الباحث القرآني

وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ إلى آخر السورةِ قرآنٌ مدنيٌّ واخْتُلِفَ في سَبَبهِ، فقال عطاء بن أبي ربَاح: إنَّه نَزَلَ في عَوْفِ بن مَالكٍ الأشّجَعِيِّ وذلك أَنَّهُ أراد غَزْواً مع النبيّ ﷺ، فاجْتَمَعَ أَهْلُهُ وأولاده، وتَشَكَّوْا إلَيْه فِرَاقَهُ، فَرَقَّ لهُمْ فَثَبَّطُوهُ ولم/ يَغْزُ، ثم إنّه نَدِمَ وهَمَّ بمعاقبتِهم، فنزلتِ الآية [[أخرجه الطبري (12/ 177) ، برقم: (34201) ، وذكره ابن عطية (5/ 320) .]] بسببه محذِّرةً مِن الأَزْوَاجِ والأولاد وفتنتِهم. ثم صَرَفَ تَعالَى عَنْ معاقبتهِم بقوله: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وقال بعضُ المفسرينَ: سببُ الآيةِ أنَّ قوماً آمنُوا وثَبَّطَهُمْ أزْوَاجُهم وأولادُهم عَنْ الهِجرةِ فَلَمْ يُهَاجِروا إلا بَعْدَ مدةٍ، فَوَجَدُوا غيرَهم قد تَفَقَّه في الدين، فَنَدِمُوا وهَمُّوا بمعاقبةِ أزواجِهِم وأولادِهم، ثم أَخْبَرَ تعالى أن الأمْوَالَ والأولادَ فتنةٌ تَشْغَلُ المرءَ عَنْ مَرَاشِدِهِ، وتَحْمِلُه مِنَ الرَّغْبَةِ في الدنيا عَلَى مَا لاَ يَحْمَدُه في آخرتِه، ومنه قوله ﷺ: «الوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مُجْبَنَةٌ» [[رواه ابن ماجه عن عبد الله بن سلام قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى النبي ﷺ فضمهما إليه، وذكره، وللعسكري والحاكم عن الأسود بن خلف أنّ النبي ﷺ أخذ حسنا فقبله، ثم أقبل عليهم فقال: إن الولد مجبنة مبخلة، وأحسبه قال: مجهلة، وللعسكري أيضا: عن أشعث بن قيس قال: مررت على النبي ﷺ، فقال لي: «ما فعلت بنت عمّك» قلت: نفست بغلام، وو الله لوددت أن لي به سبعة، فقال: «أما لئن قلت إنهم لمجبنة مبخلة، وإنهم لقرة العين وثمرة الفؤاد» ، وله أيضا عن عمر بن عبد العزيز، قال: زعمت المرأة الصالحة خولة ابنة حكيم، أن رسول الله ﷺ خرج وهو يحتضن حسنا أو حسينا، وهو يقول: «إنكم لتجبّنون وتجهّلون، وإنكم لمن ريحان الله» ، وأخرجه أبو يعلى والبزار بسند ضعيف عن أبي سعيد بلفظ: «الولد ثمرة القلب، وإنه مبخلة مجبنة محزنة» . ينظر: «كشف الخفاء» (2/ 470) .]] ، وخَرَّجَ أبو داود حديثاً في مصنفه «أنّ رسول الله ﷺ كانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجمعةِ عَلى المِنْبَرِ حَتَّى جَاءَ الحَسَنُ والحسينُ عليهما قميصان أحمرانَ يجرانِهما، يعثران ويقومان، فنزل رسول الله ﷺ عَنِ المنبرِ حَتَّى أخَذَهُمَا، وصَعِدَ بِهِمَا، ثم قرأ: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ... الآية، وقال: إني رأيتُ هذينِ فَلَمْ أصْبِرْ، ثم أخَذَ في خُطْبَتِهِ» [[أخرجه أبو داود (1/ 358) ، كتاب «الصلاة» باب: الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث (1109) ، والترمذي (5/ 659) ، كتاب «المناقب» باب: مناقب الحسن والحسين عليهما السلام (3774) ، والنسائي (3/ 108) ، كتاب «الجمعة» باب: نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من خطبته وقطعه كلامه ورجوعه إليه يوم الجمعة (1413) ، (3/ 192) ، كتاب «العيدين» باب: نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة (1585) ، وابن ماجه (2/ 1190) ، كتاب «اللباس» باب: لبس الأحمر للرجال (3600) ، وأحمد (5/ 354) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.]] ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 320) .]] : وهذهِ ونحوُها هِي فتنةُ الفُضَلاَءِ، فأما فتنةُ الجُهَّالِ الفَسَقَةِ فَمُؤَدِّيَةٌ إلى كلِ فعلٍ مُهْلِكٍ، وفي «صَحِيحَي البخاري ومسلم» عن أبي ذرٍ قال: انتهيتُ إلى النبيِّ ﷺ وَهُوَ يَقُول: «هم الأخْسَرُونَ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ، هُمُ الأخْسَرُونَ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ، قُلْتُ: مَا شَأْنِي أيرى فيَّ شَيْئاً؟ فَجَلَسْتُ وَهُوَ يَقُولُ فَمَا استطعت أنْ أسْكُتَ وتَغَشَّانيَ مَا شَاء اللَّهُ فَقُلْتُ: مَنْ هُمْ بأبي أنتَ وأمي يا رسولِ اللَّهِ؟ قال: هُمُ الأكْثَرُونَ مَالاً إلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وهَكَذَا وَهَكَذَا» [[أخرجه البخاري (11/ 63) ، كتاب «الاستئذان» باب: من أجاب بلبيك وسعديك (6268) ، (11/ 533) ، كتاب «الأيمان والنذور، باب: كيف كان يمين النبي ﷺ (6639) ، ومسلم (2/ 686) ، كتاب «الزكاة» باب: تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة (30/ 990) ، والترمذي (3/ 3) ، كتاب «الزكاة» باب: ما جاء عن رسول الله ﷺ في منع الزكاة من التشديد (617) ، والنسائي (5/ 10) ، كتاب «الزكاة» باب: التغليظ في حبس الزكاة (2440) ، وأحمد (5/ 152، 158- 159) ، والبيهقي (4/ 97) ، كتاب «الزكاة» باب: جماع أبواب صدقة البقر السائمة، (10/ 27) ، كتاب «الأيمان» باب: الحلف بالله عز وجل أو اسم من أسماء الله عز وجل، وابن خزيمة (4/ 9) ، كتاب «الزكاة» باب: صفات ألوان عذاب مانع الزكاة إلى يوم القيامة، قبل الفصل بين الخلق، نعوذ بالله من عذابه (2251) ، والحميدي (1/ 77) ، برقم: (140) ، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (7/ 364) . قال الترمذي: حديث حسن صحيح.]] وفي رواية: «إن الأَكْثَرينَ هم الأقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إلاَّ مَنْ قال بالمال، هكذا وهكذا، - وأشار ابن شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله-، وقليل ما هم» انتهى، واللفظ للبخاريّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب