الباحث القرآني

روي أنّها أربعة عشر ألف حرف، وخمس مائة وخمسة وعشرون حرفا، وثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانين كلمة، ومائتا آية. فضلها: روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس» [1] [[مجمع الزوائد: 2/ 168.]] . زرّ بن حبيش عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله ﷺ‎: «من قرأ سورة آل عمران أعطي بكلّ آية منها أمانا على جسر جهنّم» [2] [[تفسير مجمع البيان: 2/ 232.]] . رويعن أبي إسحاق عن سليم بن حنظلة، قال: قال عبد الله بن مسعود: «من قرأ آل عمران فهو غني» . يحيى بن نعيم عن أبيه عن أبي المعرش عن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ‎ يقول: «تعلّموا البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان، وإنهما يأتيان يوم القيامة في صورة ملكين شفعاء له جزاء حتى يدخلاه الجنّة» [3] [[مسند أحمد: 5/ 361، مجمع الزوائد: 7/ 159 مع اختلاف في الحديث.]] . إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي الحرين عن أبي عبد الله الشاميّ، قال: «من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة يبدل له يوم القيامة جناحات يطير بهما على الصراط» [4] [[ميزان الاعتدال: 2/ 424، وفيه: جناحين منظومين بالدرّ والياقوت.]] . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر الزبير، ومحمد بن مروان عن الكلبي، وعبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس، قالوا: نزلت هذه في وفد نجران، وكانوا ستين راكبا قدموا على رسول الله ﷺ‎ وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وفي الاربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم العاقب، وهو أميرهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدّرون عن رأيه، واسمه عبد المسيح. والسيّد [عالمهم] وصاحب رحلهم واسمه [الأيهم ويقال: شرحبيل] [[تاريخ المدينة لابن شبه: 2/ 581.]] وأبو حارثة بن علقمة الذي يعتبر حبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وكان قد شرف فيهم ودرّس كهنتهم من حسن عمله في دينهم، وكانت ملوك الروم قد شرّفوه [وموّلوه وبنو له] الكنائس لعلمه واجتهاده. فقدموا على رسول الله المدينة ودخلوا مسجده- حين صلى العصر- عليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحديد، في جمال رجال بلحرث [[للتخفيف وهو بالأصل: بني الحرث.]] بن كعب، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله ﷺ‎: ما رأينا وفدا مثلهم! وقد حانت صلاتهم فقاموا وصلّوا في مسجد رسول الله ﷺ‎ وصلّوا الى المشرق. فكلّم السيد والعاقب رسول الله. فقال رسول الله ﷺ‎: أسلمنا. قالا: قد أسلمنا قبلك، قال: كذبتما يمنعكما من الإسلام [ادّعاء كما] [[في المخطوط: (دعاءكما) .]] لله ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير. قالا: إن لم يكن ولد لله فمن [أبيه] [[هكذا في الأصل.]] وخاصموه جميعا في عيسى عليه السلام، فقال لهما النبي ﷺ‎: [إنّه لا يكون ولد إلّا وشبه أباه. قالوا: بلى، قال: ألستم] تعلمون أن ربّنا حي لا يموت وإنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أنّ ربّنا قيّم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى. قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ؟ قالوا: بلى. قال: فهل يعلم عيسى من ذلك إلّا ما علّم؟ قالوا: لا. قال: فإنّ ربّنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء وربّنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث؟ قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون إنّ عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة حملها، ثم غذي كما يغذى الصبي، وكان يطعم ويشرب ويحدث، قالوا: بلى. قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فسكتوا. فأنزل الله تعالى فيهم صدر سورة آل عمران الى بضع وثمانين آية منها. فقال عزّ من قائل: الم قرأ ابن جعفر بن زبير القعقاع المدني ال م مفصولا، ومثلها جميع حروف التهجّي المفتح بها السور. وقرأ ابن جعفر الرواسي والأعشى والهرحمي: الم اللَّهُ مقطوعا والباقون موصولا مفتوح الميم. فمن فتح الميم ووصل فله وجهان: قال البصريون: لالتقاء الساكنين حركت إلى أخف الحركات. وقال الكوفيون: كانت ساكنة لأن حروف الهجاء مبنية على الوقف فلمّا تلقاها ألف الوصل وأدرجت الألف فقلبت حركتها وهي الفتحة الى الميم. ومن قطع فله وجهان: أحدهما: نية الوقف ثم قطع الهمزة للابتداء، كقول الشاعر: لتسمعنّ وشيكا في ديارهم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا [[البداية والنهاية: 7/ 219 وتاج العروس: 3/ 70.]] والثاني: أن يكون أجراه على لغة من يقطع ألف الوصل. كقول الشاعر: إذا جاوز الاثنين سرّ ... فإنه بنت وتكثير الوشاة قمين [[الصحاح: 1/ 294.]] ومن فصل وقطع فللتفخيم والتعظيم تعالى اللَّهُ ابتداء وما بعده خبر، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نعت له، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ قرأ إبراهيم بن أبي عبلة: نَزَلَ بتخفيف (الزاي) ، الْكِتابُ: برفع الباء، وقرأ الباقون: بتشديد الزاي ونصب الباء على التكثير لأنّ القرآن كان ينزل نجوما شيئا بعد شيء والتنزيل يكون مرّة بعد مرّة، وقال: (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) لأنهما نزلتا دفعة نَزَّلَ عَلَيْكَ يا محمد الْكِتابَ القرآن بِالْحَقِّ: بالعدل، والصدق، مُصَدِّقاً: موافقا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: لما قبله من الكتب في التوحيد، والنبوّات، والأخبار، وبعض الشرائع. وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ قال البصريون: أصلها ووريه دوجله وحرقله فحوّلت الواو الاولى تاء وجعلت الياء المفتوحة ألفا فصارت توراة، ثم كتبت بالياء على أصل الكلمة، وقال الكوفيون: هي تفعله والعلة فيه ما ذكرنا مثل (توصية) ، و (توفية) فقلبت الياء ألفا كما يفعل طيئ، فيقول للجارية: جاراة، وللناصية: ناصاة، وأصلها من قولهم: «وري الزند» إذا أخرجت ناره وأولته أنا، قال الله عز وجل: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ [[سورة الواقعة: 71.]] ، وقال: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً [[سورة العاديات: 2.]] فتسمى تورية لأنه نور وضياء دلّ عليه قوله تعالى: وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ [[سورة الأنبياء: 48.]] قاله الفراء، وأكثر العلماء، وقال [المؤرج:] هي من التورية وهي كتمان الشيء والتعريض لغيره. ومن الحديث كان رسول الله ﷺ‎ «إذا أراد شيئا وري بغيره» [5] . وكان أكثر التورية معارض وتلويحا من غير إيضاح وتصريح، وقيل: هي بالعبرانية «نوروثو» ومعناه: الشريعة. والإنجيل أفضل من [النجل] وهو الخروج، ومنه سمّي الولد «نجلا» لخروجه. قال الأعشى: أنجب أزمان والداه به ... إذ نجّلاه فنعم ما نجلا [[الصحاح: 1/ 222.]] فسمي بذلك لأن الله تعالى أخرج به دارسا من الحق عافيا. ويقال: هو من المتنجل، وهو سعة الجن، يقال: قطعته نجلا أي: واسعة فسمي بذلك لأنه أصل أخرجه لهم ووسعه عليهم نورا وضياء، وقيل: هو بالسريانية «انقليون» ومعناه: الشريعة: وقرأ الحسن الْأَنْجِيلَ بفتح الهمزة، يصححه الباقون بالكسر مثل: الإكليل. مِنْ قَبْلُ رفع على الغاية والغاية هاهنا قطع الكتاب عنه كقوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وقال زهير: وما كان من خير أتوه ... فإنّما توارثه آباء آبائهم قبل [[تفسير القرطبي: 3/ 173.]] هُدىً لِلنَّاسِ هاد لمن تبعه، ولم ينته لأنّه مصدر وهو في محل النصب على الحال والقطع. وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ الفرق بين الحق والباطل، قال السدي: في الآية تقديم وتأخير تقديرها: وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للمتقين. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ. إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ ذكرا وأنثى، قصيرا وطويلا، أسودا وأبيضا، حسنا وقبيحا، سعيدا وشقيا. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ متقنات مبينات مفصلات. هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي أصله الذي يعمل عليه في الأحكام ويجمع الحلال والحرام ويفرّغ لأهل الإسلام، وهنّ آيات التوراة والإنجيل والقرآن، وفي كل كتاب يرضى به أهل كل دين، ولا يختلف فيه أهل كل بلد. والعرب تسمي كلّ شيء فاضل جامع يكون مرجعا لقوم، كما قيل للّوح المحفوظ: أم الكتاب، والفاتحة: أمّ القرآن، ولمكّة: أمّ القرى وللدماغ: أمّ الرأس، وللوالدة: أم، وللراية: أم، وللرجل الذي يقوم بأمر العيال: أم، وللبقرة والناقة أو الشاة التي يعيش بها أهل الدار: أم، وكان عيسى (عليه السلام) يقول للماء: «هذا أبي» ، وللخبز: «هذه أمّي» لأنّ قوام الأبدان بهما. وإنّما قال أُمُّ الْكِتابِ ولم يقل أمّهات الكتب لأنّ الآيات كلها في تكاملها واجتماعها كالآية الواحدة، وكلام الله واحد. وقيل: معناه كلمة واحدة ف هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ كما قال: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [[سورة المؤمنون: 50.]] أي كل واحد منهما آية. وَأُخَرُ: جمع أخرى ولم يصرف لأنّه معدول عن أواخر، مثل عمر، وزفر وهو قاله الكسائي. وقيل: ترك أخراه لأنّه نعت مثل جمع، وكسع لم يصرفا لأنّهما نعتان. وقيل: لأنّه مبني على واحدة في ترك الصرف وواحدة اخرى غير مصروف. مُتَشابِهاتٌ: تشبه بعضها بعضا، واختلف العلماء في المحكم والمتشابه كليهما فقال قتادة والربيع والضحاك والسدي: «المحكم: الناسخ الذي يعمل له» . «والمتشابه: المنسوخ الذي يؤمن به ولا يعمل به، هي رواية عطية عن ابن عباس» . روى علي ابن أبي طلحة عنه قال: «محكمات القرآن ناسخة، وحلاله، وحرامه، وحدوده، وفرائضه، وما يؤمر به ويعمل به» . والمتشابهات: منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله واقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به. زهير بن معاوية عن أبي إسحاق قال: قال ابن عباس: قوله تعالى: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ قال: هي الثلاث الآيات في سورة الأنعام قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [[سورة الأنعام: 151.]] إلى آخر الآيات الثلاث، نظيرها في سورة بني إسرائيل وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [[سورة الإسراء: 23.]] الآيات. وقال مجاهد، وعكرمة: «المحكم: ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك متشابه [يصدّق] بعضها بعضا» . قد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: المحكم: ما لا يحتمل من التأويل غير وجه واحد. والمتشابه: ما أحتمل من التأويل أوجها. وقال ابن زبير: من المحكم ما ذكر الله تعالى في كتابه من قصص الأنبياء (عليهم السلام) ، وفصلت وتنته لمحمد ﷺ‎ وأمّته، كما ذكر قصة نوح في أربع وعشرين آية منها، وقصة هود في عشر آيات، وقصّة صالح في ثمان آيات، وقصة إبراهيم في ثمان آيات، وقصة لوط في ثمان آيات، وقصة شعيب في عشر آيات، وقصة موسى في آيات كثيرة. وذكر [آيات] حديث رسول الله ﷺ‎ في أربع وعشرين آية. والمتشابه: هو ما أختلف به الألفاظ من قصصهم عند التكرير، كما قال في موضع من قصة نوح: قُلْنَا احْمِلْ [[سورة هود: 40.]] وقال وفي موضع آخر: فَاسْلُكْ [[سورة المؤمنون: 27.]] . وقال في ذكر عصا موسى: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى [[سورة طه: 20.]] ، وقال في موضع آخر: ثُعْبانٌ مُبِينٌ [[سورة الأعراف: 107.]] ونحوها. وإن بعضهم قال: «المحكم: ما عرف العلماء تأويله، وفهموا معناه» . «والمتشابه: ما ليس لأحد الى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه» وذلك نحو الخبر عن وقت خروج الدجّال، ونزول عيسى، وطلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وفناء الدّنيا، ومحوها. وقال أبو فاختة: «المحكمات التي هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ فواتح السور منها يستخرج القرآن الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ [[سورة البقرة: 1. 2.]] منها استخرجت البقرة، والم اللَّهُ [[سورة آل عمران: 1. 2.]] استخرجت آل عمران. وقال ابن كيسان: «المحكمات حجتها واضحة، ودلائلها لائحة، لا حاجة بمن سمعها الى طلب معانيها في المتشابه الذي شك علمه، بالنظر فيه يعرف العوّام تفصيل الحق فيه من الباطل» . وقال بعضهم: «المحكم ما أجمع على تأويله، والمتشابه ما ليس معناه واضح» . وقال أبو عثمان: المحكم فاتحة الكتاب. وقال الشعبي: رأيت في بعض التفاسير [[راجع تفسير مجمع البيان: 2/ 242، عن تفسير الماوردي، وتفسير القرطبي: 4/ 10.]] أنّ المتشابه هو [ما خفي لفظه والمحكم ما كان لفظه واضح وعلى هذا القرآن كلّه] [[زيادة منّا لتقويم المعنى.]] محكم من وجه على معنى [بشدّة] [.....] [[كلمة غير مقروءة.]] ، قال الله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [[سورة هود: 1.]] . والمتشابه من وجه فهو إنّه يشبه بعضه بعضا في الحسن ويصدق بعضه بعضا. وقال ابن عبّاس في رواية شاذان: المتشابه حروف التهجّي في أوائل السّور، وذلك بأنّ حكام اليهود هم حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف ونظراءهما أتوا النبي ﷺ‎ فقال له حيي: بلغنا أنّه أنزل عليك (الم) أأنزلت عليك؟ قال: نعم، فإن كان ذلك حقّا فإنّي أعلم من هلك بأمّتك وهو إحدى وسبعون سنة فهل أنزلت عليك غيرها؟ قال: نعم والى المص [[سورة الأعراف: 1.]] ، قال: هذه أكبر من تلك هي إحدى وستون ومائة سنة فربما غيرها؟ قال: نعم الر [[سورة يونس: 1.]] قال: هذه أكثر من مائة وسبعون سنة ولقد خلطت علينا فلا ندري أبكثيره نأخذ أم بقليلة؟ ونحن ممّن لا يؤمن بهذا ، فأنزل تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ: أي ميل عن الحق، وقيل: شك. فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ: اختلفوا في معنى هذه الآية، فقال الربيع: هم وفد نجران خاصموا النبي ﷺ‎ وقالوا: ألست تعلم أنّه كلمة الله وَرُوحٌ مِنْهُ؟ قال: بلى، قالوا: فحسبنا ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال الكلبي: هم اليهود [أجهل] هذه الأمّة باستخراجه بحساب الجمل. وقال ابن جري: هم المنافقون. [قال] الحسن: هم الخوارج. وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ قال: إن لم يكونوا آخرون فالسبابيّة ولا أدري من هم. وقال بعضهم: هم جميع المحدثة. وروي حمّاد بن سلمة وأبو الوليد يزيد بن أبي ميثم وأبوه جميعا عن عبد الله بن أبي مليكة الفتح عن عائشة: أنّ رسول الله ﷺ‎ قرأ هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ فقال ﷺ‎: «إذا رأيتم الّذين يسألون عمّا تَشابَهَ مِنْهُ ويجادلون فيه الّذين عنى الله عزّ وجلّ فاحذروهم ولا تخالطوهم [6] [[تفسير القرطبي: 4/ 9 بتفاوت، وتفسير الدرّ المنثور: 2/ 5، من طرق كلّها متفاوتة.]] . ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ: طلب الشرك قاله الربيع، والسدي، وابن الزبير، ومجاهد: ابتغاء الشبهات واللبس ليضلّوا بها جهّالهم. وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ: تفسيره وعلمه دليله قوله تعالى: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً [[سورة الكهف: 78.]] . وقيل: ابتغاء عاقبته، وطلب مدة أجل محمّد، وأمته من حساب الجمل، دليله قوله تعالى ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [[سورة النساء: 59.]] أي عاقبته، وأصله من قول العرب: تأول الفتى إذا انتهى. قال: الأعشى: على أنّها كانت تأوّل حبها ... تأوّل ربعي السقاب فأصحبا [[الربعي: نتاج الربيع، وأصحب الرجل: إذا بلغ ابنه، والبيت في تفسير الطبري: 3/ 250.]] يقول: هذا السجي لها فانقرت لها وابتغتها، قال الله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ واختلف العلماء في نظم هذه الآية وحكمها. فقال قوم: الواو في قوله الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ واو العطف، يعني أن تأويل المتشابه يعلمه الله ويعلمه الراسخون في العلم وهم مع علمهم يقولون: آمَنَّا بِهِ. وهو قول مجاهد والربيع، ومحمد بن جعفر بن الزبير، واختيار القتيبي قالوا: معناها يعلمونه ويَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ فيكون قوله: يَقُولُونَ، حالا والمعنى: الراسخون في العلم قائلين آمنّا به. قال ابن المفرغ الحميري: أضربت حبك من امامه ... من بعد أيام برامه الريح تبكي شجوها ... والبرق يلمع في الغمامة [[تفسير القرطبي: 4/ 17، واحكام القرآن للجصّاص: 2/ 7.]] أراد والبرق لا معا في غمامه وتبكي شجوه أيضا، ولو لم يكن البرق يشرك الريح في البكاء لم يكن لذكر البرق ولمعانه معنى. ودليل هذا التأويل قوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [[سورة البقرة: 177.]] . ثم قال: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ [[سورة الحشر: 8.]] الآية. ثم قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ [[سورة الحشر: 9.]] : أي والذين تبؤوا الدار، ثم قال: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ. ثم أخبر عنهم أنّهم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا [[سورة الحشر: 10.]] الآية. ولا شك في أنّ قوله: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ عطف على قوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ ، وانّهم يشاركون للفقراء المهاجرين والأنصار في الفيء ويَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا من جملة الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ. فمعنى الآية وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ وهم مع استحقاقهم الفيء يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا [[سورة الحشر: 10.]] أي قائلين على الحال. فكذلك هاهنا في يَقُولُونَ رَبَّنا أي ويَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ. ومما يؤيد هذا القول أنّ الله تعالى لم ينزل كتابه إلّا لينتفع له مبارك، ويدل عليه على المعنى الذي اراده فقال: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [[سورة ص: 29.]] ، وقال: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [[سورة الشعراء: 195.]] . والمبين الظاهر، وقال: بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ [[سورة الأعراف: 52.]] . فوصف جميعه بالتفصيل والتبيين وقال: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [[سورة النحل: 44.]] . ولا يجوز أن تبيّن ما لا يعلم، وإذا جاز أن يعرفه الرسول ﷺ‎ مع قوله لا يعلمه إلّا الله، جاز أن يعرفه الربانيون من أصحابه. وقال: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [[سورة الأعراف: 3.]] ولا تؤمر باتّباع ما لا يعلم ولأنّه لو لم يكن للراسخين في العلم هذا لم يكن لهم على المعلمين والجهال فضل لأنهم ايضا يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا: ولأنّا لم نر من المفسرين على هذه الغاية [قوما] يوفقوا عن شيء من تفسير القرآن وقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلّا الله، بل أعزوه كله وفسروه حتى حروف التهجي وغيرها. وكان ابن عباس يقول: في هذه الآية: أنا من الراسخين في العلم. وقرأ مجاهد هذه الآية وقال: أنا ممّن يعلم تأويله. وروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلم ولا أعلم أربعة: غِسْلِينٍ، وحَناناً، والأوّاه، والترقيم. وهذا إنّما قال ابن عباس في وقت ثم علمها بعد ذلك وفسّرها. وقال آخرون: الواو في قوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ واو الاستئناف وتم الكلام، وانقطع عند قوله: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. ثم ابتدأ وقال: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ... وَالرَّاسِخُونَ أبتداء وخبره في يَقُولُونَ، وهذا قول عائشة وعروة بن الزبير، ورواية طاوس عن ابن عباس، واختيار الكسائي والفراء والمفضّل بن سلمة ومحمد بن جرير قالوا: إنّ الراسخين لا يعلمون تأويله، ولكنهم يؤمنون به. والآية راجعة على هذا التأويل الى العلم بما في أجل هذه الأمة ووقت قيام الساعة، وفناء الدنيا، ووقت طلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام) ، وخروج الدجال، ويأجوج ومأجوج، وعلم الروح ونحوها مما استأثر الله لعلمه ولم يطلع عليه أحد من خلقه. وقال بعضهم: [اعلم أنّ المتشابه من الكتاب قد] [[عن تفسير القرطبي: 4/ 18.]] أستأثر الله بعلمه دوننا، ونفسّره نحن، ولم نتعبد بذلك. بل ألزمنا العمل بأوامره واجتناب نواهيه، ومما يصدّق هذا القول قراءة عبد [[في معاني القرآن للنحاس أنّها قراءة ابن عباس (1/ 351) .]] الله أنّ تأويله لا يعلم إلّا عند الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به. وفي حرف [] [[كلمة غير مقروءة في المخطوط.]] الراسخون في العلم آمنّا به. ودليله أيضا ما روي عن عمر بن عبد العزيز، إنّه قرأ هذه الآية ثم قال: انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن الى أن قالوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [[تفسير الطبري: 3/ 249.]] . وقال أبو نهيك الأسدي: إنّكم تصلون هذه الآية وإنّها مقطوعة وهذا القول أقيس العربيّة وأشبه مظاهر الآية والقصة والله أعلم. والرَّاسِخُونَ: الداخلون في العلم الذين أتقنوا علمهم، واستنبطوه فلا يدخلهم في معرفتهم شك، وأصله من رسوخ الشيء في الشيء وهو ثبوته وأوجب فيه يقال: (رسخ الإيمان في القلب فلان) فهو يرسخ رسخا ورسوخا وكذلك في كل شيء ورسخ رصخ، وهذا كما يقال: مسلوخ ومصلوخ قال الشاعر: لقد رسخت في القلب منك مودة ... للنبي أبت آياتها أن تغيرا [[تفسير القرطبي: 4/ 19 وفيه: الصدر، بدل القلب.]] وقال بعض المفسّرين من العلماء: الراسخون علما: مؤمني أهل الكتاب، مثل عبد الله بن سلام و [ابن صوريا وكعب] . [قيل:] الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ هم بعض الدارسين علم التوراة. وروي عن أنس بن مالك [وأبي الدرداء وأبي أمامة] : أن رسول الله ﷺ‎ سئل من الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ؟ فقال: «من برّت يمينه، وصدق لسانه واستقام قلبه، وعف بطنه وفرجه، فذلك الراسخ في العلم» [7] [[المعجم الكبير: 8/ 152، وتفسير الطبري: 3/ 251.]] . وقال وهيب: سمعت مالك بن أنس يسأل عن تفسير قوله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ من هم؟ قال: العالم العامل بما علم تبع له. وقال نافع بن يزيد: كما أن يقال الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ المؤمنون بالله، المتذللون في طلب مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم، ولا [يحقّرون] من دونهم [[تفسير ابن كثير: 1/ 356.]] . وقال بعضهم: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ: من وجد في عمله أربعة أشياء: التقوى بينه وبين الله تعالى، والتواضع بينه وبين الخلق، والزهد بينه وبين الدنيا، والمجاهدة بينه وبين نفسه [[فغني المحتاج: 3/ 60.]] . وقال ابن عباس ومجاهد والسدي بقولهم: (آمَنَّا بِهِ) سمّاهم الله تعالى: الراسخين في العلم فرسوخهم في العلم قولهم: آمَنَّا بِهِ أي بالمتشابه كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، ما علمناه وما لم نعلمه. قال المبرد: زعم بعض الناس أن (عِنْدِ) هاهنا صلة ومعناه كل من ربّنا. وَما يَذَّكَّرُ: يتعظ بما في القرآن. إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ: ذووا العقول ولبّ كل شيء خالصه [فلذلك قيل للعقل لب] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب