الباحث القرآني

وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً على ملّة واحدة. وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ الكافرون. ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ لا سواه. وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى مجازه: لأنّه يحيي الموتى. وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ في الدين. قَدِيرٌ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ في الدين. فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً حلائل- وإنّما قال مِنْ أَنْفُسِكُمْ لأنّه خلق حواء من ضلع آدم- وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ يخلقكم ويعيشكم فِيهِ أي في الرحم، وقيل: في البطن، وقيل: في الروح، وقيل: في هذا الوجه من الخليقة. قال مجاهد: نسلا بعد نسل، ومن الأنعام، وقيل: (في) بمعنى الباء، أي يذرؤكم به، قال ابن كيسان: يكثركم. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ المثل صلة ومجازه: ليس كهو شيء، فأدخل المثل توكيدا للكلام، كقوله: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ [[سورة البقرة: 137.]] وفي حرف ابن مسعود، فإن آمنوا بما آمنتم به وقال أوس بن حجر: وقتلى كمثل جذوع النخيل ... يغشاهم مطر منهمر [[تفسير القرطبي: 16/ 8، فتح القدير: 4/ 528.]] أي كجذوع، وقال [آخر] [[كذا الظاهر.]] سعد بن زيد: إذا أبصرت فضلهم ... كمثلهم في النّاس من أحد [[فتح القدير للشوكاني: 4/ 528، جامع البيان للطبري 25/ 18.]] وقال آخر: ليس كمثل الفتى زهير ... خلق يوازيه في الفضائل [[فتح القدير للشوكاني: 4/ 528.]] وقيل: (الكاف) صلة مجازه: ليس مثله، كقول الراجز: وصاليات ككما [يؤثفين] فأدخل على الكاف كافا تأكيدا للتشبيه، وقال آخر: [تنفي الغياديق على الطريق ... قلص عن كبيضة في نيق] [[جامع البيان للطبري: 25/ 18.]] فأدخل الكاف مع عن. وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وهو أول أنبياء الشريعة. وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى فاختلفوا في وجه الآية، فقال قتادة: تحليل الحلال وتحريم الحرام، وقال الحكم: تحريم الأخوات والأمهات والبنات، وقال مجاهد: لم يبعث الله تعالى نبيا إلّا أوصاه بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة. فذلك دينه الذي شرع لهم، وهي رواية الوالي عن ابن عباس، وقيل: الدين التوحيد، وقيل: هو قوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ بعث الأنبياء كلّهم بإقامة الدّين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة. كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ من التوحيد ورفض الأوثان. ثمّ قال عزّ من قائل: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ فيستخلصه لدينه. وَما تَفَرَّقُوا يعني أهل الأديان المختلفة، وقال ابن عباس: يعني أهل الكتاب. دليله ونظيره في سورة المنفكّين إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [[سورة البينة: 4.]] . إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ من قبل بعث محمد وصفته. بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ تأخير العذاب. إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وهو يوم القيامة. لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالعذاب. وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني من بعد الأمم الخالية، وقال مجاهد: معناه من قبلهم أي من قبل مشركي مكّة وهم اليهود والنصارى. لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ فَلِذلِكَ أي فإلى ذلك الّذين أوتوا الكتاب. فَادْعُ كقوله: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [[سورة الزلزلة: 5.]] أي إليها وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ اثبت على الدين الذي به أمرت وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ أي أن أعدل أو كي أعدل، كقوله: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [[سورة الأنعام: 71.]] . قال ابن عباس: لأسوي بينكم في الدّين، وأؤمن بكلّ كتاب وكلّ رسول، وقال غيره: لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ في جميع الأحوال والأشياء. قال قتادة: أمر نبي الله ﷺ‎ أن يعدل، فعدل حتّى مات، والعدل ميزان الله تعالى في الأرض ، وذكر لنا إنّ داود (عليه السلام) ، قال: ثلاث من كنّ فيه فهو الفائز: القصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضا والغضب، والحسنة في السرّ والعلانية، وثلاث من كنّ فيه أهانته: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وأربع من أعطيهنّ، فقد أعطي خير الدّنيا والآخرة: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وبدن صابر، وزوجة مؤمنة. اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ لا خصومة. بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ نسختها آية القتال. اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا لفصل القضاء. وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ يخاصمون. فِي اللَّهِ في دين الله نبيه. مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ أي من بعد ما استجاب له النّاس، فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته، وقيام حجته. حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ باطلة زائلة. عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ قال مجاهد: نزلت في اليهود والنصارى. قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم وأولى بالحقّ. اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ أي العدل عن ابن عباس وأكثر المفسرين. مجاهد: هو الّذي يوزن به، ومعنى إنزال الميزان: إلهامه الخلق للعمل به، وأمره بالعدل والإنصاف، كقوله: قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً [[سورة الأعراف: 26.]] . وقال علقمة: الميزان محمد ﷺ‎، يقضي بينهم بالكتاب. وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي، ومجازها الوقت، وقال الكسائي: إيتائها قريب. يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها ظنّا منهم إنها غير جائية. وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها خائفون منها. وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ قال ابن عباس: حفي بهم. عكرمة: بارّ بهم. السدي: رقيق. مقاتل: لطيف بالبر والفاجر منهم، حيث لم يقتلهم جوعا بمعاصيهم. القرظي: لطيف بهم في العرض والمحاسبة. قال الخوافي: غدا عند مولى الخلق، للخلق موقف يسألهم فيه الجليل، فيلطف بهم الصادق في الرزق من وجهين: أحدهما: إنّه جعل رزقك من الطيبات، والثاني: إنّه لم يدفعه إليك بمرة واحدة، وقيل: الرضا بالتضعيف. الحسين بن الفضل: في القرآن وتيسيره. وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عاد البغدادي يقول: سئل جنيد عن اللطيف، فقال: هو الّذي لطف بأوليائه حتّى عرفوه، فعبدوه، ولو لطف بأعدائه لما جحدوه. وقال محمد بن علي الكتاني: اللطيف بمن لجأ إليه من عباده إذا أيس من الخلق، توكل عليه ورجع إليه فحينئذ يقبله ويقبل عليه، وفي هذا المعنى أنشدنا أبو إسحاق الثعلبي، قال: أنشدني أبو القاسم الحبيبي. قال أنشدني أبي، قال: أنشدني أبو علي محمد بن عبد الوهّاب الثقفي: أمر بافناء القبور كأنّني ... أخو فطنة والثواب فيه نحيف ومن شق فاه الله قدّر رزقه ... وربّي بمن يلجأ إليه لطيف [[تفسير القرطبي: 16/ 17.]] وقيل: اللطيف الّذي ينشر من عباده المناقب، ويستر عليه المثالب، وقيل: هو الّذي يقبل القليل، ويبذل الجزيل، وقيل: هو الّذي يجبر الكسير، وييسر العسير، وقيل: هو الّذي لا ييأس أحد في الدنيا من رزقه، ولا ييأس مؤمن في العفو من رحمته. وقيل: هو الّذي لا يخاف إلّا عدله، ولا يرجى إلّا فضله، وقيل: هو الّذي يبذل لعبده النعمة، فوق الهمّة ويكلفه الطاعة دون الطاقة، وقيل: هو الّذي لا يعاجل من عصاه ولا يخيب من رجاه، وقيل: هو الّذي لا يرد سائله ولا يؤيّس آمله، وقيل: هو الّذي يعفو عمن يهفو، وقيل: هو الّذي يرحم من لا يرحم نفسه، وقيل: هو الّذي يعين على الخدمة، ثم يكثر المدحة، وقيل: هو الّذي أوقد في أسرار عارفيه من المشاهدة سراجا، وجعل الصراط المستقيم لها منهاجا، وأنزل عليهم من سحائب بره ماءا ثجاجا. يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ كما يشاء من شاء موسعا، ومن شاء مقترا، ومن شاء قليلا ومن شاء كثيرا، ومن شاء حلالا، ومن شاء حراما، ومن شاء في خفض ودعه، ومن شاء في كد وعناء، ومن شاء في بلده ومن شاء في الغربة، ومن شاء بحساب ومن شاء بغير حساب. وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ يعني يريد بعمله الآخرة. نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ بالتضعيف بالواحدة عشرة إلى ما شاء الله من الزيادة. وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا يعني يريد بعمله الدّنيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ. قال قتادة: يقول: من عمل لآخرته نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، ومن آثر دنياه على آخرته، لم يجعل الله له نصيبا في الآخرة إلّا النّار، ولم يصب من الدّنيا إلّا رزق قد فرغ منه وقسم له. أنبأني عبد الله بن حامد، أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان، حدثنا الحسين بن إدريس، حدثنا سويد بن نصير، أخبرنا عبد بن المبارك عن أبي سنان الشيباني، إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: الأعمال على أربعة وجوه: عامل صالح في سبيل هدى يريد به دنيا، فليس له في الآخرة شيء، ذلك بأنّ تعالى، قال: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها.. [[سورة هود: 15.]] الآية، وعامل الرياء ليس له ثواب في الدّنيا والآخرة إلّا الويل، وعامل صالح في سبيل هدى يبتغي به وجه الله والدار الآخرة، فله الجنّة في الآخرة، معها [نعاته] [[ولعلها: نعمته.]] في الدّنيا، وعامل خطأ وذنوب ثوابه عقوبة الله، إلّا أن يعفوا فإنّه أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ.. أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ يوم القيامة، حيث قال: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ [[سورة القمر: 46.]] .. لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ تَرَى الظَّالِمِينَ المشركين يوم القيامة مُشْفِقِينَ وجلين. مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ أي نازل بهم لا محالة. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب