الباحث القرآني

وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس: نزلت في كفّار قريش قالوا: يا محمّد صف وأنسب لنا ربّك فأنزل الله تعالى سورة الإخلاص وهذه الآية. جويبر عن الضحّاك عن ابن عبّاس قال: كان للمشركين في الكعبة ثلاثمائة وستون صنما يعبدون من دون الله إفكا وشرّا فبيّن الله تعالى لهم إنّه واحد فأنزل: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. سعيد عن أبي الضحى: قال: لمّا نزلت هذه الآية عجب المشركون وقالوا: إنّ محمّدا يقول إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فليأتنا بآية إن كان من الصّادقين فأنزل الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي تعاقبهما في الذهاب والمجيء والاختلاف: الافتعال من خلف يخلف خلوفا يعني إنّ كل واحد منهما إذا ذهب أحدهما جاء آخر خلافه أي: بعده، نظير قوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً [[سورة الفرقان: 62.]] . عطاء وابن كيسان: أراد في اختلاف الليل والنّهار في اللّون والطّول والقصر والنّور والظلمة والزيادة والنقصان يكون أحدهما على الآخر، والليل جمع ليلة مثل تمرة وتمر ونحلة ونحل، واللّيالي جمع الجمع والنّهار واحد وجمعه نهر. قال الشّاعر: لولا الثّريدان هلكنا بالضّمر ... ثريد ليل وثريد بالنّهر [[مجمع البيان: 1/ 448.]] وقدّم الليل على النّهار بالذكر لأنّه الأصل والأقدام قال الله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [[سورة يس: 37.]] . خلق الله تعالى الأرض مظلمة ثمّ خلق الشمس والقمر وهذا كتقديمه الصّوامع والبيع والصلوات على المساجد. وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ يعني السفن واحدة وجمعه سواء قال الله تعالى: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. وقال في الجمع: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ يذكّر ويؤنّث قال الله تعالى: الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وقال في التأنيث الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ فالتذكير على الفظ الواحد والتأنيث على معنى الجمع. بِما يَنْفَعُ النَّاسَ يعني ركوبها والحمل عليها في التجارات والمكاسب وانواع المطلب. وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ يعني المطر. فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها بعد يبوستها وجدوبتها. وَبَثَّ نشر وفرّق. فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ أي يقلّبها قبولا ودبورا وشمالا وجنوبا. وقيل: تصريفيها مرّة بالرحمة ومرّة بالعذاب. وقرأ حمزة والأعمش والكسائي وخلف: الرّيح بغير ألف على الواحد وقرأ الباقون: الرِّياحِ بالجمع. قال ابن عبّاس: الرّياح للرحمة والريح للعذاب، وعن النبيّ ﷺ‎: إذا هاجت الريح يقول: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» [16] [[الفائق في غريب الحديث للزمخشري: 2/ 65، وتاج العروس: 2: 148.]] . والرّيح يذكر ويؤنث. وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ أي الغيم المذلّل بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ سمّي سحابا لأنّه يسحب أي يسير في سرعته كأنّه يسحب: أي يجرّ. لَآياتٍ دلالات وعلامات. لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فيعلمون إنّ لهذه الأشياء خالقا وصانعا. قال رسول الله ﷺ‎: «ويل لمن قرأ هذه الآية فمجّ بها» [17] [[تفسير القرطبي: 2/ 201، وتاج العروس: 2/ 97.]] . أي لم يتفكّر فيها ولم يعتبر بها. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ يعني الأصنام المعبودة من دون الله قال أكثر المفسّرين. وقال السّدي: ساداتهم وقاداتهم الّذين كانوا يطيعونهم في معصية الله ف يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ أي كحبّ المؤمنين الله، وهذا كما يقال: بعت غلامي كبيع غلامك يعني: كبيعك غلامك. وأنشد الفرّاء: ولست مسلّما ما دمت حيّا ... على زيد كتسليم الأمير [[مجمع البيان: 1/ 463.]] أي كتسليمي على الأمير هذا قول أكثر العلماء، وقال ابن كيسان والزجّاج: تقدير الآية: يحبّونهم كحبّهم الله يعني أنّهم يسوّون بين هذه الأصنام وبين الله في المحبّة ثمّ قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ قال ابن عبّاس: أثبت وأدوم وذلك إن المشركين كانوا يعبدون صنما فإذا رأوا شيئا أحسن منه تركوا ذلك الوثن وأقبلوا على عبادة الأحسن. عكرمة: أَشَدُّ حُبًّا في الآخرة. قتادة: إنّ الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء ويقبل على الله عزّ وجلّ لقوله: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [[سورة العنكبوت: 65.]] . قوله تعالى: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [[سورة الإسراء: 67.]] . والمؤمن لا يعرض عن الله في الضّراء والسرّاء والرّخاء والبلاء ولا يختار عليه سواه. الحسن: إنّ الكافرين عبدوا الله بالواسطة وذلك قولهم للأصنام: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [[سورة يونس: 18.]] . وقوله: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [[سورة الزمر: 3.]] . والمؤمنون يعبدونه بلا واسطة ولذلك قال عزّ من قائل: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. سعيد بن جبير: إنّ الله يأمر يوم القيامة من أحرف نفسه في الدّنيا على رؤية الأصنام أن يدخلوا جهنّم مع أصنامهم فيأتون لعلمهم إنّ عذاب جهنم على الدّوام ثمّ يقول للمؤمنين بين أيدي الكافرين: إنّ كنتم أحبّائي لا تحبّون النّار فينادي مناد من تحت العرش وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. وقيل: لأنّ حبّ المشركين لأوثانهم مشترك لأنّهم يحبّون الأنداد الكثيرة وحبّ المؤمنين لربّهم غير مشترك لأنّهم يحبّون ربّا واحدا، وقيل: لأنّ حبّهم هوائي وحبّ المؤمنين عقلي. وقيل إنّ حبّهم للأصنام بالتقليد وحبّ المؤمنين لله تعالى بالدّليل والتمييز. وقيل: لأنّ الكافرين يرون معبودهم ومصنوعهم والمؤمنون يرون الله تعالى صانعهم، وقيل: لأنّ المشركين أحبّوا الأصنام وعاينوها والمؤمنون يحبّون الله ولم يعاينوه بل آمنوا بالغيب في الغيب للغيب. وقيل: إنّما قال وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ لأنّ الله أحبّهم أوّلا ثمّ أحبّوه ومن شهد له المعبود بالمحبّة كان محبّته أتم وأصح. قال الله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [[سورة المائدة: 54.]] . وقرأ أبو رجاء العطاردي: يَحبونهم بفتح الياء وهي لغة يقال: حببت الرجل فهو محبوب قال الفرّاء أنشدني أبو تراب: أحبّ لحبّها السّودان حتّى ... حببت لحبّها سواد الكلاب وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا قرأ أبو عبد الرحمن وأبو رجاء والحسن وأبو جعفر وشيبه ونافع وقتادة والأعرج وعمرو بن ميمون وسلام ويعقوب وأيّوب وابن عبّاس ولو ترى بالتّاء: أي تبصر يا محمّد وقرأ الباقون بالياء. فمن قرأ بالتّاء فهو خطاب للنبيّ ﷺ‎ والجواب محذوف تقديرها ولو ترى: أي تبصر يا محمّد الَّذِينَ ظَلَمُوا: أشركوا. إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ لرأيت أمرا عظيما ولعلمت ما يصيرون إليه أو لتعجّبت منه، ومن قرأ بالياء فمعناه: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم عند رؤية العذاب لعلموا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أو لآمنوا أو لعلموا مضرّة الكفر ونظير هذه الآية من المحذوف الجواب قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ [[سورة الرعد: 31.]] الآية: يعني لكان هذا القرآن وهو كما يقول: لو رأيت فلانا والسّياط تأخذه. فتستغني عن الجواب لأنّ المعنى مفهوم إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ. وقرأ أبو البرخثم وابن عامر: يُرون بضم الياء على التعدي [[راجع تفسير القرطبي: 2/ 205 ونسبه لابن عمر وحده.]] ، وقرأ الآخرون بفتحها على اللزوم. أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً قرأ الحسن وقتادة وأبو جعفر وشيبة وسلام ويعقوب: إنّ القوّة وإن الله بكسر الألف فيهما على الاستئناف. والكلام تام عند قوله يَرَوْنَ الْعَذابَ مع إضمار الجواب، كما ذكرنا. وقرأ الباقون: بفتحها على معنى بانّ القوّة وبانّ الله، وقيل: معناه ليروا أنّ القوّة لله. أي لأيقنوا وعاينوا. قال عطاء: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا يوم القيامة إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ حين تخرج إليهم جهنم من مسيرة خمسمائة عام لتلتقطهم كما يلتقط الحمام الحبّة لعلموا أَنَّ الْقُوَّةَ والقدرة والملكوت والجبروت لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب