الباحث القرآني

الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ أي بالفقر فحذف الباء كقول الشاعر: أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نسب [[تفسير الطبري: 9/ 101.]] ويقال: وعدته خيرا ووعدته شرّا، قال الله تعالى في الخير: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها [[سورة الفتح: 20.]] وفي الشر: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [[سورة الحج: 72.]] فإذا لم يذكر الخير والشرّ قلت في الخير: وعدته، وفي الشر: أوعدته وأنشد أبو عمرو: وإنّي وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف أيعادي ومنجز موعدي [[لسان العرب: 14/ 223.]] والفقر: سوء الحال وقلّة اليد، وفيه لغتان: الفقر والفقر كالضعف والضعف. وأصله من كسر الفقار، يقال: رجل فقّار وفقير، أي مكسور فقار الظهر. قال الشاعر: وإذا تلسنني ألسنتها ... إنني لست بموهون فقر [[تاج العروس: 9/ 334.]] ومعنى الآية: إنّ الشيطان يخوّفكم بالفقر ويقول للرجل أمسك مالك فإن تصدّقت افتقرت. وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ أي البخل ومنع الزكاة. وزعم مقاتل [بن حيان] أنّ كلّ فحشاء في القرآن فهو الزنا إلّا في هذه الآية. وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ أي يجازيكم، وعد الله إلهام وتنزيل، ووعد الشيطان وساوس وتخيّل. مَغْفِرَةً مِنْهُ لذنوبكم وَفَضْلًا أي رزقا وخلفا وَاللَّهُ واسِعٌ غني عَلِيمٌ يقال: مكتوب في التوراة: عبدي أنفق من رزقي، أبسط عليك من فضلي. يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ قال السدي: هي النبوّة. ابن عباس وقتادة وأبو العالية: علم القرآن: ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدّمه ومؤخّره، وحلاله وحرامه. الضحاك: القرآن والحكم فيه. وقال: في القرآن مائة وتسع آيات ناسخة ومنسوخة، وألف [آية] [[في المخطوط: آيات.]] حلال وحرام، ولا يسع المؤمنين تركهن حتّى يتعلّموهن فيعلموهن، ولا تكونوا كأهل النهروان تأوّلوا آيات من القرآن في أهل القبلة وإنّما نزلت في أهل الكتاب، جهلوا علمها فسفكوا بها الدماء وشهدوا علينا بالضلال وانتهبوا الأموال. فعليكم بعلم القرآن فإنّه من علم فيما أنزل لم يختلف في شيء منه نفع وأنتفع به. مجاهد: أما أنّها ليست بالنبوّة ولكنّها القرآن والعلم والفقه. وروى ابن أبي نجيح: الإصابة في القول والفعل. ابن زيد: العقل. ابن المقفّع: كلّ قول أو فعل شهد العقل بصحّته. إبراهيم: الفهم. عطاء: المعرفة بالله عزّ وجلّ. ربيع: خشية الله. سهل بن عبد الله التستري: الحكمة: السنة. وقال بعض أهل الإشارة: العلم الرباني. وقيل: إشارة بلا علّة، وقيل: إشهاد الحق تعالى على جميع الأحوال. أبو عثمان: هو النور المفرّق بين الإلهام والوسواس. وقيل: تجريد السرّ لورود الإلهام. القاسم: أن يحكم عليك خاطر الحق ولا تحكم عليك شهوتك. بندار بن الحسين وقد سئل عن قوله تعالى يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ. فقال: سرعة الجواب مع إصابة الصواب. وقال أهل اللغة: كلّ فضل جرّك من قول أو فعل وهي أحكام الشيء المفضّل. [ ... ] [[كلمة غير مقروءة في المخطوط.]] الحكمة الرد إلى الصواب، وحكمة الدابة من ذلك لأنّها تردّها إلى القصد. منصور بن عبد الله قال: سمعت الكتابي يقول: إنّ الله بعث الرسل بالنصح لأنفس خلقه، فأنزل الكتب لتنبيه قلوبهم وأنزل الحكمة لسكون أرواحهم، والرسول داع إلى الله، والكتاب داع إلى أحكامه، والحكمة مشيرة إلى فضله. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ قرأ الربيع بن خيثم: توتي الحكمة ومن تؤت الحكمة بالتاء فيها. وقرأ يعقوب وَمَنْ يُؤْتِ بكسر التاء أراد من يؤته الله. وقرأ الباقون وَمَنْ يُؤْتَ بفتح التاء على الفعل المجهول. ومَنْ في محل الرفع على اسم ما لم يسم فاعله، والحكمة خبرها. الحسن بن دينار عن الحسن في قوله: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ هو الورع في دين الله عزّ وجلّ. فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ يتعظ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ ذوي العقول، واللب من العقل ما صفا من دواعي الهوى. وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ فيما فرض الله عليكم أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ أو ما أوجبتموه أنتم على أنفسكم فوفّيتم به. والنذر نذران: نذر في الطاعة، ونذر في المعصية. فإذا كان لله فالوفاء به واجب وفي تركه الكفّارة، وما كان للشيطان فلا وفاء ولا كفارة. فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ويحفظه حتّى يجازيكم به. وإنّما قال يَعْلَمُهُ ولم يقل يعلمها لأنّه ردّه إلى الآخر منها كقوله وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً [[سورة النساء: 12.]] . قاله الأخفش، وإن شئت حملته على ما، كقوله تعالى: ما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [[سورة البقرة: 231.]] ولم يقل بها. وَما لِلظَّالِمِينَ الواضعين النفقة والنذر في غير موضعها بالرياء والمعصية مِنْ أَنْصارٍ أعوان يدفعون عذاب الله عزّ وجلّ عنهم، والأنصار: جمع نصير، مثل شريف وأشراف وحبيب وأحباب. إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وذلك أنهم قالوا: يا رسول الله صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فأنزل الله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ أي تظهروها وتعلنوها فَنِعِمَّا هِيَ أي نعمت الخصلة هي. وما في محل الرفع وهِيَ لفظ في محل النصب كما تقول: نعم الرجل رجلا، فإذا عرفت رفعت فقلت: نعم الرجل زيد. فأصله نعم ما فوصلت وأدغمت، وكان الحسن يقرأها فنعم ما مفصولة على الأصل، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع غير ورش وعاصم برواية أبي بكر. وأبو عمرو وأبو بحرية: فنِعْما بكسر النون وجزم العين ومثله في سورة النساء، واختاره أبو عبيدة ذكر أنّها لغة النبي ﷺ‎ قال لعمر بن العاص: «نعمّا بالمال الصالح للرجل الصالح» [[مسند أحمد: 4/ 202.]] هكذا روي في الحديث. وقرأ ابن عامر ويحيى بن ثابت والأعمش وحمزة والكسائي وخلف بفتح النون والعين فيهما. وقرأ طلحة وابن كثير ويعقوب وأيوب بكسر النون والعين واختاره أبو حاتم، وهي لغات صحيحة، ونعم ونعم لغتان جيدتان، ومن كسر النون والعين اتبع الكسرة الكسرة لئلا يلتقي ساكنان: سكون العين وسكون الإدغام. وَإِنْ تُخْفُوها تسرّوها وَتُؤْتُوهَا تعطوها الْفُقَراءَ في السر فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وأفضل، وكلّ مقبول إذا كانت النيّة صادقة ولكن صدقة السر أفضل. وفي الحديث: «صدقة السر تطفي غضب الرب وتطفي الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وتدفع سبعين بابا من البلاء» . حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ‎: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العدل، وشاب نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ، ورجل قلبه معلّق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال: إنّي أخاف الله تعالى، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لم تعلم يمينه ما ينفق شماله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» [[السنن الكبرى: 4/ 190.]] [193] . وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ شهر بن حوشب عن ابن عباس أنّه قرأ وَيُكَفِّرُ بالياء والرفع على معنى يكفّر الله. وقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو ويعقوب: بالنون ورفع الراء على الاستئناف، أي نحن نكفّر على التعظيم. وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع والأعمش وحمزة والكسائي وأيوب وأبو حاتم: بالنون والجزم معا على الفاء التي في قوله فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لأن موضعها جزم الجزاء. مِنْ سَيِّئاتِكُمْ أدخل (من) للتبعيض، وعلّته: المشيئة ليكون العباد فيها على وجل ولا يتّكوا. وقال نحاة البصرة: معناه: الاسقاط، تقديره: ونكفّر عنكم سيئاتكم. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ وقال أهل هذه المعاني: هذه الآية في صدقة التطوّع لإجماع العلماء ان الزكاة المفروضة إعلانها أفضل كالصلاة المكتوبة. فالجماعة أفضل من أفرادها وكذلك سائر الفرائض لمعنيين: أحدهما ليقتدي به الناس. والثاني إزالة التهمة لئلّا يسيء الناس به الظن ولا رياء في الغرض، فأمّا النوافل والفضائل فإخفاؤها أفضل لبعدها من الرياء والآفات، يدل عليه ما روى عمّار الذهبي عن أبي جعفر أنّه قال في قوله إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ قال: يعني الزكاة المفروضة، وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ يعني التطوّع. وعن معد بن سويد الكلبي يرفعه: إنّ النبيّ ﷺ‎ سئل عن الجهر بالقراءة والإخفاء بها فقال: «هي بمنزلة الصدقة فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» . كثير بن مرّة عن عقبة بن عامر عن النبيّ ﷺ‎ قال: «المسرّ بالقرآن كالمسر بالصدقة والجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة» [194] [[المعجم الأوسط: 3/ 304.]] . وروى علي بن طلحة عن ابن عباس في هذه قال: جعل الله عزّ وجلّ صدقة التطوّع في السر تفضل علانيتها بسبعين ضعفا، وصدقة الفريضة تفضل علانيتها بخمسة وعشرين ضعفا، وكذلك جميع الفرائض والنوافل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب