الباحث القرآني

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً بيان وبرهان وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ نزلت في النضر بن الحرث ثانِيَ عِطْفِهِ نصب على الحال. قال ابن عباس: مستكبرا في نفسه، تقول العرب: جاء فلان ثاني عطفه أي متجبّرا لتكبّره وتجبّره، والعطف: الجانب. الضحّاك: شامخا بأنفه، مجاهد وقتادة: لاويا [[في المخطوط: لاوي.]] عنقه، عطيّة وابن زيد: معرضا عمّا يدعى إليه من الكبر. ابن جريج: أي يعرض عن الحقّ نظيرها قوله سبحانه وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً [[سورة لقمان: 7.]] الآية، وقوله وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ الآية. لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ عذاب وهوان وهو القتل ببدر. وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ فيقال له يومئذ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وهذا وأضرابه مبالغة في إضافة الجرم إليه. وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فيعذّبهم بغير ذنب وهو سبحانه على أي وجه تصرّف في عبده فإنّه غير ظالم، بل الظالم: المتعدّي المتحكّم في غير ملكه. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ الآية. نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله ﷺ‎ المدينة مهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة، فإن صحّ بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته غلاما وكثر ماله وماشيته رضي به واطمأنّ إليه وقال: ما أصبت مذ دخلت في ديني هذا إلا خيرا، وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه وذهب ماله وتأخّرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت مذ كنت على دينك هذا إلّا شرّا، فينقلب عن دينه، وذلك الفتنة، فأنزل الله سبحانه وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ أي طرف واحد وجانب في الدين لا يدخل فيها على الثبات والتمكين، والحرف: منتهى الجسم، وقال مجاهد: على شكّ. وقال بعض أهل المعاني: يريد على ضعف في العبادة كضعف القائم على حرف مضطربا فيه. وقال بعضهم: أراد على لون واحد في الأحوال كلّها يتّبع مراده، ولو عبدوا الله في الشكر على السرّاء والصبر على الضرّاء لما عبدوا الله على حرف [[في النسخة الثانية: على خوفه.]] . وقال الحسن: هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه. فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ صحة في جسمه وسعة في معيشته اطْمَأَنَّ بِهِ أي رضي واطمأن إليه وأقام عليه. وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ بلاء في جسمه وضيق في معاشه وتعذّر المشتهى من حاله انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ارتدّ فرجع إلى وجهه الذي كان عليه من الكفر خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ وقرأ حميد الأعرج ويعقوب: خاسر الدنيا بالألف على مثال فاعل، وَالْآخِرَةِ خفضا، على الحال. ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الضرر الظاهر يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ إن عصاه وَما لا يَنْفَعُهُ إن أطاعه بعد إسلامه راجعا إلى كفره ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ذهب عن الحق ذهابا بعيدا. يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ اختلف النحاة في وجه هذه اللام فقال بعضهم: هي صلة مجازها: يدعو من ضرّه أقرب من نفعه، وهكذا قرأها ابن مسعود، وزعم الفرّاء والزجّاج أنّ اللام معناها التأخير تقديرها: يدعو والله لمن ضرّه أقرب من نفعه. وقال بعضهم: هذا على التأكيد معناه: يدعوا لمن ضرّه أقرب من نفعه يدعو ثم حذفت يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى، ولو قلت: تضرب لمن خيره أكثر من شرّه تضرب، ثمّ يحذف الأخير جاز. وحكي عن العرب سماعا: أعطيتك لما غيره خير منه، وعنده لما غيره خير منه. وقيل: (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ) من قوله ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، وموضع ذلِكَ نصب ب (يَدْعُوا) كأنّه قال: الذي هو الضلال البعيد يدعو، ثم استأنف فقال: لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، وتكون من في محل الرفع بالابتداء وخبره لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ. وقيل: يَدْعُوا بمعنى يقول، والخبر محذوف تقديره: لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ إلهه لَبِئْسَ الْمَوْلى الناصر، وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ المعاشر، والصاحب والخليط يعني الوثن. إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ اختلفوا في المعنى بالهاء التي في قوله يَنْصُرَهُ، فقال أكثر المفسّرين: عنى بها نبيّه ﷺ‎، قال قتادة: يقول: من كان يظنّ أن لن ينصر الله نبيّه فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ بحبل إِلَى السَّماءِ إلى سقف البيت فليختنق به حتى يموت ثُمَّ لْيَقْطَعْ الحبل بعد الاختناق فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ صنيعه وحيلته ما يَغِيظُ هذا قول أكثر أهل التأويل، وإنّما معنى الآية: فليصوّر هذا الأمر في نفسه وليس يختم لأنّه إذا اختنق ومات لا يمكنه القطع والنظر. قال الحسين بن الفضل: هذا كما تقول في الكلام للحاسد أو المعاند: إن لم ترض هذا فاختنق. وقال ابن زيد: السماء في هذه الآية هي السماء المعروفة بعينها، وقال: معنى الكلام: من كان يظن أن لن ينصر الله نبيّه ويكايده في دينه وأمره ليقطعه عنه، فليقطع ذلك من أصله من حيث يأتيه فإنّ أصله في السماء، فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ عن النبي ﷺ‎ الوحي الذي يأتيه من الله، فإنه لا يكايده حتى يقطع أصله عنه، فلينظر هل يقدر على إذهاب غيظه بهذا العمل. وذكر أنّ هذه الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان تباطؤوا عن الإسلام وقالوا: نخاف أن لا ينصر محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا ولا يؤووننا، فقال الله لهم: من استعجل من الله نصر محمد فليختنق، فلينظر استعجاله بذلك في نفسه هل هو مذهب غيظه، فكذلك استعجاله من الله نصر محمد غير مقدم نصره قبل حينه. وقال مجاهد: الهاء في ينصره راجعة إلى من، ومعنى الكلام: من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى سماء البيت فليختنق، فلينظر هل يذهبن فعله ذلك ما يغيظ وهو خنقه أن لا يرزق، والنصر على هذا القول: الرزق، كقول العرب: من ينصرني نصره الله أي من يعطني أعطاه الله. قال أبو عبيد: تقول العرب: «أرض منصورة» أي ممطورة كأن الله سبحانه أعطاها المطر. وقال الفقعسي [[في النسخة الثانية: وقال الشاعر.]] : وإنّك لا تعطي امرأ فوق حقّه ... ولا تملك الشقّ الذي الغيث ناصر [[تفسير القرطبي: 12/ 22.]] وفي قوله «ما يَغِيظُ» لأهل العربيّة قولان: أحدهما: أنّها بمعنى الذي مجازة هل يذهبن كيده الذي يغيظه فحذف الهاء ليكون أخفّ. والثاني: أنّها مصدر، مجازه: هل يذهبن كيده غيظه. وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يعني عبدة الأوثان، وقال قتادة: الأديان خمسة: أربعة للشيطان وواحد للرحمن. إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ يحكم بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ قال النحاة: «إِنَّ اللَّهَ» خبر لقوله «إِنَّ الَّذِينَ» كما تقول: إنّ زيدا ان الخير عنده لكثير، كقول الشاعر: إنّ الخليفة إن الله سربله ... سربال ملك به ترجى الخواتيم [[لسان العرب: 12/ 164.]] أَلَمْ تَرَ بقلبك وعقلك أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ. قال مجاهد: سجودها: تحوّل ظلالها، وقال أبو العالية: ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلّا يقع لله ساجدا حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حين يرجع إلى مطلعه. وقال أهل الحقائق: سجود الجماد وما لا يعقل ما فيها من ذلّة الخضوع والتسخير وآثار الصنعة والتصوير الذي يدعو العاقلين إلى السجود لله سبحانه، كما قال الشاعر: وفي كلّ شيء له آية ... تدلّ على أنّه واحد [[تاج العروس: 9/ 398.]] وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ بكفره وهو مع ذلك يسجد لله ظلّه، قال مجاهد: وقيل: يسجد لله أي يخضع له ويقرّ له بما يقتضيه عقله ويضطره إليه، وإن كفر بغير ذلك من الأمور. قالوا: وفي قوله وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ واو العطف. وقال بعضهم: هو واو الاستئناف، معناه: وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ بكفره وإبائه السجود. حكى لي أبو القاسم بن حبيب عن أبي بكر بن عياش أنّه قال: في الآية إضمار مجازها: وسجد كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَأبى كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ. وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ أي يهنه الله فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ قرأه العامة بكسر الراء، وقرأ إبراهيم بن أبي عيلة [[في النسخة الثانية: ابن عيلة.]] : فَما لَهُ مِنْ مُكْرَمٍ بفتح الراء أي إكرام كقوله سبحانه أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [[سورة الإسراء: 80.]] وأَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً [[مسند أحمد: 2/ 314.]] أي إدخالا وإنزالا. إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب