الباحث القرآني

وقوله سبحانه: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ قال قتادة: معناه: بالصَّيْحَةِ التي خَرَجَتْ عن حدِّ كل صيحةٍ [[ذكره البغوي (4/ 386) ، وذكره ابن عطية (5/ 356) ، وذكره ابن كثير (4/ 412) .]] ، وقيل: المعنى بسَبَبِ الفِئَةِ الطاغيةِ، وقيل: بسببِ الفعلة الطاغية، وقال ابن زيد ما معناه: الطاغيةُ مصدرٌ كالعَاقِبة، فكأنه قال بطغيانهم [[أخرجه الطبري (12/ 207) ، رقم: (34722) بنحوه، وذكره ابن عطية (5/ 357) .]] وقاله أبو عبيدة، وَيُقَوِّي هذا قوله تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها [الشمس: 11] وأوْلَى الأقوال وأصوبُها الأوَّلُ، وباقي/ الآيةِ تقدم تفسيرُ نظيرهِ، وما في ذلك من القصص، والعَاتِيَةُ: معناه الشديدةُ المخالِفَة، فكانت الريحُ قد عَتَتْ على خُزَّانِها بخلافِها، وعلى قومِ عادٍ بشدتها، ورُوِيَ عن عليٍّ وابن عباس أنهما قَالا: لَمْ ينزلْ من السماء قطرةُ ماءٍ قط إلا بمكيالٍ عَلَى يدِ مَلَكٍ، ولا هبتْ ريحٌ إلاَّ كذلك إلاَّ ما كَانَ مِنْ طوفانِ نوحٍ، وريحِ عادٍ، فإنَّ اللَّه أَذِنَ لهما في الخروج دونَ إذن الخزّان [[أخرجه الطبري (12/ 207- 208) ، رقم: (34727) ، (34728) بنحوه، وذكره ابن عطية (5/ 357) ، وذكره ابن كثير (4/ 413) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 405) ، وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عبّاس.]] ، وحُسُوماً: قال ابن عباس وغيره: معناه كَامِلَةً تِبَاعاً لم يتخللْها غيرُ ذلك [[أخرجه الطبري (12/ 208) ، رقم: (34732) بنحوه، وذكره ابن عطية (5/ 357) ، وذكره ابن كثير (4/ 412) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 406) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عبّاس.]] ، وقال ابن زيد: حُسُوماً جمعُ حَاسِمٍ، ومعناه أنَّ تلكَ الأَيامَ قطعَتْهُم بالإهلاكِ [[أخرجه الطبري (12/ 209) ، رقم: (34745) بنحوه، وذكره ابن عطية (5/ 357) .]] ، ومنه حَسَمَ العِلَلَ، ومنه الحُسَامُ، والضميرُ في قوله: فِيها صَرْعى يُحتملُ عُوْدُه على الليالي والأيامِ، ويُحْتَمَلُ عودُه على ديارِهم، وقيل: على الريح، - ص-: «ومن قِبَلَه» النْحويانِ وعاصمٌ في روايةٍ- بكَسْرِ القافِ وفَتْحِ الباء- أي: أجنادُه وأهلُ طاعتهِ، وقرأ الباقون [[ينظر: «السبعة» (648) ، و «الحجة» (6/ 314) ، و «إعراب القراءات» (2/ 385) ، و «حجة القراءات» (718) ، و «معاني القراءات» (86) ، و «العنوان» (196) ، و «شرح شعلة» (606) ، و «شرح الطيبة» (6/ 66) ، و «إتحاف» (2/ 557) .]] : «قَبْلَه» ظَرْفَ زمانٍ، انتهى. وقوله: بِالْخاطِئَةِ صفةٌ لمحذوفٍ، أي: بالفعلةِ الخاطئةِ، وال «رابية» النَّامِيَة التي قد عَظُمَتْ جِدًّا، ومنه رِبَا المالِ، ومنه اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [ٍالحج: 5] ، ثم عدد تعالى على الناس نعمه في قوله: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ يعني في وقتِ الطوفانِ الذي كانَ على قوم نوح، والْجارِيَةِ سفينةُ نوحٍ قاله منذر بن سعيد [[ذكره ابن عطية (5/ 358) .]] ، والضميرُ في: لِنَجْعَلَها عائِدٌ على الجاريةِ أو على الفعلة. وقوله تعالى: وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ : عبارةٌ عن الرجلِ الفَهِمِ المُنَوَّرِ القلبِ الذي يسمعُ القرآنَ فيتلقاه بِفَهْمٍ وتدبُّرٍ، قال أبو عمران الجوني: واعِيَةٌ عَقَلَتْ عَنِ اللَّهِ تعالى، وقال الثعلبيُّ: المعنى: لِتَحْفَظَهَا كلُّ أذُنٍ فتكونَ عِظَةً لِمَنْ يأتي بعدُ، تقول وَعَيْتَ العِلْمَ إذا حَفِظْتَه، انتهى، ثم/ ذَكَّر تعالى بأمر القيامةِ، وقرأ الجمهور [[وقرأ ابن عبّاس، والأعمش، وابن أبي عبلة، وابن مقسم بتشديد الميم. ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (161) ، و «المحرر الوجيز» (5/ 379) ، و «البحر المحيط» (8/ 317) ، و «الدر المصون» (6/ 363) ، و «التخريجات النحوية» (238) .]] : «وَحُمِلَتْ» بتخفيفِ الميمِ بمعنى: حَمَلَتْهَا الريح أو القدرة، وفَدُكَّتا معناه سُوِّيَ جميعُها، وانشقاقُ السماءِ هو تَفَطُّرُهَا وتميُّزُ بعضِها من بعضٍ، وذلك هو الوَهْيُ الذي ينالُها، كما يقال في الجدرات الباليةِ المتشققةِ واهيةٌ، والملَكُ اسْمُ الجنسِ يريدُ به الملائكةَ، وقال جمهور من المفسرين: الضميرُ في أَرْجائِها عائدٌ على السَّمَاءِ أي: الملائِكَة على نواحيها، والرجاء الجَانِبُ مِنْ البئر أو الحائط ونحوه، وقال الضحاكُ وابنُ جبير وغيرهما: الضميرُ في: أَرْجائِها عائدٌ عَلى الأرْضِ [[ذكره ابن عطية (5/ 359) .]] ، وإنْ كان لم يتقدم لها ذكرٌ قريبٌ لأنَّ القصةَ واللفظَ يَقْتَضِي إفهَام ذلك، وفَسَّرُوا هذه الآيةَ بما رُوِيَ من أن اللَّه تعالى يأمر ملائِكَةَ سَمَاءِ الدنيا، فيقفونَ صَفًّا على حَافَّاتِ الأرضِ، ثم يأمرُ ملائكة السماءِ الثانية فَيَصُفُّونَ خلفَهم، ثم كذلك ملائكةُ كُلّ سماءٍ، فكلما نَدَّ أحدٌ من الجنِ أو الإنسِ، وَجَدَ الأرضَ قد أُحِيطَ بها، قالوا: فهذا تفسير هذه الآية وهو أيضاً معنى قوله: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] وهو تفسير: «يَوْمَ التناد يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ» [غافر: 32- 33] على قراءةِ من شَدَّدَ الدال، وهو تفسيرُ قوله: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ... [الرحمن: 33] الآية، واختلفَ الناسُ في الثمانيةِ الحاملينَ للعرشِ، فقال ابن عباس: هي ثمانيةُ صفوفٍ مِنَ الملائكة لا يَعْلَم أَحَدٌ عِدَّتَهم [[أخرجه الطبري (12/ 215- 216) ، رقم: (34788، 34790) بنحوه، وذكره البغوي (4/ 388) ، وذكره ابن عطية (5/ 359) ، وذكره ابن كثير (4/ 414) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 409) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] ، وقال ابن زيدِ: هُمْ ثمانيةُ أمْلاَكٍ على هيئةِ الوُعُولِ [[أخرجه الطبري (12/ 216) ، رقم: (34792) بنحوه. وذكره ابن عطية (5/ 359) .]] ، وقال جماعة من المفسرين: هم على هيئة الناسِ أرجلُهم تَحْتَ الأرْضِ السابعةِ، ورؤوسهم وكواهلهم فَوْقَ السماءِ السابعةِ، قال الغَزَّالِيُّ في «الدرة الفاخرة» : هم ثمانيةُ أمْلاَكٍ قَدَمُ المَلَكِ منهم مسيرةُ عشرينَ ألْفَ سنةٍ، انتهى، والضميرُ في قوله: فَوْقَهُمْ قيل: هو للملائكَةِ/ الحَمَلَةِ، وقيل: للعالم كلّه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب