلُعِنُوا عذبوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ اختلفوا في معنى يد الله سبحانه، فقال قوم: إن له يدا لا كالأيدي وأشاروا باليد إلى الجارحة ثم قصدوا نفي التشبيه بقوله لا كالأيدي وهذا غير مرضي من القول وفساده لا يخفى. وقال الآخرون: يده قدرته لقوله أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ [[سورة ص: 45.]] . وقيل: هو ملكه كما يقال لمملوك الرجل، هو ملك يمينه. قال الله تعالى أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ [[سورة البقرة: 237.]] أي إنه يملك ذلك، وعلى هذين القولين يكون لفظه مشبه ومعناه واحد لقوله وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ [[سورة الرحمن: 46.]] أراد به جنة واحدة. قاله الفرّاء: وأنشدني في بعضهم: ومنهم يدين قدمين مرتين ... قطعة بالألم لا بالسمينين أراد منهما واحدا وسمنة واحدة. قال وأنشد في آخر: يمشي مكبدا ولهزمين ... قد جعل الأرطا جنتين أراد لهزما وجنة. وقيل: أراد بذلك نعمتاه. كما يقال: لفلان عندي يدا نعمة، وعلى هذا القول يكون بعضه تشبيه ومعناه جمع كقوله وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [[سورة إبراهيم: 34.]] . والعرب تضع الواحد موضع الجمع كقوله وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً [[سورة الفرقان: 55.]] . لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ [[سورة البلد: 4.]] وإِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [[سورة العصر: 2.]] ونحوها، ويقول العرب: ما أكثر الدرهم والدينار في أيدي الناس، ويضع التشبيه أيضا موضع الجمع كقوله أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ [[سورة ق: 24.]] فأراد الجمع. قال امرؤ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل [[لسان العرب: 15/ 209.]] يدل عليه: وقوفا بها صحبي على مطيّهم [[تفسير القرطبي: 6/ 133.]] يقول بأنه أخذ الجمع. قال محمد بن مقاتل الرازي: أراد نعمتان مبسوطتان نعمته في الدنيا ونعمته في الآخرة، وهذه تأويلات مدخولة لأن الله عز وجل ذكر له خلق آدم بيده على طريق التخصيص والتفصيل لآدم على إبليس، ولو كان تأويل اليد ما ذكروا لما كان لهذا التخصيص والتفضيل لآدم معنى لأن إبليس أيضا مخلوق بقدرة الله وفي ملك الله ونعمته. وقال أهل الحق: إنه صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه، قال الحسن: إن الله سبحانه يداه لا توصف، دليل هذا التأويل إن الله ذكر اليد مرّة بلفظ اليد فقال عز من قائل قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ [[سورة آل عمران: 73.]] بِيَدِكَ الْخَيْرُ [[سورة آل عمران: 26.]] يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [[سورة الفتح: 10.]] تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [[سورة الملك: 1.]] . وقال (عليه السلام) : «يمين الله ملأن [لا يعيضن] [[هكذا في الأصل.]] نفقة فترد به» وقال عز وجل مرّة وقال لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [[سورة ص: 75.]] بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ. وقال (عز وجل) : وكلتا يديه يمين وجمعه مرّة فقال مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً [[سورة يس: 71.]] قوله وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً بإنكارهم ومخالفتهم وتركهم الإيمان وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ يعني من اليهود والنصارى كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ يعني اليهود والنصارى أفسدوا وخالفوا حكم التوراة فغضب الله عز وجل فبعث عليهم بخت نصّر ثم أفسدوا فبعث الله عليهم وطرس الرومي ثم أفسدوا فسلّط الله عليهم المجوس ثمّ أفسدوا فسلّط الله عليهم المسلمين وكانوا كلما استقام أمرهم شتتهم الله تعالى وكلما جمعوا أمرهم على حرب رسول الله وأوقدوا نارا للحرب أَطْفَأَهَا اللَّهُ وقهرهم ونصر نبيه ودينه وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً الآية وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ الآية وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ يعني أقاموا أحكامهما وحدودهما وعملوا بما فيهما وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ أي القرآن. وقيل: كتب بني إسرائيل لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ يعني المطر وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ يعني النبات. وقال الفرّاء: إنما أراد به التوسعة كما يقال: فلان في خير من قرنه إلى قدمه، نظيره وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ [[سورة الأعراف: 96.]] مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ يعني مؤمني أهل الكتاب. ابن سلام وأصحابه وثمانية وأربعون رجلا من النصارى وهم النجاشي وبحيرا وسلمان الفارسي وخير مولى قريش وأصحابهم. قال ابن عباس: هم العاملة غير العالية ولا الحافية وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ كعب بن الأشرف وأصحابه، وأهل الروم. ساءَ ما يَعْمَلُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب