الباحث القرآني

تِلْكَ الذي ذكرت مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ يا محمد وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا من قبل إخباري إياك فَاصْبِرْ على القيام بأمر الله وتبليغ رسالته وما تلقى من أذى الكفار كما صبر نوح إِنَّ الْعاقِبَةَ آخر الأمر بالسعادة والظفر والمغفرة لِلْمُتَّقِينَ كما كان لمؤمني قوم نوح وسائر الأمم. وَإِلى عادٍ أي فأرسلنا إلى عاد أَخاهُمْ هُوداً في النسب لا في الدين قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحّدوا الله وأكثروا العبادة في القرآن بمعنى التوحيد ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ما أنتم في إشراككم معه الأوثان إلّا كاذبون. يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على تبليغ الرسالة ولا أبتغي جعلا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي والفطرة ابتداء الخلقة أَفَلا تَعْقِلُونَ وذلك أن الأمم قالت للرسل: ما تريدون إلّا أن تأخذوا أموالنا فقالت الرسل لهم هذا. وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ أي آمنوا به يغفر لكم، والاستغفار هنا بمعنى الإيمان ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ من عبادتكم غيره وسالف ذنوبكم، وقال الفرّاء: معناه وتوبوا إليه لأن التوبة استغفار والاستغفار توبة. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً متتابعا، وقال مقاتل بن حيان وخزيمة بن كيسان: غزيرا كثيرا. وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ شدّة مع شدّتكم، وذلك أن الله حبس عنهم القطر في سنين وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين فقال لهم هود: إن آمنتم أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد. وَلا تَتَوَلَّوْا ولا تدبروا مشركين قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ بيان وبرهان على ما تقول فنقر ونسلّم لك وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ أي بقولك، والعرب تضع الباء موضع عن، وعن موضع الباء. وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ بمصدّقين إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ يعني لست تتعاطى ما تتعاطاه من مخالفتنا وسبّ آلهتنا إلّا أن بعض آلهتنا اعتراك وأصابك بسوء، بل جنون، وهذيان، هو الذي يحملك على ما تقول وتفعل، ولا نقول فيك إلّا هذا ولا نحمل أمرك إلّا على هذا، فقال لهم هود: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ على نفسي وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ يعني الأوثان فَكِيدُونِي جَمِيعاً فاحتالوا جميعا في ضرّي ومكري أنتم وأوثانكم ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها. قال الضحاك: يحييها ويميتها، قال الفرّاء: مالكها والقادر عليها، قال القتيبي: يقهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته، قال ابن جرير: إنما خصّ الناصية لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنسانا بالذلة والخضوع فيقولون: ما ناصية فلان إلّا بيد فلان أي إنه مطيع له يصرفه كيف شاء، وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والمنّ عليه جزوا [ناصيته] ليغتروا بذلك فخرا عليه، فخاطبهم بما يعرفون في كلامهم. إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول: إنّ ربي على طريق الحق يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بمعصيته ولا يظلم أحدا غيّا ولا يقبل إلّا الإسلام، والقول فيه إضمار أنّي: إنّ ربي يدلّ أو يحثّ أو يحملكم على صراط مستقيم. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ أي قل يا محمد: فقد أبلغتكم ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ يوحّدونه ويعبدونه وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً بتولّيكم وإعراضكم وإنما تضرون أنفسكم، وقيل: معناها لا تقدرون له على خير إن أراد أن يضلكم، وقرأ عبد الله: ولا يضره هلاككم إذا أهلككم ولا تنقصونه شيئا، لأنه سواء عنده كنتم أو لم تكونوا. إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أي لكل شيء حافظ، على بمعنى اللام، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء. وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا عذابنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وكانوا أربعة آلاف بِرَحْمَةٍ بنعمة مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ وقيل: الريح، قيل: أراد بالعذاب الغليظ عذاب القيامة أي كما نجّيناهم في الدنيا من العذاب كذلك نجّيناهم في الآخرة من العذاب. وَتِلْكَ عادٌ رده إلى القبيلة جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ يعني هودا وحده لأنه لم يرسل إليهم من الرسل سوى هود، ونظيره قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ يعني النبي ﷺ‎ وإنه لم يكن في عصره رسول سواه، وإنما جمع هاهنا لأن من كذّب رسولا واحدا فقد كذّب جميع الرسل. وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ متكبّر لا يقبل الحق ولا يذعن له، قال أبو عبيد: العنيد والعنود والعاند والمعاند: المعارض لك بالخلاف، ومنه قيل للعرق الذي يفجر دما فلا يرقى: عاند قال الراجز: إنّي كبير لا أطيق العندا [[لسان العرب: 3/ 307، ومطلعه: إذا رحلت فاجعلوني وسطا.]] وَأُتْبِعُوا ألحقوا وأردفوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً يعني بعدا وعذابا وهلاكا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أي وفي يوم القيامة أيضا كذلك لعنوا في الدنيا والآخرة أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أي بربهم، كما يقال: شكرته وشكرت له، وكفرته وكفرت به ونصحته ونصحت له، قيل بمعنى: كفروا نعمة ربهم. أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ البعد بعدان: أحدهما البعد ضد القرب، يقال: بعد يبعد بعدا، والآخر بمعنى الهلاك ويقال منه: بعد يبعد بعدا وبعدا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب