الباحث القرآني
وقوله سبحانه: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ... الآية، العامل في يَوْمَ قوله: وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ والرؤية هنا رؤية عينٍ، والجمهور أَنَّ النورَ هنا هو نور حقيقة، وقد روي في هذا عن ابن عباس وغيره [[ذكره ابن عطية (5/ 261) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 251) ، وعزاه لابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي في «البعث» .]] آثار مضمنها: أَنَّ كل مؤمن ومُظْهِرٍ للإيمان، يُعْطَى/ يومَ القيامة نوراً فَيُطْفَأُ نُورُ كُلِّ منافقٍ، ويبقى نورُ المؤمنين، حتى إِنَّ منهم مَنْ نورُه يضيء كما بين مكّة وصنعاء رفعه قتادة إلى النبي ﷺ [[ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 250) ، وعزاه إلى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر.]] ، ومنهم مَنْ نوره كالنخلة السحوق، ومنهم مَنْ نورُه يضيء ما قَرُبَ من قدميه قاله ابن مسعود [[أخرجه الحاكم موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه (2/ 478) ، ومثل هذا له حكم الرفع لأن ليس-]] ، ومنهم مَنْ يَهُمُّ بالانطفاء مرة وَيَبِينُ مرة على قدر المنازل في الطاعة والمعصية، قال الفخر [[ينظر: «تفسير الفخر الرازي» (29/ 194) عن مجاهد.]] : قال قتادة [[ذكره ابن كثير في «تفسيره» عن جنادة بن أمية (4/ 308) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 250) ، وعزاه لابن المنذر عن يزيد بن شجرة.]] : ما من عبد إلاَّ وينادى يوم القيامة: يا فلان، هذا نورك، يا فلان، لا نورَ لك، نعوذ باللَّه من ذلك! واعلم أَنَّ العلمَ الذي هو نور البصيرة أولى بكونه نوراً من نور البصر، وإذا كان كذلك ظهر أَنَّ معرفة اللَّه تعالى هي النورُ في القيامة، فمقادير الأنوار يومَ القيامة على حسب مقادير المعارف في الدنيا، انتهى، ونحوه للغزالي، وخَصَّ تعالى بين الأيدي بالذكر لأَنَّهُ موضع حاجة الإنسان إلى النور، واخْتُلِفَ في قوله تعالى:
وَبِأَيْمانِهِمْ فقال بعض المتأولين: المعنى: وعن أيمانهم، فكأَنَّه خَصَّ ذكر جهة اليمين تشريفاً، وناب ذلك مَنَابَ أَنْ يقول: وفي جميع جهاتهم، وقال جمهور المفسرين:
المعنى: يسعى نورُهم بين أيديهم، يريد الضوء المنبسط من أصل النور، وَبِأَيْمانِهِمْ:
أصله، والشيءُ الذي هو مُتَّقَدٌ فيه، فتضمن هذا القولُ أَنَّهم يحملون الأنوار، وكونهم غير حاملين أكرم أَلاَ ترى أَنَّ فضيلةَ عباد بن بشر وأسيد بن حضير إنَّما كانت بنور لا يحملانه، هذا في الدنيا، فكيف بالآخرة؟! ت: وفيما قاله ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 261) .]] : عندي نظر، وأَيضاً فأحوال الآخرة لا تُقَاسُ على أحوال الدنيا!.
وقوله تعالى: بُشْراكُمُ أي: يقال لهم: بشراكم جَنَّاتٌ أي دخولُ جنات.
ت: وقد جاءت- بحمد اللَّه- آثار بتبشير هذه الأُمَّةِ المحمديَّةِ، وخَرَّجَ ابن ماجة قال: أخبرنا جُبَارة بن المغلِّس، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن أبي بردة، عن أبيه قال: قال النبيُّ ﷺ: «إذَا جَمَعَ [اللَّهُ] الخَلاَئِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَذِنَ لأمّة محمّد ﷺ في السُّجُودِ، فَسَجَدُوا طَوِيلاً، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ، فَقَدْ جَعَلْنَا عِدَتَكُمْ فِدَاءَكُمْ مِنَ النَّارِ» [[أخرجه ابن ماجه (2/ 1434) ، كتاب «الزهد» باب: صفة محمّد ﷺ (4291) ، قال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد ضعيف لضعف جبارة بن المغلس.]] ، قال ابن ماجه: وحدَّثنا جُبَارَةُ بْنُ المُغَلِّسِ، حدثنا كِثِيرُ بن سليمان: عن أنس بن مالك، قال: قال النبي ﷺ: «إنَّ هذه الأُمَّةَ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، عَذَابُهَا بِأَيْدِيهَا، فَإذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُفِعَ إلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ فَيُقَالُ: هذا فداؤك من النَّارِ» [[أخرجه ابن ماجه (2/ 1434) ، كتاب «الزهد» باب: صفة أمة محمّد ﷺ (4292) ، وأحمد (4/ 408) .
قال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد ضعيف لضعف كثير وجبارة، وقد أعله البخاري، قد تقدم في الحديث الذي قبله.]] ، وفي «صحيح مسلم» : «دَفَعَ اللَّهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ: هذا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ» انتهى من «التذكرة» [[ينظر: «التذكرة» للقرطبي (2/ 567- 568) .]] .
وقوله تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ قيل: يَوْمَ هو بدل من الأول، وقيل:
العامل فيه «اذكر» ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 261) .]] : ويظهر لي أَنَّ العاملَ فيه قوله تعالى: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ويجيء معنى الفوز أَفْخَمَ كأَنَّهُ يقول: إنَّ المؤمنين يفوزون بالرحمة يومَ يعتري المنافقين كذا وكذا، لأَنَّ ظهورَ المرء يومَ خمول عَدُوِّه ومُضَادِّهِ أَبْدَعُ وأَفْخَمُ، وقول المنافقين هذه المقالةَ المحكية، هو عند انطفاء أنوارهم، كما ذكرنا قبل، وقولهم:
«انْظُرُونَا» معناه: انتظرونا، وقرأ حمزة وحده [[ينظر: «السبعة» (626) ، و «الحجة» (6/ 269) ، و «إعراب القراءات» (2/ 350) ، و «حجة القراءات» (699) ، و «العنوان» (186) ، و «شرح شعلة» (598) ، و «شرح الطيبة» (6/ 39) ، و «إتحاف» (2/ 521) ، و «معاني القراءات» (3/ 55) .]] : «انظرونا» - بقطع الألف وكسر/ الظاء- ومعناه أَخِّرُونا ومنه: فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ومعنى قولهم أَخِّرونا، أي: أخِّروا مشيَكم لنا حَتَّى نلتحق فنقتبسَ من نوركم، واقتبس الرجل: أخذ من نور غيره قَبَساً، قال الفخر [[ينظر: «الفخر الرازي» (29/ 169) .]] :
القَبَسُ: الشعلة من النار والسراج، والمنافقون طَمِعُوا في شيء من أنوار المؤمنين، وهذا منهم جهل لأَنَّ تلك الأنوار نتائج الأعمال الصالحة في الدنيا، وهم لم يقدموها، قال الحسن: يُعْطَى يومَ القيامة كُلُّ أحد نوراً على قَدْرِ عمله، ثم يؤخذ من حجر جهنم ومِمَّا فيها من الكلاليب والحسك ويُلْقَى على الطريق، ثم تمضي زمرة من المؤمنينَ، وُجُوهُهُم كالقمر ليلةَ البدر، ثم تمضي زمرة أخرى كأضواء كوكب في السماء، ثم على ذلك، ثم تغشاهم ظلمة تطفئ نورَ المنافقين، فهنالك يقول المنافقون للذين آمنوا: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، انتهى.
وقوله تعالى: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ يحتمل أنْ يكون من قول المؤمنين [لهم] ، [ويحتمل أنْ يكون من قول] [[سقط في: د.]] الملائكة، والقول لهم: فَالْتَمِسُوا نُوراً: هو على معنى التوبيخ لهم، أي: إنَّكم لا تجدونه، ثم أعلم تعالى أَنَّهُ يضرب بينهم في هذه الحال بسورٍ حاجز، فيبقى المنافقون في ظُلْمَةٍ وعذاب.
وقوله تعالى: باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ أي: جهة المؤمنين وَظاهِرُهُ: جهة المنافقين، والظاهر هنا: البادي ومنه قول الكُتَّابِ: من ظاهر مدينة كذا، وعبارة الثعلبيِّ: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ: وهو حاجز بين الجنة والنار، قال أبو أمامة الباهليُّ [[ذكره ابن كثير في «تفسيره» (4/ 308) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 250) ، وعزاه لابن المبارك، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه، والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن أبي إمامة الباهلي.]] : فيرجعون إلى المكان الذي قُسِّمَ فيه النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم، وقد ضُرِبَ بينهم/ بسور، قال قتادة [[أخرجه الطبري (11/ 678) ، برقم: (33621) ، وذكره ابن عطية (5/ 262) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 252) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]] : حائط بين الجنة والنار، له باب باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، يعني: الجنة، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ يعني النار، انتهى، قال- ص-: قال أبو البقاء: الباء في بِسُورٍ زائدة، وقيل: ليست بزائدة، قال أبو حيان [[ينظر: «البحر المحيط» (8/ 221) .]] : والضمير في باطِنُهُ عائدٌ على الباب، وهو الأظهر لأَنَّهُ الأقرب، وقيل: على سور، أبو البقاء: والجملة صفة ل «باب» أو ل «سور» ، انتهى.
{"ayahs_start":12,"ayahs":["یَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ یَسۡعَىٰ نُورُهُم بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَبِأَیۡمَـٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡیَوۡمَ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ","یَوۡمَ یَقُولُ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتُ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِیلَ ٱرۡجِعُوا۟ وَرَاۤءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُوا۟ نُورࣰاۖ فَضُرِبَ بَیۡنَهُم بِسُورࣲ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِیهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَـٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ"],"ayah":"یَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ یَسۡعَىٰ نُورُهُم بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَبِأَیۡمَـٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡیَوۡمَ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق