الباحث القرآني

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ يعني من كان بعد قوم نوح وعاد وثمود. وكان ابن مسعود يقرأها: وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ثم يقول كذب النسابون جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ. قال ابن مسعود: يعني عضوا على أيديهم غيظا. قال ابن زيد وقرأ: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [[سورة آل عمران: 119.]] . ابن عباس: لما سمعوا كتاب الله عجبوا فرجعوا بأيديهم إلى أفواههم. مجاهد وقتادة: كذبوا الرسل وردّوا ما حلوا به. الأخفش وأبو عبيدة: أي تركوا ما أمروا به وكفوا عنه ولم يمضوه ولم يؤمنوا. تقول العرب للرجل إذا أمسك عن الجواب فلم يجب وسكت: قد ردّ يده في فيه. قال القيسي: إنا لم نسمع واحدا من العرب يقول ردّ يده في فيه إذا ترك ما أمر به وإنما المعنى إنهم عضوا على الأيدي حيفا وغيظا. كقول الشاعر: تردون في فيه غش الحسود [[تفسير القرطبي: 9/.]] يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أنامله العشر وقال الهذلي: قد أفنى أنامله أزمة ... فأضحى يعض على الوظيفا [[لسان العرب: 15/ 424.]] الوظيف يعني الذراع والساق، واختار النحاس هذا القول لقوله تعالى وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [[سورة آل عمران: 119.]] . وأنشد لو أن سلمى أبصرت تخددي ... ودقة في عظم ساقي ويدي وبعد أهلي وجفاء عودي ... عضت من الوجد بأطراف اليد [[لسان العرب: 14/ 348، ومعاني القرآن للنحاس: 3/ 530.]] قال الكلبي: يعني من الأمم ردّوا بأيديهم إلى أفواههم أي في أفواه أنفسهم إشارة إلى الرسل إن اسكتوا. مقاتل: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ على أفواه الرسل حين يسكتونهم بذلك وَقالُوا يعني الأمم للرسل، إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ موجب الريبة موقع للتهمة قالَتْ رُسُلُهُمْ إلى قوله تعالى مِنْ ذُنُوبِكُمْ من تعجله وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني الموت فلا يعاجلكم بالعذاب والعقاب قالُوا الرسل إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا في الصورة والهيئة ولستم بملائكة وإنما يريدون بقولكم أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي بينة على صحة دعواكم، والسلطان في القرآن على وجهين وجه ملائكة ووجه بينة كقوله وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ [[سورة إبراهيم: 22.]] وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ [[سورة سبأ: 21.]] فصحة قوله إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ [[سورة يونس: 68.]] بهذا وقوله: فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ [[سورة إبراهيم: 10.]] . قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بالنبوة والحكمة إلى قوله وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا بيّن لنا الرشد وبصرنا طريق النجاة، وَلَنَصْبِرَنَّ اللام للقسم مجازه لنصبرن عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى قوله تعالى فِي مِلَّتِنا يعنون الآن ترجعوا وحتى ترجعوا إلى ديننا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد هلاكهم ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي أي مقامه وقيامه بين يدي، فأضاف قيام العبد إلى نفسه، كما يقول يذهب على ضربك أي ضربي إياك، وسوف رويتكك أي برويتي إياك. قال الله وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [[سورة الواقعة: 82.]] أي رزقي إليكم فإن شئت قلت ذلك لمن يخاف قيامي عليه ومراقبتي له، مثاله قوله أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [[سورة الرعد: 33.]] . وقال الأخفش: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي أي عذابي. وَخافَ وَعِيدِ وَاسْتَفْتَحُوا واستنصروا الله عليها [[تفسير الطبري: 13/ 253.]] . قال ابن عباس ومقاتل: يعني الأمم، وذلك أنهم قالوا: اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا، نظيره قوله تعالى ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [[سورة العنكبوت: 29.]] وقالوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ [[سورة الأنفال: 32.]] الآية. وقال مجاهد وقتادة: يعني الرسل وذلك أنهم لما تبينوا من إيمان قومهم استنصروا عدوّهم ودعوا على قومهم بالعذاب. بيانه قوله تعالى في قصة نوح ولوط وموسى وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ. مجاهد: معاند للحق ويجانبه. وقال إبراهيم: الناكب عن الحق. ابن عباس: المعرض. وقتادة: العنيد الذي لا يقول لا إله إلّا الله. مقاتل: المستكبر. ابن كيسان: الشامخ بالحق. ابن زيد: المخالف للحق. والعرب تقول: شر الإبل العنيد الذي يخرج من الطريق خيره، المريد العاصي، ويقال عند العرب إذا لم يرقا دمه [[كذا في المخطوط.]] . وقال أهل المعاني: المعاند والعنيد هو المعارض لك بالخلاف وأصله من العند وهو الناحية. قال الشاعر: إذا نزلت فاجعلوني وسطا ... إني كبير لا أطيق العندا [[تاج العروس: 1/ 108.]] مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ يعني أمامه وقدامه كما يقال: إن الموت من ورائك. قال الله وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ [[سورة الكهف: 79.]] . قال الشاعر: أتوعدني وراء بني رياح ... كذبت لتقصرن يداك دوني [[تفسير الطبري: 13/ 169، ولسان العرب: 15/ 390.]] أي قدامهم. أبو عبيدة: من الأضداد. وقال الأخفش: هو كما يقال هذا الآخر من ورائك أي سوف يأتيك وأنا من وراء فلان يعني أصل إليه [[راجع تفسير القرطبي: 9/ 350. 351.]] . وقال الشاعر: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب [[المعني: 1/ 152.]] وقال بعضهم إنما يجوز هذا في الأوقات لأن الوقت يمر عليك فيصير إن أخرته خلفك. مقاتل: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ يعني بعده. وكان أستاذنا أبو القاسم الحبيبي يقول: الأصل في هذا أنّ كل ما ورائي عندك شيء من خلفك وقدام فهو [....] [[كلمة غير مقروءة.]] ، وَيُسْقى مِنْ ماءٍ ثم بين ذلك لنا فقال صَدِيدٍ وهو القيح والدم. قتادة: هو ما يخرج من بين جلد الكافر ولحمه. محمد بن كعب والربيع بن أنس: هو غسالة أهل النار وذلك ما يسيل من ابن الزنا يسقى الكافر يَتَجَرَّعُهُ يتحساه ويشربه ويجرع لا بمرة واحدة لمرارته وحرارته وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ لا يكاد أستقبله مجازه ولا يستسيغه كقوله لَمْ يَكَدْ يَراها [[سورة النور: 40.]] أي لم يرها. قال ابن عباس: لم يحبوه، وقيل لا يحبّونه. وروى أبو أمامة عن النبي ﷺ‎ في هذه الآية يعطى إليه فيكرهه فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه فقطع أمعاءه وحتى يخرج من دبره. يقول الله وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ [[سورة محمد: 15.]] وقال يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ [[سورة الكهف: 29.]] وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ من أعضائه فيجد ألم الموت وسقمه. وقال إبراهيم التيمي: حتى من تحت كل شعرة في جسده. الضحاك: حتى من إبهام رجله. الأخفش: يعني البلايا التي تصيب الكافر في النار سمّاها موتا. وَما هُوَ بِمَيِّتٍ ولا يخرج نفسه فيستريح. وقال ابن جريج: تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ولا يرجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة، نظيره قوله لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى [[سورة طه: 74.]] وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ شديد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب