الباحث القرآني
وقوله سبحانه: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ... الآية:
جمهورُ المفسِّرين أنَّ هذه الآية نزلَتْ في شَأْن أبي طالب، وذلك أن رسول الله ﷺ دَخَلَ عَلَيْهِ حين احتضر، فَوَعَظَهُ، وقَالَ: «أَيْ عَمِّ قُلْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» ، وَكَانَ بالحَضْرة أَبو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَقالا لَهُ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَترغَبُ عن ملَّة عَبْدِ المطَّلِبِ؟ فَقالَ أبو طَالِبٍ: يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ، لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يُعَيَّرَ بِهَا وَلَدِي مِنْ بَعْدِي، لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ إذ لم يسمع منه ﷺ ما قال العبَّاس، فنزلَتْ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: 56] فقال رسول الله ﷺ: «وَاللَّهِ، لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» ، فَكَانَ يستغفر له حَتَّى نَزَلَتْ هذه الآية [[أخرجه البخاري (3/ 263) كتاب «الجنائز» باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلّا الله، حديث (1360) ، وفي (7/ 232) كتاب «مناقب الأنصار» باب: قصة أبي طالب، حديث (3884) ، وفي (8/ 192) كتاب «التفسير» باب: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، حديث (4675) وفي (8/ 365) كتاب «التفسير» باب: إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، حديث (4772) وفي (11/ 575) كتاب «الأيمان والنذور» ، حديث (6681) ، ومسلم (1/ 244- 245) - شرح النووي، كتاب «الإيمان» باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، حديث (39/ 24) ، والنسائي (4/ 90- 91) كتاب «الجنائز» باب: النهي عن الاستغفار للمشركين، حديث (2035) ، وأحمد (5/ 433) ، والطبري (6/ 488) رقم: (17339) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 342- 343) كلهم من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبيه به، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 505) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ، وابن مردويه.]] ، فترك نبيُّ اللَّه الاستغفار لأَبي طالب، وروي أنَّ المؤمنين لما رأَوْا نبيَّ اللَّه يستغفرُ لأبي طالب، جعلوا يَسْتَغْفِرُونَ لموتاهم، فلذلك دَخَلُوا في النّهي، والآية على هذا ناسخة لفعله ﷺ إِذ أفعاله في حُكْم الشرعِ المستقِرِّ، وقال ابن عبَّاس وقتادة [[أخرجه الطبري في «تفسيره» عن قتادة، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 506) ، وعزاه أيضا لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه.]] وغيرهما: إِنما نزلَتِ الآية بسببِ جماعةٍ من المؤمنين قالوا: نَسْتَغْفِرُ لموتانا كما استغفر إِبراهيمُ عليه السلام، فنزلَتِ الآية في ذلك، وقوله سبحانه: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ ...
الآية: المعنى: لا حجَّة أَيُّها المؤمنون في استغفار إِبراهيم عليه السلام، فإِن ذلك لم يكُنْ إِلا عن موعدةٍ، واختلف في ذلك، فقيلَ: عن مَوْعِدَةٍ من إِبراهيم، وذلك قوله: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 47] وقيل: عن موعِدَةٍ من أبيه له في أنَّهُ سيؤمن، فَقَوِيَ طمعه، فحمله ذلك على الاستغفار له حتى نُهِيَ عنه، ومَوْعِدَة مِنَ الوَعْدِ، وأما تبيُّنه أنه عَدُوٌّ للَّه، قيل: ذلك بموت آزر على الكُفْر، وقيل: ذلك بأنه نُهِيَ عنه، وهو حيٌّ، وقوله سبحانه: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ثَنَاءٌ مِنَ اللَّه تعالَى على إِبراهيم، و «الأَوَّاهُ» معناهُ الخَائِفُ الذي يُكْثِرُ التَّأَوُّهَ مِنْ خَوفِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، والتَّأَوُّهُ: التوجُّع الذي يَكْثُرُ حَتَّى ينطق الإِنسان معه ب «أَوَّهْ» ومن هذا المعنَى قولُ المُثَقِّب العَبْدِي: [الوافر]
إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحُلُهَا بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ أَهَّةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ [[ينظر: «المحرر الوجيز» (3/ 91) .]]
ويروى: آهَة.
وروي أن إبراهيم عليه السلام كان يُسْمَعُ وَجِيبُ قَلْبِهِ [[وجب القلب يجب: وجبا ووجيبا ووجوبا، ووجبانا: خفق واضطرب.
ينظر: «لسان العرب» (4767) .]] من الخشية، كما تُسْمَعُ أَجنحة النُّسُور، وللمفسِّرين في «الأَوَّاه» عباراتٌ كلُّها ترجعُ إِلى ما ذكرتُه.
ت: روى ابن المبارك في «رقائقه» ، قال: أخبرنا عبدُ الحميدِ بْنُ بَهْرَام، قال:
حدَّثنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّاد، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الأَوَّاهُ؟ قالَ: «الأَوَّاهُ الخَاشِعُ الدَّعَّاءُ المُتَضَرِّعُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ» [[أخرجه الطبري في «تفسيره» (6/ 498) برقم: (17431) من حديث عبد الله بن شداد، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (3/ 509) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.]] انتهى.
وحَلِيمٌ مَعناه: صابرٌ، محتملٌ، عظيمُ العَقْل، والحِلْمُ: العقل. وقوله سبحانَهُ:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ ... الآية: معناه التأنيسُ للمؤمنين، وقيل: إن بعضهم خَافَ عَلَى نَفْسِه مِنَ الاستغفار للمشْركين، فنزلت الآيةُ مُؤْنسة، أيْ: ما كان اللَّه بَعْدَ/ أَنْ هدَى إِلى الإِسْلاَمِ، وأنقذ مِنَ النار لِيُحْبِطَ ذلك، ويضلَّ أهله لمواقعتهم ذَنْباً لم يتقدَّم من اللَّه عنه نَهْيٌ، فأما إِذا بيَّن لهم ما يتَّقون من الأمورِ، ويتجنَّبون من الأشياء، فحينئذٍ مَنْ واقع شيئاً من ذلك بعد النَّهْيِ، استوجب العقوبة، وباقي الآية بيّن.
{"ayahs_start":113,"ayahs":["مَا كَانَ لِلنَّبِیِّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن یَسۡتَغۡفِرُوا۟ لِلۡمُشۡرِكِینَ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ أُو۟لِی قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ","وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَ ٰهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةࣲ وَعَدَهَاۤ إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥۤ أَنَّهُۥ عَدُوࣱّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَ ٰهِیمَ لَأَوَّ ٰهٌ حَلِیمࣱ","وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِلَّ قَوۡمَۢا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰهُمۡ حَتَّىٰ یُبَیِّنَ لَهُم مَّا یَتَّقُونَۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ","إِنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۚ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرࣲ"],"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۚ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق