الباحث القرآني

قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ أي مطأطئو رؤوسهم عِنْدَ رَبِّهِمْ حياء منه للذي سلف من معاصيهم في الدنيا يقولون: رَبَّنا أَبْصَرْنا ما كنّا به مكذّبين وَسَمِعْنا منك تصديق ما أتتنا به رسلك فَارْجِعْنا فارددنا إلى الدنيا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ وجواب لو مضمر مجازه: لرأيت العجب وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها رشدها وتوفيقها للإيمان وَلكِنْ حَقَّ وجب وسبق الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وهو قوله لإبليس لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [[سورة ص: 85.]] . ثمّ يقال لأهل النار: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أي تركتم الإيمان به إِنَّا نَسِيناكُمْ تركناكم في النار وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، عن أحمد بن الحسن بن ماجة القزويني، عن الحسن ابن أيّوب القزويني، عن عبد الله بن أبي زياد القطواني، عن سيار حماد الصفار، عن حجاج الأسود، عن جبلة، عن مولى له، عن كعب قال: إذا كان يوم القيامة يقوم الملائكة فيشفعون، ثمّ يقوم الأنبياء فيشفعون، ثمّ يقوم الشهداء فيشفعون ثمّ يقوم المؤمنون فيشفعون. حتّى انصرمت الشفاعة كلّها فلم يبق أحد، خرجت الرحمة، فتقول: يا ربّ أنا الرحمة فشفّعني، فيقول: قد شفّعتك، فتقول: يا ربّ فيمن؟ فيقول: في من ذكرني في مقام وخافني فيه أو رجاني أو دعاني دعوة واحدة خافني أو رجاني فأخرجيه، قال: فيخرجون فلا يبقى في النار أحد يعبأ الله به شيئا، ثمّ يعظم أهلها بها، ثمّ يأمر بالنار فتقبض عليهم فلا يدخل فيها روح أبدا، ولا يخرج منها غمّ أبدا وقيل: الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا [[سورة الجاثية: 34.]] . إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن الإيمان به والسجود له. تَتَجافى أي ترتفع وتنتحي، وهو تفاعل من الجفا، والجفا: التبوّء والتباعد، تقول العرب: جاف ظهرك عن الجدار، وجفت عين فلان عن الغمض إذا لم تنم. جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ. أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن قال: أخبرني أبو عمرو عثمان بن أحمد ابن سمعان الوزان، عن عبد الله بن قحطبة بن مرزوق، عن محمد بن موسى الحرشي، عن الحرث بن وحيه الراسبي قال: سمعت مالك بن دينار يقول: سألت أنس بن مالك عن قول الله تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ، فقال أنس: كان أناس من أصحاب رسول الله ﷺ‎ يصلّون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة، فأنزل الله تعالى: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ. أخبرني الحسين بن محمد [عن موسى بن محمد، عن الحسن بن محمد، عن موسى بن محمد] عن الحسن بن علويه، عن إسماعيل بن عيسى، عن المسيب، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: نزلت فينا معاشر الأنصار: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ الآية، كنّا نصلّي المغرب، فلا نرجع إلى رحالنا حتّى نصلّي العشاء مع النبي صلّى الله عليه وآله. وأخبرنا الحسين بن محمد عن عبد الله بن إبراهيم بن علي بن عبد الله، عن عبد الله بن محمد بن وهب، عن محمد بن حميد، عن يحيى بن الضريس، عن النضر بن حميد، عن سعيد، عن الشعبي عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من عقّب ما بين المغرب والعشاء بني له في الجنّة قصران [ما بينهما] مسيرة [مائة] عام، وفيهما من الشجر، ما لو نزلها [[في المصدر: يراهما.]] أهل المشرق وأهل المغرب لأوسعتهم [[في المصدر: لأوصلهم.]] فاكهة، وهي صلاة الأوّابين وغفلة الغافلين، وإنّ من الدعاء المستجاب الذي لا يرد الدعاء ما بين المغرب والعشاء» [189] [[كنز العمال: 7/ 392 ح 19450.]] . وقال عطاء: يعني يصلّون صلاة العتمة لا ينامون عنها، يدلّ عليها ما أنبأني عبد الله بن حامد، عن عبد الصمد بن الحسن بن علي بن مكرم، عن السري بن سهل، عن عبد الله بن رشيد قال: أنبأني أبو عبيدة مجاعة بن الزبير، عن أبان قال: جاءت امرأة إلى أنس بن مالك، فقالت: إنّي أنام قبل العشاء. فقال: لا تنامي. فإنّ هذه الآية نزلت في الذين لا ينامون قبل العشاء الآخرة تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ. وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وابن زيد: هو التهجّد وقيام الليل، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه عن أبي بكر بن مالك القطيعي، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبي عن زيد بن الحبّاب، عن حمّاد بن سلمة، عن عاصم، عن شهر بن حوشب، عن معاذ، عن النبي ﷺ‎: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً قال: قيام العبد في الليل. وأخبرنا عبد الله بن حامد الأصفهاني، عن محمّد بن عبد الله بن عبد الواحد الهمداني، عن إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق بن معمر، عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل، عن معاذ قال: كنت مع رسول الله ﷺ‎ في سفر فأصبحت قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا نبيّ الله ألا تخبرني بعمل يدخلني الجنّة، ويباعدني من النار؟ قال: يا معاذ، لقد سألت عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت. ثمّ قال: ألا أدلّك على أبواب الخير. الصوم جنّة من النار والصدقة تطفئ غضب الربّ [[في المصدر: الخطيئة، بدل «غضب الربّ» .]] وصلاة الرجل في جوف الليل ثمّ قرأ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ حتّى بلغ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ثمّ قال: ألا أخبرك [[في المصدر زيادة: برأس الأمر وعموده وذروة سنامه، فقلت: بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك.]] بملاك ذلك كلّه. فقلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه. فقال: «اكفف [[في المصدر: كف.]] ، عليك هذا» . فقلت: يا رسول الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم؟ فقال: «ثكلتك أمّك يا معاذ! وهل يكبّ الناس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم» [190] [[مسند أحمد: 5/ 231، وسنن ابن ماجة: 2/ 1314 ح 3973.]] . وقال الضحّاك: هو أن يصلّي الرجل العشاء والغداة في جماعة. أخبرني الحسين بن فنجويه عن أحمد بن الحسين بن ماجة قال: أخبرني أبو عوانة الكوفي بالري عن منجاب بن الحرث عن علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: «إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق كلّهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم، ثمّ يرجع فينادي: ليقم الذين كانت تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ فيقومون وهم قليل، ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانوا يحمدون الله فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ. فيقومون وهم قليل، فيسرحون جميعا إلى الجنّة ثمّ يحاسب سائر الناس» [191] [[تفسير القرطبي: 14/ 102.]] . يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ أي خبّئ لهم، هذه قراءة العامّة. وقرأ حمزة ويعقوب أُخْفِي مرسلة الياء أي: أنا أخفي وحجّتهما قراءة عبد الله: نخفي بالنون. وقرأ محمّد بن كعب: أخفى بالألف يعني: أخفى الله من قرّة أعين، قراءة العامّة على التوحيد. أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان، عن مكي بن عبدان، عن عبد الله بن هاشم قال: أخبرني أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال أبو هريرة: قال رسول الله ﷺ‎: ومن بله ما [قد] أطلعتكم عليه، اقرءوا إن شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ من قرّات أعين» [192] [[سنن ابن ماجة: 2/ 1447 ح 4328، وفي التنزيل: قرة.]] . جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ قال: وكان أبو هريرة يقرأ. هكذا: قرّات أعين. وقال ابن مسعود: إنّ في التوراة مكتوبا: لقد أعد الله للّذين تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولا يخطر على قلب بشر وما لا يعلمه ملك مقرّب، وإنّه لفي القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ الآية. قوله: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمّه وذلك أنّه كان بينهما تنازع وكلام في شيء، فقال الوليد لعلي: أسكت فإنّك صبيّ، وأنا والله أبسط منك لسانا وأحدّ منك سنانا، وأشجع جنانا، وأملأ منك حشوا في الكتيبة، فقال له علي: اسكت فإنّك فاسق، فأنزل الله عزّ وجلّ: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ولم يقل يستويان، لأنّه لم يرد بالمؤمن مؤمنا واحدا، وبالفاسق فاسقا واحدا، وإنّما أراد جميع الفسّاق وجميع المؤمنين. قال الفرّاء: إنّ الاثنين إذا لم يكونا مصمودين لهما ذهب بهما مذهب الجمع. ثمّ ذكر حال الفريقين ومآلهما، فقال عزّ من قائل: أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ. وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قال أبي بن كعب وأبو العالية والضحّاك والحسن وإبراهيم: العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وبلاؤها ممّا يبتلي الله به العباد حتّى يتوبوا، وهذه رواية الوالبي عن ابن عبّاس. عكرمة عنه: الحدود. عبد الله بن مسعود والحسن بن علي وعبد الله بن الحرث: القتل بالسيف يوم بدر. مقاتل: الجوع سبع سنين بمكّة حتّى أكلوا الجيف والعظام والكلاب. مجاهد: عذاب القبر. قالوا: والعذاب الأكبر، يوم القيامة لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عن كفرهم. قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ المشركين مُنْتَقِمُونَ قال زيد بن رفيع: عنى بالمجرمين هاهنا أصحاب القدر ثمّ قرأ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ إلى قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [[سورة القمر: 4947.]] وأخبرنا الحسين بن محمد، عن أحمد ابن محمد بن إسحاق السني قال: أخبرني جماهر بن محمد الدمشقي، عن هشام بن عمّار، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن عبادة بن سني، عن جنادة بن أبي أمية، عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: «ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من اعتقد لواء في غير حقّ، أو عقّ والديه، أو مشى مع ظالم لينصره [[ليست موجودة في المصدر.]] فقد أجرم. يقول الله تعالى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ» [193] [[مجمع الزوائد: 7/ 90.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب