الباحث القرآني

وقوله سبحانه: أَفَنَضْرِبُ بمعنى: أفنترك تقول العرب: أَضْرَبْتُ عن كذا وضَرَبْتُ: إذا أَعْرَضْتَ عنه وتركته، والذِّكْرَ هو: الدعاء إلى اللَّه، والتذكير بعذابِه، والتخويف من عقابه، وقال أبو صالح: الذِّكْرُ هنا أراد به العذاب نفسه [[ينظر: المصدر السابق.]] ، وقال الضَّحَّاكُ ومجاهد: الذكر القرآن [[ينظر: المصدر السابق.]] . وقوله: صَفْحاً: يحتمل أَنْ يكون بمعنى العفو والغفر للذنوب، فكأَنَّهُ يقول: أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفواً عنكم، وغفراً لإجرامكم من أجل أنْ كنتم قوماً مسرفين، أي: هذا لا يصلح وهذا قول ابن عباس ومجاهد [[أخرجه الطبري (11/ 167) برقم: (30770- 30771) عن قتادة نحوه، والبغوي في «تفسيره» (4/ 134) .]] ويحتمل قوله: صَفْحاً أن يكون بمعنى مغفولاً عنه، أي: نتركه يَمُرُّ لا تؤخذون/ بقبوله ولا بتدبُّره، فكأَنَّ المعنى: أفنترككم سُدًى، وهذا هو منحى قتادةَ وغيره، وقرأ نافع وحمزة والكسائي: «إنْ كُنْتُمْ» بكسر الهمزة [[ينظر: «السبعة» (584) ، و «الحجة» (6/ 138) ، و «إعراب القراءات» (2/ 292) ، و «معاني القراءات» (2/ 361) ، و «شرح الطيبة» (5/ 217) ، و «العنوان» (171) ، و «حجة القراءات» (644) ، و «شرح شعلة» (575) ، و «إتحاف» (2/ 453) .]] ، وهو جزاءً دَلَّ ما تقدَّمه على جوابه، وقرأ الباقون بفتحها بمعنى: من أجل أَنْ، والإسراف في الآية هو كُفْرُهُمْ. «وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ» أي: في الأُمَمِ الماضية، كقوم نوحٍ وعادٍ وثمودَ وغيرهم. «وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» أي: كما يستهزىء قومك بك، وهذه الآية تسلية للنّبيّ ﷺ، وتهديد بأَنْ يصيبَ قريشاً ما أصاب مَنْ هو أَشَدُّ بَطْشاً منهم. وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ أي: سلف أمرهم وسُنَّتُهُم، وصاروا عبرةً غَابِرَ الدَّهْرِ، أنشد صاحبُ «عنوان الدِّرَايَةِ» لشيخه أبي عبد اللَّه التَّمِيميِّ: [البسيط] يَا وَيْحَ مَنْ غَرَّهُ دَهْرٌ فَسُرَّ بِهِ ... لَمْ يَخْلُصِ الصَّفْوُ إلاَّ شِيبَ بِالْكَدَرِ هُوَ الْحِمَامُ فَلاَ تُبْعِد زِيَارَتَه ... وَلاَ تَقُلْ لَيْتَنِي مِنْهُ على حَذَرِ انْظُرْ لِمَنْ بَادَ تَنْظُرْ آيَةً عَجَباً ... وَعِبْرَةً لأولي الأَلْبَابِ وَالْعِبَرِ أَيْنَ الألى جَنَبُوا خَيْلاً مُسَوَّمَةً ... وَشَيَّدُوا إرَماً خَوْفاً مِنَ الْقَدَرِ لَمْ تُغْنِهِمْ خَيْلُهُمْ يَوْماً وَإنْ كَثُرَتْ ... وَلَمْ تُفِدْ إِرَمٌ لِلْحَادِثِ النُّكُرِ بَادُوا فَعَادُوا حَدِيثاً إنَّ ذَا عَجَبٌ ... مَا أَوْضَحَ الرَّشْدَ لَوْلاَ سَيِّىءُ النَّظَرِ تَنَافَسَ النَّاسُ في الدُّنْيَا وَقَدْ عَلِمُوا ... أنّ المقام بها كاللّمح بالبصر انتهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب