الباحث القرآني
وهي مدنيّة بإجماع
قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... الآية، وفي الحديثِ مِنْ طُرُقٍ ما معناه أنّ النبيّ ﷺ جاءَ إلى بيتِ حَفْصَةَ، فوجَدَها قد مرَّتْ لزيارة أبيها، فدعا ﷺ جاريَتَهُ مَارِيَّةَ، فَقَالَ مَعَها، فَجَاءَتْ حَفْصَةُ وَقَالَت: يا نبيَّ اللَّه! أفِي بَيْتِي وعلى فِرَاشِي؟
فقال لها ﷺ: مترضِّياً لها: «أيُرْضِيكِ أنْ أُحَرِّمَها؟ قَالَتْ: نَعَمْ فقال: إنِّي قَدْ حَرَّمْتُهَا» ، قال ابن عباس: وقالَ مَعَ ذلكَ: واللَّهِ، لاَ أَطَؤُهَا أَبَداً، ثم قال لها: لاَ تُخْبِرِي بِهَذَا أَحَداً [[أخرجه الطبري (12/ 148- 149) ، برقم: (34392) ، (34397) ، وذكره ابن كثير (4/ 386) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 367) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر.]] ، ثم إنَّ حَفْصَةَ قَرَعَتْ الجِدَارَ الَّذِي بَيْنَهَا وَبْيْنَ عَائِشَةَ، وَأَخْبَرَتْهَا لِتُسِرَّهَا بالأَمْرِ، وَلَمْ تَرَ في إفْشَائِهِ إلَيْهَا حَرَجاً، واستكتمتها، / فَأَوْحَى اللَّهُ بِذَلِكَ إلى نَبِيِّهِ، ونزلَتِ الآيةُ، وفي حديثٍ آخَرَ عن عائشةَ أنَّ هذا التحْرِيمَ المذكورَ في الآية إنَّما هُو بِسَبَبِ العَسَلِ الذي شربه ﷺ عِنْدَ زينبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَتَمالأتْ عائشةُ وحفصةُ وسَوْدَةُ عَلى أنْ تَقُولَ له مَنْ دَنَا مِنْهَا: إنّا نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أأكَلْتَ مَغَافِيرَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ والمَغَافِيرَ: صَمْغُ العُرْفُطِ، وَهُوَ حُلْوٌ كَرِيهُ الرَّائِحَةِ، فَفَعَلْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ رسول الله ﷺ: ما أَكَلْتُ مَغَافِيرَ، وَلَكِنِّي شَرِبْتُ عَسَلاً، فقلْنَ له: جرست نحله العرفط [[العرفط: شجر الطلح، وله صمغ كريه الرائحة، فإذا أكلته النحل حصل في عسلها من ريحه.
ينظر: «المنهاج» (3/ 218) .]] ؟ فقال: ﷺ لاَ أشْرَبُه أبَداً، وكانَ يَكْرَهُ أنْ تُوجَدَ مِنْهُ رَائحةٌ كَرِيهةٌ، فدخلَ بعد ذلك على زينبَ فَقَالَتْ: أَلا أسْقِيكَ مِنْ ذَلِكَ العَسَلِ؟ فقال: لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ، قالتْ عائشةُ: تَقُولُ سَوْدَةُ حِينَ بَلَغَنَا امتناعه: وَاللَّهِ، لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، فَقُلْتُ لَها: اسكتي، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 330) .]] : والقولُ الأوَّلُ أن الآيةِ نزلتْ بسبب مارية أصَحُّ وأوْضَحُ، وعليه تَفَقَّه الناسُ في الآية، ومَتَى حَرَّمَ الرَّجُلُ مَالاً أو جاريةً فليسَ تحريمُه بشيءٍ ت: والحديثُ الثَّانِي هو الصحيحُ خَرَّجَه البخاريُّ ومسلمُ وغيرهما، ودَعَا اللَّهُ تعالى نبيَّه باسْم النبوَّةِ الذي هو دالٌّ على شَرَفِ مَنْزِلَتِه وَفَضِيلَتِه التي خَصَّهُ بِهَا، وقرَّره تعالى كالمُعَاتِبِ له على تحريمِه عَلى نفسِه مَا أحلَّ اللَّهُ له، ثم غَفَرَ لَه تَعَالَى مَا عَاتَبه فيه ورَحِمَه.
وقوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ أي: بيَّنَ وأثْبَتَ، فقال قوم من أهل العلم: هذه إشارَةٌ إلى تَكْفِيرِ التَّحْرِيمِ، وقال آخرونَ هي: إشارَةٌ إلى تكفيرِ اليمينِ المُقْتَرِنَةِ بالتحريمِ، والتَّحِلَّةُ مَصْدَرُ وزنها «تَفْعِلَة» وأدْغِمَ لاِجْتِمَاعِ/ المثلينِ، وأحالَ في هذه الآيةِ على الآيةِ التي فسَّر فِيها الإطْعَامَ في كفارةِ اليمينِ باللَّهِ تَعَالى، والمَوْلَى المُوَالِي النَّاصِرُ.
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ يعني حَفْصَةَ حَدِيثاً قال الجمهورُ الحديثُ هو قولُهُ في أمر ماريةَ، وقال آخرونَ: بلْ هو قولُه: إنَّمَا شَرِبْتُ عَسَلاً.
وقوله تعالى: عَرَّفَ بَعْضَهُ المَعْنَى مَعَ شَدِّ الراءِ: أعْلَمَ بِهِ وأَنَّب عليه وأعْرَض عن بعض، أي: تَكُرُّماً وَحَيَاءً وحُسْنَ عشرةٍ، قال الحسن: ما اسْتَقْصَى كريمٌ قط [[ذكره البغوي (4/ 364) ، وابن عطية (5/ 331) .]] ، والمخاطبة بقوله: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ هي لحفصةَ وعائشةَ، وفي حديثِ البخاريّ، وغيره عن ابن عباس قال: قلت لعمر: من اللتان تظاهرتا على رسول الله ﷺ؟ قال: حفصةُ وعائشةُ [[تقدم.]] .
وقوله: صَغَتْ قُلُوبُكُما معناه مَالَتْ، والصُّغْيُ الميلُ، ومنه أَصْغَى إليه بأُذُنِه، وأصْغَى الإنَاءَ، وفي قراءة ابن مسعود [[ينظر: «الكشاف» (4/ 566) ، و «المحرر الوجيز» (5/ 331) ، و «البحر المحيط» (8/ 286) ، و «الدر المصون» (6/ 335) .]] : «فَقَدْ زَاغَتْ قُلُوبُكُما» والزيغُ: الميلُ وعُرْفُه في خِلاَفِ الحَقّ، وجَمَعَ القلوبَ مِن حيثُ الاثنانِ جَمْعٌ، - ص-: قُلُوبُكُما القياسُ فيه:
قلباكما مُثَنَّى، والجمعُ أكْثَرُ استعمالاً وحسْنُه إضافَتُه إلى مثنًى، وهو ضميرُهما لأنَّهُمْ كَرِهُوا اجتماعَ تَثْنِيَتَيْنِ، انتهى، ومعنى الآيةِ إن تُبْتُما فَقَدْ كَانَ مِنكُمَا مَا يَنْبَغِي أنْ يُتَابَ منه، وهذا الجوابُ الذي للشَّرْطِ هُو متقدمٌ في المعنى، وإنما تَرتَّبَ جَوَاباً في اللفظِ، وَإِنْ تَظاهَرا معناه: تَتَعَاوَنَا وأصل: تَظاهَرا تتظاهرا، ومَوْلاهُ أي: ناصره، وَجِبْرِيلُ ومَا بعدَه يحتملُ أنْ يكونَ عَطْفاً على اسمِ اللَّهِ، ويحتملُ أنْ يكونَ جبريلُ رَفْعاً بالابتداء وما بعده عطف عليه وظَهِيرٌ هُو الخَبَرُ، وخَرّجَ البخاريّ بسنده عن أنس قال: قال عمر:
اجتمع نساء النبي ﷺ في الغِيرَةِ عليه فقلتُ لَهُنَّ: عسى ربُّه إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يبدله أزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ، فنزلت هذه الآية [[أخرجه الطبري (6/ 155) ، برقم: (34425) ، (34427) ، وذكره ابن عطية (5/ 332) ، وذكره ابن كثير (4/ 390) .]] ، انتهى، وقانِتاتٍ معناه مُطِيعَات، والسائحاتُ قِيل: معناه:
صَائِمَاتٌ، وقيل: معناه: / مُهَاجِرَاتٌ، وقيل: معناه ذَاهِبَاتٌ في طَاعَةِ اللَّهِ، وشُبِّه الصَّائِمُ بالسائِحِ من حيثُ يَنْهَمِلُ السائِحُ وَلا يَنْظُرُ في زادٍ ولاَ مَطْعَمٍ، وكذلك الصائم يُمْسِك عن ذلك، فيستوي هو والسائِح في الامْتِنَاعِ، وشَظَفِ العَيْشِ لِفَقْدِ الطَّعَام.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِی مَرۡضَاتَ أَزۡوَ ٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ","قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَیۡمَـٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ","وَإِذۡ أَسَرَّ ٱلنَّبِیُّ إِلَىٰ بَعۡضِ أَزۡوَ ٰجِهِۦ حَدِیثࣰا فَلَمَّا نَبَّأَتۡ بِهِۦ وَأَظۡهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ عَرَّفَ بَعۡضَهُۥ وَأَعۡرَضَ عَنۢ بَعۡضࣲۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَـٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِیَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡخَبِیرُ","إِن تَتُوبَاۤ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدۡ صَغَتۡ قُلُوبُكُمَاۖ وَإِن تَظَـٰهَرَا عَلَیۡهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوۡلَىٰهُ وَجِبۡرِیلُ وَصَـٰلِحُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۖ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ ظَهِیرٌ","عَسَىٰ رَبُّهُۥۤ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن یُبۡدِلَهُۥۤ أَزۡوَ ٰجًا خَیۡرࣰا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَـٰتࣲ مُّؤۡمِنَـٰتࣲ قَـٰنِتَـٰتࣲ تَـٰۤىِٕبَـٰتٍ عَـٰبِدَ ٰتࣲ سَـٰۤىِٕحَـٰتࣲ ثَیِّبَـٰتࣲ وَأَبۡكَارࣰا"],"ayah":"قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَیۡمَـٰنِكُمۡۚ وَٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق