الباحث القرآني

وقوله سبحانه: هذا مَا تُوعَدُونَ يحتمل أنْ يكونَ معناه: يقال لهم في الآخرة عند إزلاف الجنة: هذا الذي كنتم توعدون به في الدنيا، ويحتمل أنْ يكون خطاباً لِلأُمَّةِ أي: هذا ما توعدون أَيُّها الناس لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ: والأَوَّابُ: الرَّجَّاعُ إلى الطاعة وإلى مراشد نفسه، وقال ابن عباس وعطاء [[أخرجه الطبري (11/ 428) برقم: (31926) عن ابن عبّاس، وذكره البغوي (4/ 225) ، وابن عطية (5/ 166) .]] : الأَوَّابُ: المُسَبِّحُ من قوله: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سبأ: 10] وقال المُحَاسِبِيُّ [[ذكره ابن عطية (5/ 166) .]] : هو الراجع بقلبه إلى ربه، وقال عبيد بن عمير [[ذكره ابن عطية (5/ 166) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 228) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 126) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن المنذر.]] : كُنَّا نتحدث أَنَّه الذي إذا قام من مجلسه استغفر اللَّه مِمَّا جرى في ذلك المجلس، وكذلك كان النبيّ ﷺ يفعل [[ذكره الهندي في «كنز العمال» (7/ 153) برقم: (18478) ، وعزاه إلى ابن السني عن عبد الله الحضرمي.]] ، والحفيظ معناه: لأوامر اللَّه، فيمتثلها، ولنواهيه فيتركها، وقال ابن عباس» : حفيظ لذنوبه حَتَّى يرجعَ عنها، والمُنِيبُ: الراجع إلى الخير المائِلُ إليه قال الدَّاوُودِيُّ [[أخرجه الطبري (11/ 429) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 126) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر.]] : وعن قتادَةَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ قال: مُقْبِلٌ على اللَّه سبحانه، انتهى. وقوله سبحانه: ادْخُلُوها أي: يقال لهم: ادخلوها. وقوله عز وجل: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ خبر بأَنَّهم يُعْطَوْنَ آمالهم أجمع، ثم أبهم تعالى الزيادةَ التي عنده للمؤمنين المُنَعَّمِينَ، وكذلك هي مُبْهَمَةٌ في قوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: 17] وقد فسر ذلك الحديثُ الصحيحُ، وهو قوله- عليه السلام-: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ: مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، بَلْهَ مَا اطَّلَعْتُمْ عَلَيْهِ [[تقدم.]] قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 166) .]] : وقد ذكر الطبريُّ وغيره في تعيين هذا المزيد أحاديثَ مطولة، وأشياءَ ضعيفةً لأَنَّ/ اللَّه تعالى يقول: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ وهم يعينونها تكلفاً وتعسفاً. وقوله تعالى: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ أي: ولجوا البلادَ من أنقابها طمعاً في النجاة من الهلاك هَلْ مِنْ مَحِيصٍ أي: لا محيصَ لهم، وقرأ ابن عبّاس وغيره: «فنقّبوا» على الأمر لهؤلاء الحاضرين [[وقرأ بها أبو العالية، ويحيى بن يعمر، ونصر بن سيار. ينظر: «المحتسب» (2/ 285) ، و «المحرر الوجيز» (5/ 167) ، و «البحر المحيط» (8/ 127) ، وزاد نسبتها إلى أبي حيوة، والأصمعي عن أبي عمرو. وهي في «الدر المصون» (6/ 181) .]] . ت: وعبارة البخاريِّ «فَنَقَّبُوا» : ضربوا [[ينظر: «صحيح البخاري» (8/ 458) ، تفسير سورة (ق) .]] ، وقال الداودي: وعن أبي عبيدةَ فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ: طافوا، وتباعدوا، انتهى. وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ يعني: إهلاك مَنْ مضى لَذِكْرى أي: تذكرة، والقلبُ عبارة عن العقل إذْ هو مَحِلُّهُ، والمعنى: لمن كان له قلب واعٍ ينتفعُ به، وقال الشبليُّ: معناه: قلب حاضر مع اللَّه، لا يغفلُ عنه طرفةَ عين. وقوله تعالى: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ معناه: صَرَفَ سَمْعَهُ إلى هذه الأنباء الواعظة، وأثبته في سماعها وَهُوَ شَهِيدٌ قال بعض المتأولين: معناه: وهو مشاهِد مُقْبَلٌ على الأمر، غيرُ مُعْرِضٍ ولا مُفَكِّرٍ في غير ما يسمع. ت: ولفظ البخاريِّ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ أي: لا يحدث نفسَه بغيره شَهِيدٌ أي: شاهد بالقلب، انتهى، قال المُحَاسِبيُّ في «رعايته» : وقد أَحْبَبْتُ أَنْ أَحُضَّكَ على حُسْنِ الاستماع لتدركَ به الفهمَ عن اللَّه عز وجل في كُلِّ ما دعاك إليه فإنَّه تعالى أخبرنا في كتابه أَنَّ مَنِ استمع كما يُحِبُّ اللَّهُ تعالى وَيَرْضَى، كان له فيما يستمع إِليه ذِكْرَى، يعني: اتعاظاً، وإذا سَمَّى الله عز وجل لأحد من خلقه شَيْئاً فهو له كما سَمَّى، وهو واصل إليه كما أخبر قال عز وجل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ قال مجاهد [[أخرجه الطبري (11/ 433) برقم: (31952) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 129) ، وعزاه للفريابي، وابن جرير.]] : شاهد القلب، لا يُحَدِّثُ نفسَه بشيء ليس بغائب القلب، فَمَنِ استمع إلى كتاب الله عز وجل، أو إلى حكمة، أو إلى علم، أو إلى عِظَةٍ، لا يُحَدَّثُ نفسَه بشيء غيرِ ما يستمع إليه، قَدْ أشهد قَلْبَهُ ما استمع إليه، يريد الله- عز وجل به-: كان له فيه ذكرى لأَنَّ اللَّه تعالى قال ذلك، فهو كما قال عز وجل، انتهى كلام المحاسبيِّ، وهو دُرٌّ نفيس، فَحَصِّلْهُ، واعملْ به تَرْشُدْ، وقد وجدناه، كما قال، وبالله التوفيق.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب