الباحث القرآني
وقوله سبحانه: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ يريد: النوع، أي: هكذا مَضَتْ شرائِعِي وكُتُبِي، فَهِيَ وَصِيَّةٌ من اللَّه في عباده، وبِرُّ الوالدَيْنِ واجبٌ، وعُقُوقُهُمَا كبيرة، وقد قال النبيّ ﷺ:
«كُلُّ شَيْءٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ إلاَّ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إله إلاَّ اللَّه، وَدَعْوَةَ الْوَالِدَيْنِ [[ذكره الهندي في «كنز العمال» (3318) ، وعزاه إلى ابن النجار في «التاريخ» .]] قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 96) .]] : ولن يَدْعُوَا في الغالب إلاَّ إذا ظلمَهُمَا الوَلَدُ، فهذا يَدْخُلُ في عُمُومِ قوله- عليه السلام-: «اتَّقُوا دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» [[أخرجه أحمد (3/ 153) من طريق أنس.]] ثم عَدَّدَ سُبْحَانَهُ عَلَى الأبْنَاءِ مِنَنَ الأُمَّهَاتِ.
وقوله تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً قال مجاهد، والحسن، وقتادة: حملته مَشَقَّةً، ووضعته مَشَقَّةً، قال أبو حَيَّان [[ينظر: «البحر المحيط» (8/ 61) .]] : وَحَمْلُهُ على حَذْفِ مضافٍ، أي: مدَّة حمله، انتهى.
وقوله: ثَلاثُونَ شَهْراً يقتضى أَنَّ مُدَّة/ الحمل والرَّضَاعِ هي هذه المُدَّةُ، وفي البقرة: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ [البقرة: 233] فيترتب من هذا أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الحَمْلِ سِتَّةُ أَشهر، وأقلَّ ما يَرْضَعُ الطفْلُ عَامٌ وتسعَةُ أشْهُرٍ، وإكمال الحولَيْنِ هو لمن أراد أَنْ يُتِمَّ الرضاعة، وهذا في أمد الحَمْلِ، هو مذهب مالك وجماعة من الصحابة، وأقوى الأقوال في بلوغ الأَشُدِّ ستةٌ وثلاثُونَ سنَةً، قال ع [[ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 97) .]] : وإنَّما ذكر تعالى الأربعين لأَنَّها حَدٌّ للإنسان في فلاحه ونَجَابَتِهِ، وفي الحديث: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَجُرُّ يَدَهُ على وَجْهِ مَنْ زادَ عَلَى الأَرْبَعِينَ وَلَمْ يَتُبْ، فَيَقُولُ: بِأَبِي، وَجْهٌ لاَ يُفْلِحُ» .
ت: وحَدَّثَ أبو بَكْرِ ابْنُ الخَطِيبِ في «تاريخِ بَغْدَادَ» بسنده المُتَّصِلِ عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «إذَا بَلَغَ الْعَبْدُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، أَمَّنَهُ اللَّهُ مِنَ البَلاَيَا الثَّلاَثِ: الجُنُونِ، وَالجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، فَإذا بَلَغَ خَمْسِينَ سَنَةً خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ الحِسَابَ، فإذا بلغ ستّين سنة رزقه اللَّهُ الإنَابَةَ لِمَا يُحِبُّ، فَإذَا بَلَغَ سَبْعِينَ سَنَةً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَشُفِّعَ في أَهْلِ بَيْتِهِ، وَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: هَذَا أَسِيرُ اللَّهِ في أَرْضِهِ» [[أخرجه أحمد (2/ 89) ، وذكره الهندي في «كنز العمال» (15/ 670) (42662) ، وعزاه إلى الديلمي عن أنس، قال ابن حجر في «القول المسدد» في الذب عن مسند الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا أنس بن عياض حدثني يوسف بن أبي ذرة عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أنس بن مالك قال: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة، إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء:
الجُنُونِ، وَالجُذَامِ، وَالْبَرَصِ، فَإذا بَلَغَ خَمْسِينَ سَنَةً لين الله عليه الحساب، فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب، فإذا بلغ سبعين أحبه الله، وأحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين قبل الله حسناته، وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، وسمي أسير الله في أرضه، وشفع لأهل بيته» . ورواه أحمد أيضا موقوفا على أنس:
قال: حدثنا أبو النضر، ثنا الفرج، ثنا محمّد بن عامر، عن محمّد بن عبيد الله، عن جعفر بن عمرو، عن أنس بن مالك قال: إذا بلغ الرجل المسلم أربعين سنة أمنه الله من أنواع من البلاء: من الجنون، والجذام، والبرص، وإذا بلغ الخمسين لين الله عز وجل عليه حسابه، وإذا بلغ الستين رزقه الله إنابة يحبه عليه، وإذا بلغ السبعين أحبه الله وأحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين تقبل الله منه حسناته، ومحا عنه سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمي: أسير الله في الأرض، وشفع في أهله. وعلة الحديث المرفوع يوسف بن أبي ذرة، وفي ترجمته أورده ابن حبان في «تاريخ الضعفاء» وقال: يروي المناكير التي لا أصل لها من كلام رسول الله ﷺ، لا يحل الاحتجاج به بحال. روي عن جعفر بن عمرو عن أنس ذاك الحديث، وأورد ابن الجوزي في «الموضوعات» هذا الحديث من الطريقين: المرفوع والموقوف، وقال: هذا الحديث لا يصح عن النبي ﷺ، وأعل الحديث الموقوف بالفرج بن فضالة، وحكى أقوال الأئمة في تضعيفه، قال: وأما محمّد بن عامر فقال ابن حبان: يقلب الأخبار ويروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم. وأما محمّد بن عبيد الله فهو العرزمي، قال أحمد:
ترك الناس حديثه. قلت: وقد خلط فيه الفرج بن فضالة فحدث به هكذا وقلب إسناده مرة أخرى فجعله من حديث ابن عمر مرفوعا أيضا، رواه أحمد أيضا.
ينظر: «القول المسدد» (7- 8) .]] انتهى، وهذا- واللَّه أعلم- في العبد المُقْبِلِ على آخرته، المشتغل بطاعة ربه.
وقوله: رَبِّ أَوْزِعْنِي معناه: ادفع عني الموانع، وأَجِرْنِي من القواطع لأجل أنْ أشكرَ نعمتك، ويحتمل أنْ يكون أَوْزِعْنِي بمعنى: اجعل حَظِّي ونصيبي، وهذا من التوزيع.
ت: وقال الثعلبيُّ وغيره أَوْزِعْنِي: معناه: ألهمني، وعبارة الفَخْر [[ينظر: «تفسير الرازي» (28/ 18) .]] : قال ابن عباس أَوْزِعْنِي: معناه: ألهمني [[أخرجه الطبري (11/ 284) برقم: (31262، 31264) ، وذكره ابن عطية (5/ 97) .]] ، قال صَاحِبُ «الصِّحَاحِ» استوزعت/ اللَّهَ فَأَوْزَعَنِي، أي: استَلْهَمْتُهُ فألْهَمَنِي، انتهى، قال ابن عبّاس نِعْمَتَكَ: في التوحيد وصالِحاً تَرْضاهُ: الصلواتِ، والإصلاحُ في الذُّرِّيَّةِ: كونُهم أَهْلَ طاعة وخير [[ذكره ابن كثير ولم يعزه إلى أحد.]] ، وهذه الآية معناها: أن هكذا ينبغي للإنسان أنْ يَكُونَ، فهي وَصِيَّةُ اللَّه تعالى للإنسان في كُلِّ الشرائع، وقولُ مَنْ قال: إنَّها في أبي بكر وأبويه- ضعيف لأَنَّ هذه الآية نزلت بمَكَّةَ بلاَ خِلاَفٍ، وأبو قُحَافَةَ أَسْلَمَ عامَ الفتح، وفي قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ ...
الآية: دليلٌ على أَنَّ الإشارة بقوله: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ إنما أراد بها الجِنْسَ.
وقوله: فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ يريد: الذين سبقت لهم رحمةُ اللَّه، قال أبو حَيَّان [[ينظر: «البحر المحيط» (8/ 61) .]] فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ قيل: فِي على بابها، أي: في جملتهم كما تقول: أَكْرَمَنِي الأمِيرُ في نَاسٍ، أي: في جملةِ مَنْ أَكْرَمَ، وقيل: فِي بمعنى مع، انتهى.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰلِدَیۡهِ إِحۡسَـٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهࣰا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهࣰاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَـٰلُهُۥ ثَلَـٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰۤ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِیۤ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ ٰلِدَیَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَـٰلِحࣰا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِی فِی ذُرِّیَّتِیۤۖ إِنِّی تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَإِنِّی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُوا۟ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَیِّـَٔاتِهِمۡ فِیۤ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِی كَانُوا۟ یُوعَدُونَ"],"ayah":"وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰلِدَیۡهِ إِحۡسَـٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهࣰا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهࣰاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَـٰلُهُۥ ثَلَـٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰۤ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِیۤ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ ٰلِدَیَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَـٰلِحࣰا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِی فِی ذُرِّیَّتِیۤۖ إِنِّی تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَإِنِّی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











