وقوله سبحانه: وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ قال ابْنُ زَيْدٍ وغيره: معناه أَنَّ هاتين دون تَيْنِكَ في المنزلة والقُرْبِ، فالأُولَيَانِ للمقرَّبين، وهاتان لأصْحَابِ اليَمِينِ [[أخرجه الطبري (11/ 610) برقم: (33140) ، وذكره ابن عطية (5/ 234) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 279) .]] ، وعن ابن عباس [[ذكره ابن عطية (5/ 235) .]] :
أَنَّ المعنى: أَنَّهُمَا دونهما في القرب إلى المُنَعَّمِينَ، وأَنَّهُما أفضلُ من الأُولَيَيْنِ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 235) .]] : وأكثر الناس على التأويل الأول.
ت: واختار الترمذيُّ الحكيمُ التأويلَ الثاني، وأطنب في الاحتجاج له في «نوادر الأصول» له، وخَرَّجَ البخاريُّ هنا عن النبيِّ ﷺ قال: جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ... » الحديث، وفيه: «إنَّ في الجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً، في كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْل مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المؤمن» [[أخرجه البخاري (8/ 491) ، كتاب «التفسير» باب: ومن دونهما جنتان (4878) باب: حور مقصورات في الخيام (4880) ، (13/ 433) ، كتاب «التوحيد» باب: قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ
(7444) ، ومسلم (1/ 163) ، كتاب «الإيمان» باب: إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم، برقم: (296/ 180) ، وابن ماجه (1/ 66- 67) «المقدمة» باب: فيما أنكرت الجهمية (186) ، والترمذي (4/ 581) ، كتاب «صفة الجنة» باب: ما جاء في صفة غرف الجنة (2528) ، والدارمي (2/ 333) .]] انتهى، ومُدْهامَّتانِ معناه: قد علا لَوْنَهُمَا دُهْمَةٌ وَسَوَادٌ في النظرة والخضرة، ة، قال البخاريُّ: مُدْهامَّتانِ: سودَاوَانِ من الرِّيِّ [[ينظر: «صحيح البخاري» (8/ 487) كتاب: «التفسير» ، باب: سورة الرحمن قال ابن حجر: وصله الفريابي.]] ، انتهى، والنَّضَّاخَةُ: الفَوَّارَةُ التي يَهِيجُ ماؤُها، وكَرَّرَ النخلَ والرُّمَّانَ، وهما من أفضل الفاكهة تشريفاً لهما، وقالت أُمُّ سَلَمَةَ: «قلتُ: يا رسول اللَّه، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: خَيْراتٌ حِسانٌ قالَ:
خَيْرَاتُ الأَخْلاَقِ، حِسَانُ الْوُجُوهِ» وَقُرِىَء شاذّاً: «خَيِّرَاتٌ» - بِشَدِّ الياء المكسورة [[قرأ بها أبو عثمان النهدي، وأبو بكر بن حبيب السهمي.
ينظر: «الشواذ» ص: (151) ، و «المحرر الوجيز» (5/ 235) .]] -.
ت: وفي «صحيح البخاريّ» من حديث أنس عن النبيّ ﷺ: لَرَوْحَة في سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ في الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قَيْدِ سَوْطِهِ خَيْرٌ/ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امرأة مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اطلعت إلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحاً، وَلَنَصِيفُهَا على رَأْسِهَا- يعني الخِمَارَ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [[أخرجه البخاري (6/ 17) ، كتاب «الجهاد والسير» ، باب الغدوة والروحة في سبيل الله وقاب قوس أحدكم في الجنة (2792) باب: الحور العين وصفتهن (2796) ، (11/ 425) كتاب «الرقاق» ، باب:
صفة الجنة والنار (6568) ، ومسلم (3/ 1499) ، كتاب «الإمارة» باب: فضل الغدوة والروحة في سبيل الله (112/ 1880) .
وفي الباب من حديث أبي هريرة: أخرجه البخاري (6/ 17) ، كتاب «الجهاد والسير» باب: الغدوة والروحة في سبيل الله، وقاب قوس أحدكم في الجنة (2793) ، مسلم (3/ 1500) ، كتاب «الإمارة» باب: فضل الغدوة والروحة في سبيل الله (114/ 1882) .
وفي الباب من حديث سهل بن سعد: أخرجه البخاري (6/ 17) ، كتاب «الجهاد والسير» باب: الغدوة والروحة في سبيل الله، وقاب قوس أحدكم في الجنة (2794) ، (6/ 100) باب: فضل رباط يوم في سبيل الله (2892) ، (11/ 236) كتاب «الرقاق» باب: مثل الدنيا في الآخرة (6415) ، ومسلم (3/ 1500) كتاب «الإمارة» باب: فضل الغدوة والروحة في سبيل الله (113/ 8181) ، والترمذي (4/ 188) ، كتاب «فضائل الجهاد» باب: ما جاء في فضل المرابط (1664) ، والترمذي (4/ 188) ، والنسائي (6/ 15) ، كتاب «الجهاد» باب: فضل غدوة في سبيل الله (3118) ، وابن ماجه (2/ 921) كتاب «الجهاد» باب: فضل الغدوة والروحة في سبيل الله (2756) ، وأحمد (5/ 339) .]] .
وقوله سبحانه: مَقْصُوراتٌ أي: محجوبَاتٌ مَصُونَاتٌ في الخيام، وخيامُ الجَنَّةِ بُيُوتُ اللؤلؤ، قال عمر بن الخَطَّاب- رضي اللَّهُ عنه [[أخرجه الطبري (11/ 616) برقم: (33199) ، وذكره ابن عطية (5/ 236) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 210) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي الأحوص.]] -: هي دُرٌّ مُجَوَّفٌ، ورواه ابن مَسْعَودٍ عن النبيِّ ﷺ. قال الداوديُّ: وعن ابن عباس [[أخرجه الطبري (11/ 616) برقم: (33197) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 280) ، والسيوطي في «الدر-]] : والخيمة لؤلؤة مجوّفة فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مِصْرَاعٍ، انتهى.
و «الرَّفْرَفُ» : ما تدلى من الأَسِرَّةِ من عالي الثياب والبُسُطِ، وقاله ابن عَبَّاس وغيره [[أخرجه الطبري (11/ 619) برقم: (33225) ، وذكره البغوي (4/ 278) ، وابن عطية (5/ 236) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 213) ، وعزاه للفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر.]] ، وما يتدلى حول الخِبَاءِ مِنَ الْخِرْقَةِ الهَفَّافَةِ يُسَمَّى رَفْرَفاً، وكذلك يُسَمِّيه الناسُ اليومَ، وقيل غَيْرُ هذا، وما ذكرناه أصْوَبُ، والعَبْقَرِيُّ: بُسُطٌ حِسَانٌ، فيها صُوَرٌ وغَيْرُ ذلك، تُصْنَعُ بعَبْقَر، وهو موضعٌ يُعْمَلُ فيه الوشْيُ والدِّيبَاجُ ونحوه، قال ابن عباس: العَبْقَرِيُّ [[أخرجه الطبري (11/ 620) برقم: (33235) ، وذكره ابن عطية (5/ 236) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 280) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 214) ، وعزاه لعبد بن حميد.]] :
الزَّرَابِيُّ [[وهي جمع زربية، وهو نوع من الثياب محبّر منسوب إلى موضع، وقال المؤرخ: زرابي البيت:
ألوانه ... وقيل: هي البسط العراض. وقيل: ما بها خملة.
ينظر: «عمدة الحفاظ» (2/ 156) .]] ، وقال ابن زيد [[أخرجه الطبري (11/ 620) برقم: (33241) ، وذكره ابن عطية (5/ 236) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 213) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر.]] : هي الطَّنَافِس»
، قال الخليل والأصمعيُّ: العَرَبُ إذا استحسنَتْ شيئاً واستجادَتْهُ قالَتْ: عَبْقَرِيٌّ، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 237) .]] : ومنه قوله ﷺ في عُمَرَ: «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ» [[أخرجه البخاري (7/ 23) ، كتاب «فضائل الصحابة» باب: قول النبي ﷺ: «لو كنت متخذا خليلا (3664) ، ومسلم (4/ 1861) ، كتاب «فضائل الصحابة» باب: من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه (17- 18/ 2392) ، وأحمد (2/ 368، 450) عن أبي هريرة.
وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (7/ 50) ، كتاب «فضائل الصحابة» باب: مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3682) ، ومسلم (4/ 1862) ، كتاب «فضائل الصحابة» باب: فضائل عمر رضي الله عنه (19/ 2393) ، وأحمد (2/ 27، 28، 39، 89، 104، 107) .]] .
وقوله سبحانه: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ: هذا الموضعُ مِمَّا أُرِيدَ فيه بالاسم مُسَمَّاهُ، والدعاءُ بهاتَيْنِ الكلمتَيْنِ حَسَنٌ مَرْجُوُّ الإجابة، وقد قال ﷺ: «ألظّوا ب:
«يا ذا الجلال والإكرام» [[أخرجه الترمذي (5/ 239) ، كتاب «الدعوات» باب: (92) (3524) ، وأحمد (4/ 177) .
قال الترمذي: هذا حديث غريب.]] .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.
{"ayahs_start":62,"ayahs":["وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","مُدۡهَاۤمَّتَانِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","فِیهِمَا عَیۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","فِیهِمَا فَـٰكِهَةࣱ وَنَخۡلࣱ وَرُمَّانࣱ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","فِیهِنَّ خَیۡرَ ٰتٌ حِسَانࣱ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","حُورࣱ مَّقۡصُورَ ٰتࣱ فِی ٱلۡخِیَامِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","لَمۡ یَطۡمِثۡهُنَّ إِنسࣱ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَاۤنࣱّ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","مُتَّكِـِٔینَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرࣲ وَعَبۡقَرِیٍّ حِسَانࣲ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","تَبَـٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِی ٱلۡجَلَـٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ"],"ayah":"وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ"}