الباحث القرآني
وقوله سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي ... الآية: أمر من اللَّه عزَّ وجلَّ لنبيِّه- عليه السلام- أنْ يعلن بأنَّ مقصده في صلاته، وطاعتِهِ من ذبيحة وغيرها، وتصرفَهُ مدَّةَ حياتِهِ، وحالهُ من إخلاصٍ وإيمانٍ عند مماته- إنما هو للَّه عزَّ وجلَّ، وإرادةِ وجهه، وطَلَبِ رضاه، وفي إعلان النبيّ ﷺ بهذه المقالة ما يلزمُ المؤمنين التأسِّي به حتى يلتزموا في جميع أعمالهم قَصْدَ وجه اللَّه عزَّ وجلَّ، ويحتمل أن يريد بهذه المقالة أنَّ صلاته ونسكه وحياته ومماته [[في أ: ومونة.]] بِيَدِ اللَّه عزَّ وجلَّ، واللَّه يصرفه في جميع ذلك كَيْفَ شاء سبحانه، ويكون قوله: وَبِذلِكَ أُمِرْتُ على هذا التأويل- راجعاً إلى قوله: لاَ شَرِيكَ لَهُ فقطْ، أو راجعاً إلى القول وعلى التأويل الأول، يرجع إلى جميع ما ذُكِرَ من صلاة وغيرها، وقالتْ فرقة: النُّسُكُ في هذه الآية: الذبائح.
قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 369) .]] : ويُحَسِّن تخصيصَ الذبيحة بالذِّكْر في هذه الآية أنها نازلةٌ قد تقدَّم ذكرها، والجَدَل فيها في السُّورة، وقالتْ فرقة: النسك في هذه الآية: جميع أعمال الطاعاتِ مِنْ قولك: نَسَكَ فُلاَنٌ، فَهُوَ نَاسِكٌ إذا تعبَّد، وقرأ السبعة سوى نافع:
«وَمَحْيَايَ» - بفتح الياء-، وقرأ نافع [[ينظر: «السبعة» (274) ، و «الحجة» (3/ 440) ، و «إعراب القراءات» (1/ 174) ، و «معاني القراءات» (1/ 398) ، و «العنوان» (94) ، و «شرح الطيبة» (4/ 289) ، و «شرح شعلة» (386) ، و «حجة القراءات» (279) ، و «إتحاف» (2/ 40) .]] وحده: «وَمَحْيَايْ» - بسكون/ الياء-، قال أبو حَيَّان [[ينظر: «البحر المحيط» (4/ 262) .]] : وفيه جمع بين ساكنَيْنِ، وسوَّغ ذلك ما في الألفِ من المَدِّ القائمِ مَقَام الحركَة.
انتهى، وقوله: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، أي: من هذه الأمة.
وقوله سبحانه: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ... الآية: حكى النَّقَّاش أنه روي أنَّ الكُفَّار قالوا للنبيِّ ﷺ: ارجع يا محمَّد إلى ديننا، واعبد آلهتنا، واترك ما أنت عليه، ونحن نتكفَّل لك بكلِّ تباعة تتوقَّعها في دُنْيَاك وآخرتك، فنزلَتْ هذه الآية [[ذكره ابن عطية (2/ 370) .]] ، وهي استفهام يقتضي التوبيخَ لهم، وأَبْغِي: معناه أَطْلُبْ فكأنه قال: أفَيَحْسُنُ عندكم أن أَطْلُبَ إلهاً غير اللَّه الذي هو رَبُّ كلِّ شيء، وما ذكَرْتُم من كَفَالَتِكُمْ باطلٌ ليس الأمرُ كما تظُنُّون، فلا تَكْسِبُ كلُّ نفس من الشَّرِّ والإثم إلا عليها وحْدها، وَلا تَزِرُ، أي: تحملُ وازِرَةٌ، أي: حاملةٌ حمل أخرى وثقلها، و «الوِزْر» : أصله الثقل، ثم استعمل في الإثم تجوُّزاً واستعارة، ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ: تهديد ووعيد، وقوله: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، أي: في أمري في قول بعضكم: هو سَاحِرٌ، وبعضكم: هو شاعرٌ، إلى غير ذلك قاله بعض المتأوِّلين، وهذا التأويلُ يَحْسُنُ في هذا الموضع، وإن كان اللفظ يعمُّ جميع أنواع الاختلافاتِ بَيْن الأديان والملل والمذاهب وغير ذلك، وخَلائِفَ:
جمع خَلِيفَةِ، أي: يخلف بعضُكم بعضاً لأن مَنْ أتى خليفةٌ لِمَنْ مضى، وهذا يتصوَّر في جميع الأممِ وسائرِ أصنافِ الناسِ، ولكنه يحسن في أمة نبيّنا محمد ﷺ أن يسمى أهلها بجملتهم خلائِف للأمم، وليس لهم من يخلفهم إذ هم آخر الأمم، وعليهم تقومُ الساعة، وروى الحَسَنُ بْنُ أبي الحسن أنّ النبيّ ﷺ قال: «تُوفونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ، ويروى: «أَنْتُمْ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ» .
وقوله: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ: لفظٌ عامٌّ في المالِ، والقوةِ، والجاهِ، وجودةِ النفُوسِ والأذهانِ، وغير ذلك، وكل ذلك إنما هو ليختبر اللَّه سبحانه الخلْقَ، فيَرَى المحْسِنَ من المُسيء، ولما أخبر اللَّه عزَّ وجلَّ بهذا، ففسح للنَّاس مَيْدَانَ العَمَل، وحضَّهم سبحانه على الاستباقِ إلى الخيراتِ، توعَّد ووَعَد تخويفاً منه وترجيةً، فقال: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ إما بأخَذَاته في الدنيا، وإما بعقاب الآخرة، وحَسُنَ أنْ يوصف عقابُ الآخرة ب «سريع» لما كان متحقّقاً مضمون الإتيانِ والوقوعِ، وكلُّ آت قريبٌ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ: ترجيةٌ لمن أذنب وأراد التوبة، وهذا في كتاب اللَّه كثيرٌ، وهو اقتران الوعيد بالوعدِ لطفاً من اللَّه سبحانه بعبادِهِ، اللَّهم اجعلنا مِمَّنْ شملته رحْمَتُكَ وغُفْرانُكَ، بجُودِكَ وإحسانِكَ، ومِنْ كلام الشيخ الولي العارف أبي الحسن الشاذلي (رحمه اللَّه) قَالَ: من أراد ألاَّ يضره ذنْبٌ، فليقل: ربِّ أعوذ بك من عذابِكَ يَوْمَ تبعث عبادَكَ، وأعوذ بك مِنْ عاجل العذابِ، ومِنْ سوء الحسابِ، فإنك لسريعُ الحِسَاب، وإنك لغفور رحيم، ربّ إني ظلمت نفسي ظُلْماً كثيراً، فاغفر لي وتُبْ عليَّ لا إله إلا أنت، سبحانك، إني كنت من الظالمين.
انتهى، نسأل اللَّه أنْ ينفع به ناظِرَهُ وأنْ يجعله لنا ذخراً ونوراً يسعى بين أيدينا يوم لقائه، والحمدُ للَّه الَّذي بنعمته تتمُّ الصالحاتُ، وصلى اللَّه على سيدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم تسلما/.
انتهى هذا الجزء مصحّحا بالمقابلة على خط مؤلفه شكر الله سعيه، وقدّس سرّه ويليه الجزء الثالث وأوله سورة الأعراف ولله الحمد والمنة
{"ayahs_start":162,"ayahs":["قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","لَا شَرِیكَ لَهُۥۖ وَبِذَ ٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ","قُلۡ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِی رَبࣰّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَیۡءࣲۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَیۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةࣱ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ","وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَكُمۡ خَلَـٰۤىِٕفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضࣲ دَرَجَـٰتࣲ لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِی مَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِیعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورࣱ رَّحِیمُۢ"],"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَكُمۡ خَلَـٰۤىِٕفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضࣲ دَرَجَـٰتࣲ لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِی مَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِیعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورࣱ رَّحِیمُۢ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق