الباحث القرآني

إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وفي تحقيق الله سبحانه وتعالى التنشئة في اليد، دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة، إنما هما وصفان من صفات ذاته. قال مجاهد: اليد هاهنا بمعنى التأكيد، والصلة مجاز لما خلقت، كقوله سبحانه: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [[سورة الرحمن: 27.]] أي ربك، وهذا تأويل غير قوي، لأنه لو كان بمعنى الصلة فكان لإبليس أن يقول: إن كنت خلقته فقد خلقتني. وكذلك في القدرة والنعمة، لا تكون لآدم في الخلق مزية على إبليس وقد مضت هذه المسألة عند قوله: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا [[سورة يس: 71.]] . قال: العرب تسمي الاثنين جميعا لقوله سبحانه هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا [[سورة الحج: 19.]] ، وقوله وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [[سورة النور: 2.]] قال: هما رجلان وقال: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [[سورة التحريم: 4.]] . أَسْتَكْبَرْتَ ألف الاستفهام تدخل على ألف الخبر أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ المتكبرين على السجود كقوله سبحانه: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ [[سورة القصص: 4.]] . قالَ إبليس أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قالَ فَاخْرُجْ مِنْها أي من الجنّة. وقيل: من السماوات. وقال الحسن وأبو العالية: أيّ من الخلقة التي أنت فيها. قال الحسين بن الفضل: وهذا تأويل صحيح، لأن إبليس تجبّر وافتخر بالخلقة، فغيّر الله تعالى خلقه فاسودّ بعد ما كان أبيضا وقبح بعد ما كان حسنا وأظلم بعد أن كان نورانيا. فَإِنَّكَ رَجِيمٌ مطرود معذّب وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وهو النفخة الأولى قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. قرأ مجاهد والأعمش وعاصم وحمزة وخلف: برفع الأول ونصب الثانية على معنى فأنا الحقّ أو فمنّي الحق، وأقول الحق. وقال الباقون: بنصبهما. واختلف النحاة في وجهيهما، قيل: نصب الأول على الإغراء والثاني بإيقاع القول عليه. وقيل: هو الأول قسم، والثاني مفعول مجاز قال: فبالحق وهو الله عزّ وجلّ أقسم بنفسه وَالْحَقَّ أَقُولُ. وقيل: إنه أتبع قسما بعد قسم. وقال الفراء وأبو عبيد: معناهما حققا لم يدخل الألف واللام، كما يقال: الحمد لله وأحمد الله، هما بمعنى واحد. وقرأ طلحة بن مصرف: فالحق والحقِّ بالكسر فهما على القسم. وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت أبا بكر بن عبدش يقول: هو مردود إلى ما قبله ومجازه: فبعزتك وبالحق والحق قال الله سبحانه: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ أيّ من نفسك وذريتك وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أيّ على تبليغ الوحي، كناية عن غير مذكور مِنْ أَجْرٍ قال الحسين بن الفضل: هذه الآية ناسخة لقوله قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [[سورة الشورى: 23.]] . وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ المتقولين القرآن من تلقاء نفسي. أخبرنا ابن فنجويه قال: حدثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق البستي قال: حدثنا أحمد بن عمير بن يوسف قال: حدثنا محمّد بن عوف قال: حدثنا محمّد بن المصفى قال: حدثنا حنوة بن سريج بن يزيد قال: حدثنا أرطاة بن المنذر عن ضمرة بن حبيب عن سلمة بن مقبل قال: قال رسول الله ﷺ‎: «للمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فوقه، ويتعاطى ما لا ينال، ويقول فيما لا يعلم» [122] [[تفسير القرطبي: 15/ 231.]] . وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثني السنّي قال: حدثني عبد الله بن محمّد بن جعفر قال: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي قال: حدثنا شعيب بن إبراهيم قال: حدثنا سيف بن عمر الضبي عن وائل بن داود عن يزيد البهي عن الزبير بن العوام قال: نادى منادي رسول الله ﷺ‎: «اللهم أغفر للذين يدعون أموات امتي ولا يتكلفون إلّا أني بريء من التكلف وصالحوا أمتي» [123] [[انظر: تذكرة الموضوعات: 67.]] . وأخبرني الحسين قال: حدثنا ابن شيبة قال: حدثنا عبد الله بن محمّد بن وهب قال: حدثنا إبراهيم بن عمرو بن بكر السكسكي ببيت المقدس قال: حدثنا أبي قال: حدثنا إبراهيم بن [........] [[كلام غير مقروء.]] علية الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس من أتاه الله عزّ وجلّ علما فليتق الله وليعلّمه الناس ولا يكتمه، فإنه من كتم علما يعلمه كان كمن كتم ما أنزل الله تعالى على نبيّه وأمره أن يعلمه الناس، ومن لم يعلم فليسكت وإياه أن يقول ما لا يعلم فيهلك ويصير من المتكلفين ويمرق من الدين، وأن الله عزّ وجلّ قال: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ من أفتى بغير السنّة فعليه الإثم. وأخبرني الحسن قال: حدثنا السنيّ قال: أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا محمّد بن خبير العبدي قال: أخبرنا سفيان الثوري عن الأعمش عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: يا أيها الناس من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم شيئا فليقل الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم وأن الله عزّ وجلّ قال لنبيّه: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ، إِنْ هُوَ ما هو يعني القرآن إِلَّا ذِكْرٌ عظة لِلْعالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ. قال قتادة: يعني بعد الموت. وابن عبّاس: يعني يوم القيامة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب