الباحث القرآني

وقوله تعالى: وَما أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ تعظيمٌ لأمر هذا السِّجِّينِ وتعجيبٌ منه، ويحتملُ أنْ يكونَ تقريرَ اسْتِفْهامٍ، أي: هذا مما لم تكن تعلمه قبل الوحي، وكِتابٌ مَرْقُومٌ على القول الأولِ: مرتفعٌ على خبر «إنَّ» وعلى القولِ الثاني مرتفعٌ على أنه خبرُ مبتدإٍ محذوف تقديرُه: هو كتاب مرقوم، ويكون هذا الكلامُ مفسِّراً ل سِجِّينٌ ما هو؟، ومَرْقُومٌ معناه: مكتوبٌ لهم بِشَرٍّ، وباقي الآية بَيِّنٌ، ثم أوجَبَ أنَّ مَا كَسَبُوا من الكفرِ والعُتُو قَدْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ أي: غطى عليها فهُمْ مع ذلك لا يُبْصِرُون رشداً، يقال: رَانَتِ الخمرُ على قلبِ شاربِها، ورَانَ الغَشْيُ على قلبِ المريضِ، وكذلك الموتُ، / قال الحسنُ وقتادة: الرّينُ الذَّنبُ على الذنبِ حتى يموتَ القلب [[أخرجه الطبري (12/ 490) (36627) عن الحسن، وعن قتادة برقم: (36640) ، وذكره البغوي (4/ 460) ، وابن عطية (5/ 452) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 485) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 540) ، وعزاه لعبد بن حميد.]] ، وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: «إنَّ الرجُلَ إذا أذْنَبَ نُكِتَتْ نكتةٌ سَوْدَاءُ في قلبهِ، ثم كذلك حتَّى يَتَغطَّى فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَّا كانُوا يَكْسِبُونَ، قال الفخرُ [[ينظر: «الفخر الرازي» (31/ 86) .]] : قال أبو معاذ النَّحْوي: الرّينُ سَوَادُ القلبِ من الذنوبِ، والطَّبْعُ أن يُطْبَعَ على القلبِ، وهو أشَدُّ من الرينِ، والإقْفَالُ أشدُّ من الطبعِ وهو أن يُقْفَلَ على القلبِ، انتهى، والضميرُ في قوله تعالى: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ للكفارِ أي: هم محجوبونَ لا يَرَوْنَ ربَّهم، قال الشافعي: لما حَجَبَ اللَّهُ قوماً بالسَّخْطِ دَلَّ عَلى أن قوماً يرَوْنَهُ بالرِّضَى، قال المحاسبي- رحمه اللَّه- في كتابِ «توبيخ النفس» : وينبغِي للعبدِ المؤمنِ إذا رأى القسوةَ من قلبه أن يعلم أنها من الرّينِ في قلبه فيخافُ أن يكونَ اللَّهُ تعالى لمَّا حَجَبَ قلبَه عنه بالرّينِ والقسوةِ أنْ يحجبَه غَداً عن النظرِ إليه قال تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَّا كانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ إحداهُما تتلو الأخرى ليس بينهما معنًى ثالثٌ، فإنْ اعترضَ للمريدِ خَاطِرٌ من الشيطانِ ليقْتَطِعَه عن الخوفِ من اللَّه تعالى، حتى تحلَّ بهِ هاتانِ العقوبتانِ فَقَال إنما نَزَلَتَا في الكافرينَ فليقلْ فإنَّ اللَّهَ لم يؤَمِّنْ منهما كثيراً مِنَ المؤمنينَ، وقد حذَّر سبحانَه المؤمنينَ أن يُعَاقِبَهُم بما يُعَاقِبُ به الكافرين فقال تعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ [آل عمران: 131] إلى غير ذلكَ من الآيات، انتهى، ولما ذَكَرَ اللَّهُ تعالى أمْرَ كتابِ الفجار، عَقَّبَ ذلكَ بذِكْرِ كِتَابِ ضدِّهِم ليبيِّنَ الفرقَ بين الصِّنْفَيْنِ، واخْتُلِفَ في المَوضِع المعروفِ ب عِلِّيِّينَ ما هو؟ فقال ابن عباس: السَّمَاءُ السَّابعَةُ تَحْتَ العَرْشِ [[أخرجه الطبري (12/ 493) عن ابن عبّاس وعن كعب برقم: (36657) ، و (36649) ، وذكره البغوي (4/ 460) ، وابن عطية (5/ 452) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 486) بنحوه.]] ، وَروي ذَلِكَ عن النبي ﷺ [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 452) .]] ، وقال الضحاكُ: هو سِدْرَةُ المُنْتَهَى [[أخرجه الطبري (12/ 494) ، (36659) ، وذكره البغوي (4/ 460) ، وابن عطية (5/ 452) ، والسيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه لعبد بن حميد من طريق الأجلح عن الضحاك رضي الله عنه.]] ، وقال ابن عبّاس أيضا: عليون: الجنة [[أخرجه الطبري (12/ 494) ، (36658) ، وذكره البغوي (4/ 460) ، وابن عطية (5/ 452) ، وابن كثير-- في «تفسيره» (4/ 486) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 541) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عبّاس.]] . وقوله تعالى: يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ يعني الملائِكة قاله ابن عبّاس وغيره [[أخرجه الطبري (12/ 495) ، (36663) عن قتادة، وذكره ابن عطية (5/ 453) .]] ، ويَنْظُرُونَ معناه إلى ما عندَهم مِن النعيم، والنَّضْرةُ: النعمة والرونق، والرحيق: الخمر الصافية، ومَخْتُومٍ يحتملُ أنَّه يُخْتَمُ على كؤوسه التي يشْرَبُ بها تَهَمُّماً وتنظفاً، والظاهر أنه مختُوم شربُه بالرائحةِ المِسْكِيةِ حَسْبَمَا فسَّره قوله: خِتامُهُ مِسْكٌ قال ابن عباس وغيره: خاتمة شربه مسك [[أخرجه الطبري (12/ 498) ، (36683) ، وذكره البغوي (4/ 416) ، وابن عطية (5/ 453) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 486) .]] ، [وقرأ الكسائي [[ينظر: «الحجة» (6/ 386) ، و «إعراب القراءات» (2/ 451) ، و «معاني القراءات» (3/ 131) ، و «شرح الطيبة» (6/ 104) ، و «العنوان» (205) ، و «حجة القراءات» (754) ، و «إتحاف» (2/ 597) .]] : «خَاتَمُهُ مِسْكٌ» ] ، ثم حرَّضَ تعالى على الجنةِ بقوله: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب