الباحث القرآني
وقوله تعالى: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ: أي: أنتم، أيها المنافقُونَ، كالذين مِنْ قبلكم كانوا أشدَّ منكم قوةً، فَعَصَوْا فأهلكوا، فأنتم أولَى بالإِهلاك لمعصيتكم وضَعْفِكم، والخَلاَقُ: الحَظُّ من القَدْرِ والدينِ وجميعِ حال المَرْءِ، فخلاقُ المَرْء: الشيء الذي هُوَ به خليقٌ، والمعنى: عَجَّلوا حَظَّهم في دنياهم، وتركوا الآخرة، فاتبعتموه أنتم، أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ: المعنى: وأنتم أيضاً كذلك، ويحتمل أنْ يريد ب أُولئِكَ: المنافقين.
وقوله سبحانه: أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ ... الآية:
المعنى ألم يأتِ هؤلاءِ المنافقين خَبَرُ الأُمم السالفة التي عَصَتِ اللَّه بتكْذيب رسله، فأهلكها، وقَوْمِ إِبْراهِيمَ: نُمْرُود وأصحابه وأَتْبَاعَ دَوْلَته، وَأَصْحابِ مَدْيَنَ قومُ شُعَيْب، وَالْمُؤْتَفِكاتِ: أهلُ القرى الأربعةِ أو السَّبْعة التي بعث إِليهم لوطٌ عليه السلام، ومعنى الْمُؤْتَفِكاتِ: المنصرفَاتُ والمنْقَلِبَاتُ أُفِكَتْ فَأْتَفَكَتْ لأنها جعل عاليها سافلها، ولفظ البخاريّ: الْمُؤْتَفِكاتِ: ائتفكت: انقلبت بهم الأرضُ. انتهى.
والضمير في أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ: عائدٌ على هذه الأمم المذكورة، ثم عقَّب سبحانه بذكْر المؤمنين، وما مَنَّ به علَيْهِمْ مِنْ حُسْن الأعمال ترغيباً وتنشيطاً لمبادرة ما به أَمَرَ لطفاً منه بعباده سبحانه، لا ربَّ غيْرُهُ، ولا خَيْر إِلا خيره.
وقوله سبحانه: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ: قال ابن عباس: هي الصلوات الخمس [[أخرجه الطبري (6/ 415) برقم: (19654) ، وذكره ابن عطية (3/ 58) .]] .
قال ع [[ينظر «المحرر الوجيز» (3/ 58) .]] : وبحسب هذا تكون الزَّكَاةُ هي المفروضةُ، والمَدْحُ عندي بالنوافلُ أبلغُ إِذ من يقيم النوافِلَ أحْرَى بإِقامة/ الفَرْض، والسين في قوله: سَيَرْحَمُهُمُ: مُدْخِلَةٌ في الوَعْدِ مُهْلَةً لتكون النفوسُ تنعم برجائه سبحانه، وفَضْلُه سبحانه زعيمٌ بالإِنجاز، وذكَر الطبريُّ [[ينظر: «تفسير الطبري» (6/ 416) .]] في قوله تعالى: وَمَساكِنَ طَيِّبَةً، عن الحسن أنَّه سأل عنها عِمْرَانَ بنَ حُصَيْن وأبا هريرة، فقالا: على الخَبِيرِ سَقَطَت! سَأَلْنَا عَنْهَا رسول الله ﷺ فَقَالَ: «قَصْرٌ فِي الجَنَّةِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، فِيهِ سَبْعُونَ دَاراً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاء، في كُلِّ دار سبعون بيتا من زمرّدة خَضْرَاءَ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيراً» [[ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 461) ، وعزاه لابن أبي حاتم، وابن مردويه.]] ونحو هذا مما يشبه هذه الألفاظ، ويقرب منها، فاختصرتها طَلَبَ الإِيجاز.
ت: وتمام الحديث من «الإِحياءِ» ، وكتاب الآجُرِّيِّ المعروف ب «كتاب النصيحة» ، عن الحسن عن عمرانَ بن حُصَيْن وأبي هريرة، قالا: «على كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشاً مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ زَوْجَةٌ مِنَ الحُورِ العِينِ، وفِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مائدة، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْناً مِنَ الطَّعَامِ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيفَةً، وَيُعْطَى المُؤْمِنُ فِي كُلِّ غَدَاةٍ مِنَ القُوَّةِ مَا يَأَتِي عَلَى ذَلِكَ أَجْمَعَ» [[تقدم تخريجه.]] ، وأما قوله سبحانه: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ، ففي الحديث الصحيح أَنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ يَقُولُ لِعِبَادِهِ إِذَا استقروا فِي الجَنَّةِ: «هَلْ رَضِيتُمْ؟! فَيَقُولُونَ: وَكَيْفَ لاَ نرضى، يا ربنا؟ فيقول: إني سأعطيكم أفضل مِنْ هَذَا كُلِّهِ، رِضْوَانِي، أَرْضَى عَنْكُمْ فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدا ... » [[تقدم تخريجه.]] الحديث، وقوله: أَكْبَرُ: يريد: أَكْبَرُ من جميعِ ما تقدَّم، ومعنى الآيةِ والحديث مُتَّفِقٌ، وقال الحسن بن أبي الحسن: وصل إِلى قلوبهم برضْوَانِ اللَّهِ مِن اللَّذَّة والسُّرور ما هو أَلَذُّ عندهم وأقرُّ لأَعينهم من كل شيء أصابُوه من لَذَّة الجَنَّة، قال الإِمام [[ينظر: «تفسير الرازي» (16/ 106) .]] الفَخْر: وإِنما كان الرضوان أَكْبَرَ لأَنه عند العارفين نَعِيمٌ رُوحَانِيٌّ، وهو أشرفُ من النعيم الجِسْمَانيِّ. انتهى. انظره في أوائل «آل عمران» .
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 59) .]] : ويظهر أن يكون قوله تعالى: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ إِشارةً إِلى منازل المقرَّبين الشاربين مِنْ تسنيمٍ، والذين يَرَوْنَ كما يُرَى النَّجْمُ الغَابِرُ في الأُفُق، وجميعُ من في الجنة رَاضٍ، والمنازل مختلفةٌ، وفضل الله متّسع، والْفَوْزُ: النجاةُ والخَلاَصُ، ومن أُدْخِلَ الجنة فقد فاز، والمقرَّبونَ هم في الفوز العظيم، والعبارةُ عندي ب «سرور وكمالٍ» أجوَدُ من العبارة عنها ب «لذة» ، واللَّذَّة أيضاً مستعملة في هذا.
{"ayahs_start":69,"ayahs":["كَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوۤا۟ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةࣰ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَ ٰلࣰا وَأَوۡلَـٰدࣰا فَٱسۡتَمۡتَعُوا۟ بِخَلَـٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَـٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَـٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِی خَاضُوۤا۟ۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ","أَلَمۡ یَأۡتِهِمۡ نَبَأُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَوۡمِ نُوحࣲ وَعَادࣲ وَثَمُودَ وَقَوۡمِ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَأَصۡحَـٰبِ مَدۡیَنَ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَـٰتِۚ أَتَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ","وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَیُطِیعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَیَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ","وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَمَسَـٰكِنَ طَیِّبَةࣰ فِی جَنَّـٰتِ عَدۡنࣲۚ وَرِضۡوَ ٰنࣱ مِّنَ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"],"ayah":"وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ یَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَیُطِیعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَیَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق