الباحث القرآني
وقوله سبحانه: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ... الآية: لما ذكر تعالى المغفرة التي في الآخرة، ندب في هذه الآية إلى المسارعة إليها والمسابقة، وهذه الآية حُجَّةٌ عند جميع العلماء في الندب إلى الطاعات، وقدِ استدلَّ بها بعضُهم على أَنَّ أَوَّلَ أوقات الصلوات أَفضلُ لأَنَّهُ يقتضي المسارعةَ والمسابقةَ، وذكر سبحانه العَرْضَ من الجنة إذِ المعهودُ أَنَّهُ أَقَلُّ من الطول، وقد ورد في الحديث: «أَنَّ سَقْفَ الجَنَّةِ الْعَرْشُ» وورد في الحديث: «أَنَّ السموات السَّبْعَ في الكُرْسِيِّ كَالدِّرْهَمِ في الْفَلاَةِ، وَأَنَّ الْكُرْسِيَّ في الْعَرْشِ كَالدِّرْهَمِ في الْفَلاَةِ» [[تقدم تخريجه.]] .
ت: أيها الأخ، أَمَرَكَ المولى سبحانه بالمسابقة والمسارعة رحمةً منه وفضلاً، فلا تغفلْ عن امتثال أمره وإجابة دعوته: [الخفيف]
السِّبَاقَ السِّبَاقَ قَوْلاً وَفِعْلاً ... حَذَرَ النَّفْسِ حَسْرَةَ/ الْمَسْبُوقِ
ذكر صاحبُ «معالم الإيمان، وروضات الرضوان» في مناقب صلحاء القيروان، قال:
ومنهم أبو خالد عبد الخالق المتعبد، كان كثيرَ الخوف والحزن، وبالخوف مات رأى يوماً خَيْلاً يسابق بها، فتقدمها فرسان، ثم تقدم أَحَدُهُمَا على الآخر، ثم جَدَّ التالي حتى سَبَقَ الأول، فتخلَّلَ عبد الخالق الناسَ حَتَّى وصلَ إلى الفرس السابق، فجعل يُقَبِّلُهُ ويقول: بارك اللَّه فيك، صَبَرْتَ فظفرت، ثم سقط مغشيّا عليه، انتهى.
وقوله سبحانه: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ... الآية: قال ابن زيد وغيره [[أخرجه الطبري (11/ 686) ، برقم: (33662) ، وذكره ابن عطية (5/ 268) .]] : المعنى: ما حدث من حادث، خيرٍ وشَرٍّ، فهذا على معنى لفظ أصاب، لا على عُرْفِ المصيبة فإنَّ عُرْفَهَا في الشر، وقال ابن عباس [[ذكره ابن عطية (5/ 268) .]] ما معناه: أَنَّه أراد عرف المصيبة، فقوله: فِي الْأَرْضِ يعني: بالقحوط، والزلازل، وغير ذلك وفِي أَنْفُسِكُمْ: بالموت، والأمراض، وغير ذلك.
وقوله: إِلَّا فِي كِتابٍ معناه: إلاَّ والمصيبة في كتاب ونَبْرَأَها معناه: نخلقها يقال: برأ اللَّهُ الخلق، أي: خلقهم، والضميرُ عائد على المصيبة، وقيل: على الأرض، وقيل: على الأنفس قاله ابن عباس وجماعة [[أخرجه الطبري (11/ 685) ، برقم: (33657) ، وذكره ابن عطية (5/ 268) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 257) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عبّاس.]] ، وذكر المهدويُّ جوازَ عود الضمير على جميع ما ذُكِر، وهي كُلُّها معانٍ صِحَاحٌ.
إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ: يريد تحصيلَ الأشياءِ كلها في كتاب، وقال الثعلبي:
وقيل المعنى: إنَّ خَلْقَ ذلك وحِفْظَ جميعه، على اللَّه يسير، انتهى.
وقوله: لِكَيْلا تَأْسَوْا معناه: فَعَلَ اللَّهُ هذا كُلَّه، وأَعلمكم به ليكونَ سَبَبَ تسليتكم وقِلَّةَ اكتراثكم بأمور الدنيا، فلا تحزنوا على فائت، ولا تفرحوا الفَرَحَ المبطر بما آتاكم/ منها، قال ابن عباس [[أخرجه الطبري (11/ 687) ، برقم: (33666) ، وذكره ابن عطية (5/ 268) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 257) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في «شعب الإيمان» .]] : ليس أحد إلاَّ يحزنُ أو يفرحُ، ولكن مَنْ أصابته مصيبةٌ فليجعلها صبراً، ومَنْ أصابه خير فليجعله شكراً وفي «صحيح مسلم» عن أبي سعيد وأبي هريرةَ، أَنَّهُمَا سَمِعَا رسولَ اللَّه ﷺ يقول: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ وَصَبٍ وَلاَ نَصَبٍ، وَلاَ سَقَمٍ وَلاَ حَزَنٍ، حَتَّى الهَمِّ يَهُمُّهُ- إلاَّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ» [[أخرجه البخاري (10/ 107) ، كتاب «المرضى» باب: ما جاء في كفارة المريض وقوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (5641- 5642) ، ومسلم (4/ 1992، 1993) ، كتاب «البر والصلة والآداب» باب: ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها (52/ 2573) ، وأحمد (2/ 303، 335) ، (3/ 18- 19، 48) عن أبي هريرة، (2/ 303، 335) ، (3/ 18- 19، 48) عن أبي سعيد، والبيهقي (3/ 373) ، كتاب «الجنائز» باب: ما ينبغي لكل مسلم أن يستشعره من- الصبر على الأمراض والأوجاع والأحزان، لما فيها من الكفارات والدرجات، عنهما جميعا، وابن الشجري في «أماليه» (2/ 279) عن أبي سعيد، والبخاري في «الأدب المفرد» (145) (488) .]] ، وفي «صحيح مسلم» عن عائشة قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، إلاَّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خِطِيئَةٌ» [[أخرجه البخاري (10/ 107) كتاب «المرضى» باب: ما جاء في كفارة المريض، وقوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (5640) ، ومسلم (4/ 1992/ 1993) ، كتاب «البر والصلة والآداب» باب: ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها (46، 51/ 2572) . والبيهقي (3/ 373) ، كتاب «الجنائز» باب: ما ينبغي لكل مسلم أن يستشعره من الصبر على جميع ما يصيبه من الأمراض والأوجاع، والأحزان لما فيها من الكفارات، والدرجات، وأحمد (6/ 247، 248) ، وابن الشجري في «الأمالي» (2/ 279) .]] ، وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرةَ قال:
لَمَّا نَزَلَتْ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء: 123] بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مبلغا شديدا، فقال رسول الله ﷺ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ المُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا وَالشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا» [[ينظر: السابق.]] ، انتهى، وقد تقدم كثير في هذا المختصر من هذا المعنى، فالله المسئول أَنْ ينفع به كُلَّ مَنْ حَصَّله أو نظر فيه.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ: يدلُّ على أَنَّ الفرحَ المنهيَّ عنه إنَّما هو ما أَدَّى إلى الاختيال والفخر، وأَمَّا الفَرَحُ بنعم اللَّه المقترن بالشكر والتواضع، فَإنَّه لا يستطيع أَحَدٌ دَفْعَهُ عن نفسه، ولا حرجَ فيه، واللَّه أعلم.
{"ayahs_start":21,"ayahs":["سَابِقُوۤا۟ إِلَىٰ مَغۡفِرَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَ ٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ","مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَاۤۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ","لِّكَیۡلَا تَأۡسَوۡا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُوا۟ بِمَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالࣲ فَخُورٍ"],"ayah":"مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَاۤۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق