الباحث القرآني
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ
قد مرّ تفسيره.
وَهُوَ خادِعُهُمْ
أي يجازيهم جزاء خداعهم، وذلك أنهم على الصراط يعطون نورا كما يعطي المؤمنين، فإذا مضوا على الصراط [يسلبهم ذلك النور] ويبقى المؤمنون ينظرون بنورهم فينادون المؤمنين انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ فيناديهم الملائكة على الصراط ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [[سورة الحديد: 13.]] وقد علموا أنهم لا يستطيعون الرجوع [فيشفق] المؤمنون حينئذ من نورهم أن يطفئ [[راجع تفسير ابن كثير: 1/ 59.]] فيقولون: رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [[سورة التحريم: 8.]] وَإِذا قامُوا
يعني [تهيّأوا] إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى
يعني متثاقلين، يعني لا يريدون بها [وجه] الله فإن رآهم أحد صلّوا وإلّا انصرفوا ولم يصلّوا يُراؤُنَ النَّاسَ
يعني المؤمنين بالصلاة وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
ابن عباس والحسن: إنما قال ذلك لأنهم يصلونها رياء وسمعة ولو كانوا يريدون بذلك وجه الله عز وجل لكان ذلك كثيرا.
قتادة: إنما قلّ ذكر المنافقين لأن الله عز وجل لم يقبله وكما ذكر الله قليل وكلما قبل الله كثير مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ أي مترددين متحيرين بين الكفر والإيمان لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ ليسوا من المؤمنين فيجب لهم ما يجب للمسلمين، فليسوا من الكفار فيؤخذ منهم ما يؤخذ من الكفار فلا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.
[القاسم بن طهمان] عن قتادة: ما هم بمؤمنين مخلصين ولا بمشركين مصرحين بالشرك وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا أي طريقا إلى الهدى.
وذكر لنا ان نبي الله ﷺ كان يضرب مثلا للمؤمن والمنافق والكافر كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر فوقع المؤمن فقطع ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر أن هلمّ إليّ فإني أخشى عليك وناداه المؤمن هلمّ إلي فأن عندي الهدى وكفى له ما عنده، فما زال المنافق يتردد منهما حتّى أتى على أذى فعرفه فإن المنافق لم يزل في شك وشبهة حتى أتى عليه الموت وهو كذلك.
وروى عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله ﷺ قال: «إنّما مثل المنافق مثل الشاة العائرة من الغنمين يبدي إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا يدري أيهما يتبع» [[تفسير مجمع البيان: 3/ 222 بتفاوت.]] [392] .
ثم ذكر المؤمنين ونهاهم عن الإتيان بما أتى المنافقون.
فقال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً ثم ذكر منازل المنافقين فقال: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ يعني في أسفل برج من النار، والدرك والدرك لغتان مثل الطعن والطعن والنهر والنهر واليبس واليبس.
قال عبد الله بن مسعود: الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ توابيت مقفلة في النار تطبق عليهم وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [عونا] .
عن عوف عن أبي المغيرة القواس عن عبد الله بن عمر قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلة المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون [[تفسير الطبري: 7/ 182.]] .
قال الثعلبي: وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى فأما أصحاب المائدة فقوله عز وجل فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ [[سورة المائدة: 115.]] ، وأما آل فرعون فقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [[سورة غافر: 46.]] ، وأما المنافقون فقوله تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [[سورة النساء: 145.]] .
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا من النفاق وَأَصْلَحُوا عملهم وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ أي وثقوا بالله وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ على دينهم. قال الفراء: مَعَ الْمُؤْمِنِينَ تفسيره من المؤمنين. قال القتيبي: حاد عن كلامهم غيظا عليهم فقال (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) ، ولم يقل فأولئك هم المؤمنون وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ في الآخرة أَجْراً عَظِيماً وهي الجنة وإنما حذفت الياء من: يؤتي في الخط كما حذف في اللفظ لأن الياء سقطت من اللفظ لسكونها وسكون اللام في الله وكذلك قوله يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ [[سورة ق: 41.]] حذفت الياء في [الخط] لهذه العلة وكذلك سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [[سورة العلق: 18.]] يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ [[سورة القمر: 6.]] قالوا: والياء هذه حذفت لالتقاء الساكنين.
وأما قوله ما كُنَّا نَبْغِ [[سورة الكهف: 64.]] حذفت لأن الكسرة دلت على الياء فحذفت لثقل الياء، وقد قيل حذفت الياء من المناد والدّاع لأنك تقول: داع ومناد حذفت اللام بها كما حذفت قبل دخول الألف واللام.
وأما قوله تعالى وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [[سورة الفجر: 4.]] فحذفت الياء لأنها ما بين آية ورؤس الآية يجوز فيها الحذف ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ نعماه وَآمَنْتُمْ به وفي الآية تقديم، وتأخير، تقديرها ما يفعل الله بعذابكم ان آمنتم وشكرتم لأن الشكر لا ينفع مع عدم الإيمان بالله والله تعالى عرف خلقه بفضله على ان تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه. وتركه عقوبتهم على أفعالهم، لا ينقص من سلطانه وَكانَ اللَّهُ شاكِراً للقليل من أعمالكم عَلِيماً بإضعافها لكم إلى عشرة إلى سبعمائة ضعف.
قال أهل اللغة: أصل الشكر إظهار النعمة والتحدث بها. قال الله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [[سورة الضحى: 11.]] وذكر بعض أهل اللغة إن الشكر مأخوذ من قول العرب لغة شكور إذا كان يظهر سمنها على القليل من العلف فكان الله تعالى سمّى نفسه شاكرا إلا أنه يرضى من عباده بالقليل من العبادة، بعد رتبة التوحيد.
وقال بعض المعتزلة: إن الوصف لله بأنه شكور وشاكر على جهة المجاز لأن الشكر في الحقيقة هو الاعتراف بنعم المنعم فلما كان القديم تعالى ذكره مجازيا للمطيعين على طاعتهم سمي مجازاته إياهم عليها شكرا على التوسعة، وليس الحمد عنده هو الشكر لأن الحمد ضد [الذم] والشكر ضد الكفر، فيقال له: إن لم يجز أن يكون الباري تعالى شاكرا على الحقيقة لما ذكرته لم يجز أن يكون مثيبا، لأن المثيب من كافى غيره على نعمة [قدمت] إليه ابتداء، [وإلّا لم يجزيه] أن يكون شاكرا في الحقيقة، والشكر من الله تعالى الثواب.
ومن العباد الطاعة وحقيقة مقابلة الطاعة بغيرها، فإذا قابلت أوامر الله بطاعتك فقد شكرته وإذا قابلك الله طاعتك بثوابه فقد شكرك عليها.
{"ayahs_start":142,"ayahs":["إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ یُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَـٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوۤا۟ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُوا۟ كُسَالَىٰ یُرَاۤءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِیلࣰا","مُّذَبۡذَبِینَ بَیۡنَ ذَ ٰلِكَ لَاۤ إِلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَلَاۤ إِلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِیلࣰا","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۚ أَتُرِیدُونَ أَن تَجۡعَلُوا۟ لِلَّهِ عَلَیۡكُمۡ سُلۡطَـٰنࣰا مُّبِینًا","إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ فِی ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِیرًا","إِلَّا ٱلَّذِینَ تَابُوا۟ وَأَصۡلَحُوا۟ وَٱعۡتَصَمُوا۟ بِٱللَّهِ وَأَخۡلَصُوا۟ دِینَهُمۡ لِلَّهِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۖ وَسَوۡفَ یُؤۡتِ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَجۡرًا عَظِیمࣰا","مَّا یَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِیمࣰا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَوۡلِیَاۤءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۚ أَتُرِیدُونَ أَن تَجۡعَلُوا۟ لِلَّهِ عَلَیۡكُمۡ سُلۡطَـٰنࣰا مُّبِینًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق