الباحث القرآني

وقوله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ قال بعضهم: هو خبر مبتدإ محذوف تقديره: هم الذين يبخلون، وقال بعضهم: هو في موضع نصب صِفَةً ل كُلَّ، وإنْ كان نكرةً فهو يُخَصَّصُ نوعاً ما فيسوغُ لذلك وصفه بالمعرفة، وهذا مذهبُ الأخفش، والْكِتابَ هنا: اسم جنس لجميع الكتب المُنَزَّلَةِ، وَالْمِيزانَ: العدل/ في تأويل الأكثرين. وقوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ عَبَّرَ سبحانه عن خلقه الحديدَ بالإنزال كما قال: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ [الزمر: 6] الآية، قال جمهورٌ من المفسرين: الحديد هنا أراد به جِنْسَهُ من المعادن وغيرها، وقال حُذَّاقٌ من المفسرين: أراد به السلاح، ويترتب معنى الآية بأَنَّ اللَّه أخبر أَنَّهُ أرسل رُسُلاً، وأنزل كتباً، وعدلاً مشروعاً، وسلاحاً يُحَارَبُ به مَنْ عاند، ولم يقبل هدى اللَّه إذْ لم يبقَ له عذر، وفي الآية- على هذا التأويل- حَضٌّ على القتال في سبيل اللَّه وترغيبٌ فيه. وقوله: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ يقوِّي هذا التأويل. وقوله: بِالْغَيْبِ معناه: بما سمع من الأَوصاف الغائبة عنه فآمن بها، وباقي الآية بين. وقوله سبحانه: وقَفَّيْنا معناه: جئنا بهم بعد الأولِينَ، وهو مأخوذ من القفا، أي: جيء بالثاني في قَفَا الأَوَّلِ، فيجيء الأول بين يدي الثاني، وقد تقدم بيانه. وقوله سبحانه: وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً: الجعل في هذه الآية بمعنى الخلق. وقوله: ابْتَدَعُوها: صفة لرهبانية، وخَصَّها بِأَنَّها ابْتُدِعَتْ لأََنَّ الرأفة والرحمةَ في القلب، لا تَكَسُّبَ للإنسان فيها، وَأَمَّا الرهبانيةُ فهي أفعال بدن مع شيء في القلب، ففيها موضعٌ لِلتَّكَسُّبِ، ونحو هذا عن قتادة [[أخرجه الطبري (11/ 690) ، برقم: (33673) ، وذكره ابن عطية (5/ 270) .]] ، والمراد بالرأفة والرحمة حُبُّ بعضهم في بعض وتوادُّهُم، والمراد بالرهبانية: رَفْضُ النساء، واتخاذ الصوامع والديارات، والتفردُ للعبادات، وهذا هو ابتداعهم، ولم يَفْرِضِ اللَّه ذلك عليهم، لكنهم فعلوا ذلك ابتغاءَ رضوان اللَّه هذا تأويل جماعة، وقرأ ابن مسعود [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 270) .]] : / «مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ لَكِنِ ابتدعوها» وقال مجاهد [[ذكره ابن عطية (5/ 270) .]] : المعنى: كتبناها عليهم ابتغاءَ رضوان اللَّه، فالاستثناء على هذا مُتَّصِلٌ، واخْتُلِفَ في الضمير الذي في قوله: فَما رَعَوْها مَنِ المراد به؟ فقال ابن زيد وغيره [[أخرجه الطبري (11/ 692) ، برقم: (33678) ، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، وذكره ابن عطية (5/ 270) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 259) ، وعزاه لسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن مردويه، وابن نصر.]] : هو عائد على الذين ابتدعوا الرهبانِيَّة، وفي هذا التأويل لزومُ الإتمام لِكُلِّ مَنْ بدأ بتطوّع ونفل، وأنّه يلزمُه أَنْ يرعاه حَقَّ رعيه، وقال الضَّحَّاكُ وغيره [[أخرجه الطبري (11/ 692) ، برقم: (33681) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، وذكره ابن عطية (5/ 270) .]] : الضمير للأخلاف الذي جاؤوا بعد المبتدعين لها، ورُوِّينَا في «كتاب الترمذيِّ» عن كثير بن عبد اللَّه المُزَنِيِّ، عن أبيه، عن جدّه: «أنّ النبي ﷺ قال لبِلال بن الحارث: اعْلَمْ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: اعْلَمْ يَا بِلاَلُ! قَالَ: مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنَّهُ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي، فَإنَّ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَنْ عَمِلَ بِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنِ ابتدع بِدْعَةَ ضَلاَلَةٍ، لاَ يَرْضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهَا- كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِ النَّاسِ شَيْئاً» [[أخرجه الترمذي (5/ 45) ، كتاب «العلم» باب: ما جاء في الأخذ بالسنة، واجتناب البدع (2677) . قال الترمذي: هذا حديث حسن وللحديث شواهد في الصحيح.]] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، انتهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب