الباحث القرآني

وقوله سبحانه: مَّا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ ... الآية، قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة: يكتب الملكانِ جميعَ الكلام، فيثبت اللَّه من ذلك الحسناتِ والسيئات، ويمحو غيرَ هذا [[أخرجه الطبري (11/ 417) برقم: (31865) ، وذكره ابن عطية (5/ 160) .]] ، وهذا هو ظاهر هذه الآية، قال أبو الجوزاء، ومجاهد: يكتبان عليه كُلَّ شيء حتى أنينه في مرضه [[أخرجه الطبري (11/ 417) برقم: (31868) عن ابن زيد، وذكره البغوي (4/ 222) ، وابن عطية (5/ 160) ، والسيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه لابن المنذر عن مجاهد.]] ، وقال عِكْرَمَةُ: يكتبان الخير والشَّرَّ فقط [[أخرجه الطبري (11/ 416) برقم: (31864) ، وذكره البغوي (4/ 222) ، وابن عطية (5/ 160) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 119) ، وعزاه لابن المنذر.]] قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 160) .]] : والأوَّلُ أصوب. ت: وروى أبو الدرداء عن النبي ﷺ أَنَّه قال: «كُلُّ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ ابْنُ آدَمَ، فَإنَّهُ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، إذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً، فَأَحَبَّ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّه، فَلْيَأْتِ، فَلْيَمُدَّ يديه إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ، إنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْهَا، لاَ أَرْجِعُ إلَيْهَا أَبَداً، فَإنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ في عَمَلِهِ ذَلِكَ» رواه الحاكم في «المستَدْرَكِ» ، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، يعني البخاريَّ ومسلماً [[أخرجه الحاكم في «المستدرك» (1/ 129) ، (4/ 261) . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.]] ، انتهى من «السِّلاح» ، قال النَّوَوِيُّ- رحمه اللَّه تعالى-: ينبغي لكل مُكَلَّفٍ أَنْ يحفظ لسانه من جميع الكلام إلاَّ كلاماً تظهر فيه مصلحته، ومتى استوى الكلامُ وتركه بالمصلحة فالسُّنَّةُ الإمساكُ فإنَّهُ قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وهذا هو الغالب، والسلامة لا يعدلها شيء، وقد صحّ عنه ﷺ فيما رواه البخاريُّ ومسلم أَنَّه قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ» [[تقدم.]] وهو نَصٌّ صريح فيما قلناه، قال: ورُوِّينَا في «كتاب الترمذيِّ» / و «ابن ماجه» عن النبي ﷺ أنه قال: «من حسن إسلام المرء تركه مَا لاَ يَعْنِيهِ» قال الترمذيُّ: حديث حسن [[أخرجه الترمذي (5/ 558) كتاب «الزهد» باب: (11) (2317) ، وابن ماجه (2/ 1315- 1316) كتاب «الفتن» باب: كف اللسان في الفتنة (3976) من حديث أبي هريرة. قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ إلا من هذا الوجه. والحديث أخرجه أحمد (1/ 201) ، هذا اللفظ، وله رواية أخرى بلفظ «من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه» ، كلاهما من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/ 21) : رواه أحمد، والطبراني في الثلاثة، ورجال أحمد و «الكبير» ثقات، وعن زيد بن ثابت، رواه الطبراني في «الصغير» وفيه محمّد بن كثير بن مروان وهو ضعيف.]] ، وفيه عن عُقْبَةَ بن عامر «قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وابك على خَطِيئَتِكَ» قال الترمذيّ: حديث حسن [[أخرجه الترمذي (4/ 605) كتاب «الزهد» باب: ما جاء في حفظ اللسان (2406) ، وأحمد (5/ 259) ، وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 9) . قال الترمذي: هذا حديث حسن.]] ، وفيه عنه ﷺ قَالَ: «مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ» قال الترمذيُّ: حديث حسن [[أخرجه الترمذي (4/ 606) كتاب «الزهد» باب: ما جاء في حفظ اللسان (2409) ، والحاكم (4/ 357) ، وابن حبان (13/ 9- 10) كتاب «الحظر والإباحة» باب: ما يكره من الكلام وما لا يكره، ذكر البيان بأن من عصم من فتنة فمه وفرجه رجي له دخول الجنة (5703) . قال الترمذي: أبو حازم الذي روى عن أبي هريرة اسمه: سلمان مولى عزة الأشجعية وهو كوفي، وأبو حازم الذي روى عن سهل بن سعد هو: أبو حازم الزاهد مدني، واسمه: سلمة بن دينار، وهذا حديث]] ، انتهى، والرقيب: المُرَاقِبُ، والعتيد: الحاضر. وقوله: وَجاءَتْ عطف، عندي، على قوله: إِذْ يَتَلَقَّى فالتقدير: وإذ تجيء سكرة الموت. ت: قال شيخُنَا، زينُ الدين العراقيُّ في أرجوزته: [الرجز] وَسَكْرَةُ المَوْتِ اختلاط الْعَقْلِ...... البيت. انتهى. وقوله: بِالْحَقِّ معناه: بلقاء اللَّهِ، وَفَقْدُ الحياة الدنيا، وفراقُ الحياة حَقٌّ يعرفه الإنسانُ، ويحيد منه بأمله، ومعنى هذا الحيد أَنَّه يقول: أعيش كذا وكذا، فمتى فكر حاد بذهنه وأمله إلى مسافة بعيدة من الزمان، وهذا شأن الإنسان، حَتَّى يفاجئه الأجل قال عَبْدُ الحَقِّ في «العاقبة» : وَلَمَّا احْتَضَرَ مالك بن أنس، ونزل به الموتُ قال لمن حضره: لَيُعَاينَنَّ الناسُ غداً من عفو اللَّه وَسَعَةِ رحمته ما لم يخطر على قلب بشر، كُشِفَ له- رضي اللَّه عنه- عن سعة رحمة اللَّه وكثرة عفوه وعظيم تجاوُزِهِ ما أوجب أَنْ قال هذا، وقال أبو سليمان الدارانيُّ: دخلنا على عابد نزوره، وقد حضره الموتُ، وهو يبكي، فقلنا له: ما يبكيك- رحمك اللَّه؟! - فأنشأ يقول: [الطويل] وَحُقَّ لِمِثْلِي البُكَا عِنْدَ مَوْتِه ... وَمَالِيَ لاَ أَبْكِي/ وَمَوْتِي قَدِ اقترب وَلِي عَمَلٌ في اللَّوْحِ أَحْصَاهُ خَالِقِي ... فَإنْ لَمْ يَجُدْ بِالْعَفْوِ صِرْتُ إلَى العطب انتهى، ويَوْمُ الْوَعِيدِ: هو يوم القيامة، والسائِقُ: الحاثُّ على السير، واختلف الناسُ في السائق والشهيد، فقال عثمان بن عفان وغيره: هما مَلَكَانِ مُوَكَّلاَنِ بكل إنسان أحدهما يسوقه، والآخر مِنْ حَفَظَتِهِ يشهد عليه [[أخرجه الطبري (11/ 418) برقم: (31871) ، وذكره ابن عطية (5/ 161) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 225) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 123) ، وعزاه لعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم في «الكنى» ، وابن مردويه، والبيهقي في «البعث والنشور» ، وابن عساكر عن عثمان بن عفان.]] ، وقال أبو هريرة: السائق: مَلَكٌ، والشهيد: العمل [[ذكره ابن عطية (5/ 161) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 123) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم في «الكنى» ، وابن مردويه، والبيهقي.]] ، وقيل: الشهيد: الجوارح، وقال بعض النظار: سائق اسم جنس وشهيد كذلك، فالسَّاقَةُ للناس ملائكة مُوَكَّلُون بذلك، والشهداء: الحَفَظَةُ في الدنيا، وكل مَنْ يشهد. وقوله سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ يعمُّ الصالحين وغيرهم فإنَّما معنى الآية شهيد بخيره وشَرِّهِ، ويقوى في شهيد اسم الجنس، فتشهد الملائكة، والبِقَاعُ والجوارحُ وفي الصحيح: «لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس، ولا جِنٌّ، وَلاَ شَيْءٌ إلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [[أخرجه البخاري (2/ 104) كتاب «الأذان» باب: رفع الصوت بالنداء (609) ، (6/ 395) كتاب «بدء الخلق» باب: ذكر الجن وثوابهم وعقابهم (3296) ، (13/ 528) كتاب «التوحيد» قول النبي ﷺ: «الماهر بالقرآن مع سفرة الكرام البررة، وزينوا القرآن بأصواتكم» ، (7548) ، وابن ماجه (1/ 239- 240) كتاب «الأذان والسنة فيه» باب: فضل الأذان وثواب المؤذنين (723) ، ومالك (1/ 69) كتاب «الصلاة» باب: ما جاء في النداء للصلاة (5) ، وابن خزيمة في «صحيحه» (1/ 203) كتاب «الصلاة» باب: فضل الأذان ورفع الصوت به وشهادة من يسمعه من حجر ومدر وشجر وجن وإنس للمؤذن، (389) ، والحميدي (2/ 321) ، (732) ، وأحمد (3/ 6) كلهم عن أبي سعيد الخدري مع اختلاف يسير في اللفظ.]] . وقوله سبحانه: لَقَدْ كُنْتَ قال ابن عباس وغيره: أَي: يقال للكافر [[أخرجه الطبري (11/ 420) برقم: (31885) ، وذكره ابن عطية (5/ 162) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 225) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 123) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.]] : لقد كنتَ في غفلة من هذا، فلمَّا كُشِفَ الغطاءُ عنك الآنَ احْتَدَّ بصرُك، أي: بصيرتك وهذا كما تقول: فلان حديد الذِّهْنِ ونحوه، وقال مجاهد [[ذكره البغوي (4/ 223) ، وابن عطية (5/ 162) .]] : هو بصر العين، أي: احْتَدَّ التفاته إلى ميزانه، وغيرِ ذلك من أهوال القيامة. والوجه عندي، في هذه الآية، ما قاله الحسن وسالم بن عبد اللَّه [[ذكره ابن عطية (5/ 162) .]] : إنَّها مُخَاطَبَةٌ للإِنسان ذي النفس المذكورة من مؤمن وكافر، وهكذا، قال الفخر [[ينظر: «تفسير الرازي» (14/ 142) .]] : قال: والأقوى أنْ يقال: هو خطاب عامٌّ مع السامع، كأنَّهُ يقول: ذلك ما كنتَ منه تحيد أيُّها السامع، انتهى، وينظر إلى معنى كشف/ الغطاء قول النبي ﷺ: «النّاس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا» [[أورده الغزالي في «الإحياء» (4/ 23) .- قال العجلوني في «كشف الخفاء ومزيل الإلباس» : هو من قول علي بن أبي طالب، لكن عزاه الشعراني في «الطبقات» لسهل التّستري، ولفظه في ترجمته ومن كلامه: الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا، وإذا ماتوا ندموا، وإذا ندموا لم تنفعهم ندامتهم اهـ.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب